وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في اليوم الـ21: تُرِكَ ابراهيمُ ينزفُ حتى الموت!!

نشر بتاريخ: 16/01/2010 ( آخر تحديث: 16/01/2010 الساعة: 16:05 )
غزة- معا- مع الموت كان موعدهم في اليوم الحادي والعشرين من الحرب... اثناء عودتهم من مزرعتهم الواقعة شرق خان يونس متوجهين الى منزلهم في المدينة مستغلين فترة التهدئة "الانسانية" التي كانت تعلن عنها اسرائيل ولكن الطلقات النارية الكثيفة كانت اقرب اليهم من اي شي اخر... فاصابت محمد شراب، البالغ من العمر (65 عاماً) وابنيه إبراهيم، البالغ من العمر (17 عاماً)، وكساب، البالغ من العمر (28 عاماً).

أصيب كساب بطلق ناري في الصدر وقتل على الفور أما إبراهيم فقد أصيب بجراح غير قاتلة في ساقه ولكنه ترك ينزف حتى الموت حيث لم تسمح قوات الاحتلال الإسرائيلي لسيارات الإسعاف من الوصول إلى المكان وإخلاء المصابين إلا بعد مرور حوالي 22 ساعة من لحظة إصابتهم. أصيب محمد شراب بشظايا زجاج السيارة وكانت الإصابة في يده. أجرى مركز الميزان لحقوق الإنسان مقابلة مع محمد بعد مرور قرابة عام على الاعتداء وسأله عن كيفية تغلبه وأسرته على تلك الحادثة.

ضغط ما بعد الصدمة

"لا أستطيع النوم الآن بدون أخذ حبوب للنوم"، يقول محمد بلغة إنجليزية واضحة. "بمجرد أن أضع رأسي على الوسادة وأغلق عيني أرى ما حدث أمام عيني وكأنني أشاهد فيلم فيديو".

ذهب كساب وأخوه إبراهيم إلى مزرعة والدهما للاطمئنان عليه وإعطائه بعض الطعام وذلك قبل ساعات قليلة من وقوع الاعتداء. قرر محمد أن يقل أبناءه إلى منزلهم في مدينة خان يونس وذلك خلال فترة التهدئة "الإنسانية" المعلنة من قبل الجانب الإسرائيلي.

"كنا في طريقنا إلى خان يونس عندما سمعت صوت شي يرتطم بزجاج السيارة الأمامي. عرفت أنه رصاص فصرخت على أبنائي بأن ينزلوا من السيارة ويختبئوا وراءها. وعندما خرج كساب أصيب بعيار ناري في الصدر. سار كساب على قدميه خمس خطوات ثم سقط على الأرض. طلبت من إبراهيم أن يخرج من السيارة أيضا. قلت له بمجرد أن يعرف الإسرائيليون بأننا مدنيين سيوقفون إطلاق النار علينا. وبمجرد خروجه من السيارة أصابه الجنود بعيار ناري في الساق".

بدأ إبراهيم بالصراخ "بابا أنا مصاب أطلب سيارة إسعاف" قلت له بألا يقلق كنت قد رأيته قد أصيب في ساقه أسفل الركبة وأخبرته بأنه سيكون على ما يرام وأن إصابته غير قاتلة. أمسك إبراهيم بالهاتف الخلوي لكي يتصل بالإسعاف إلا أننا سمعنا صوت جندي إسرائيلي يصرخ ويقول "ارمي الجوال على الأرض وإلا قتلتك". وسأل أحد الجنود إبراهيم من أنتم وأجابه إبراهيم. ثم قال الجندي لا تستخدم الهاتف وكن هادئا وإلا قتلتك".

وفي نهاية الأمر سمح الجنود الإسرائيليون لمحمد باستخدام هاتفه النقال وذلك بعدما توسل إليهم كثيرا. اتصل محمد بإدارة الإسعاف ولكن الجنود لم يسمحوا لهم بالاقتراب من تلك المنطقة. "كنت أخبر إدارة الإسعاف بأن المنطقة هادئة ولا يوجد إطلاق نار. لم يكن هناك أحد غيري أنا وأبنائي. شعر إبراهيم بالبرد. كان يرتجف ويرتعش من البرد. غطيته بجاكيتي ولكنه بقي متجمدا فغطيته بملابسي المتسخة التي كنت قد أخذتها من المزرعة لكي تغسلها زوجتي في منزلنا في مدينة خان يونس".

بالرغم من كافة الاتصالات ونداءات المساعدة وطلب التدخل من قبل منظمات أهلية إسرائيلية وأطباء لحقوق الإنسان في إسرائيل مع السلطات الإسرائيلية لم يسمح لسيارات الإسعاف من الدخول إلى تلك المنطقة. وعند حوالي الساعة 1:15 فجرا اتصلت منظمات أهلية بمحمد وأخبرهم بأن ابنه إبراهيم فارق الحياة متأثراً بجراحه التي أصيب بها في قدمه.

لماذا أطلقوا علينا النار؟؟

"لماذا أطلقوا علينا النار؟"، يتساءل محمد "لماذا تعاملوا معنا بوحشية؟؟ كان بإمكانهم إطلاق النار على السيارة أو إطلاق نار تحذيري. أطلقوا النار لكي يقتلونا ثم ضحكوا وسخروا منا ونحن نتوسل طلباً للمساعدة. تم إنقاذي في اليوم التالي بقينا حوالي 24 ساعة ونحن في ذلك المكان. بقيت في المستشفى لمدة خمسة أيام حتى أنني لم أتمكن من حضور جنازة أبنائي ومواراتهم الثرى".

لن نعود كما كنا في السابق. عندما ترى زوجتي المكان الذي قتل فيه أبنائي تتألم كثيراً. لا تريد زوجتي أن تأتي إلى المزرعة مرة أخرى فهي تتذكر كيف كان أبناؤنا يقطفون الفواكه ويزرعون الأشجار. أحضرت لها طبيباً نفسياً خاصاً لكي يعالجها لأنها لازالت تتذكر الحادث المأساوي الذي حدث لأبنائنا ولا تستطيع التنفس ولكن للأسف هذا لم يساعدها.

يؤمن محمد بأن العالم لن يستطيع النظر إلى الشعب الفلسطيني على أنهم أشخاص كغيرهم من العالم. "كيف يمكننا إقناع الناس بذلك؟ كيف يمكننا أن نقنعهم بأننا كغيرنا من البشر؟؟ أنا أقرأ كتب وأطبخ, اهتم بعائلتي. هل عليَّ أن أوضح للعالم بأني أقرأ لأرنست همنغواي ووليام شكسبير؟؟ أبنائي لديهم أحلام وآمال كغيرهم من الرجال. كان كساب مهندس مدني وكان يخطط دائماً لمستقبله. أراد إبراهيم أن يلتحق بالجامعة. ضاع كل شيء في ثانية. لا زلنا لا نصدق بأن أولادي قتلوا. فكلما أنظر إلى الشارع أتوقع أن أرى أبنائي وهم يتجهون نحوي. لا يكفي أن أكون حزيناً وأبكي. على الناس أن يفعلوا شيئا لكي يوقفوا ذلك".