|
كمن أعيدوا للحياة بعد فقدانها..
نشر بتاريخ: 21/01/2010 ( آخر تحديث: 21/01/2010 الساعة: 09:53 )
رام الله- معا- يلف فيها المكان يدور اهلها واصدقاؤها حولها كمن يرقص رقصة النهاية لفترة مضت.. يضربون.. يصرخون.. يبكون.. يركضون هنا وهناك.. فجأة ينبهت الضوء تفتح عينيها على زواية.. بناتها الثلاث والدموع تترقق في عيونهن وعلى السرير المجاور المعيل الوحيد للعائلة والعكازات بجانبه.. وحيدون هم ينتظرون يدا تكسر صمت الجرس الذي لم يعتد احد على انقطاعه.. كل شبر في هذا المكان يشهد لزوار ملأه بضحكاتهم اما بعد ذلك الحادث لم يدسه أحد.. لم تكن تعلم صابرين الام لثلاث بنات أن حادث عمل كسر قدمي زوجها على اثره ستكسر الصورة التي اعتادت عليها لمن حولها.. دموعها لم تجف بعد عن وجنتيها.. اعتبرتهم كمن كان يلبس القناع وخلعه كمن كان مخبأً ولم يظهر في وقت احتاجت فيه العائلة إليه بينما كانوا اقرب الناس اليهم.
حتى لكسرة الخبز ثمن.. كل الابواب التي طرقت تريد المقابل لكسرة خبز قد يتمننون بها بعد سرد قصة توجع ذاكرتها كما لو انها حدثت الان.. نظرات الاستغلال تملؤهم بينما لم تطلب الام سوى كسرة خبز قد تسكت أفواها جائعة والأب ما زال مقعدا في فراشه.. لتهرب صابرين التي لم تصل أكثر من المرحلة الابتدائية من هذا المشهد.. وفي مرات عدة تغلق الباب في وجهها طرقت كل الابواب الا باب أقاربها واهلها لانهم الوحيدون برأيها الذين يعلمون انهم لا يملكون اي شيئ في الغرفتين الصغيرتين وتلك الفراغات التي تعمهما تتحدث عن أشياء كثيرة تنقص من يملأون هذا المنزل حياة. صدمة.. "صرت اخاف اروح من المدرسة عالبيت بعد ما صار الحادث مع ابوي وقعد في البيت مش منو من امي الي طول الوقت بتعيط وفش حد جمبها صرت اخاف من شو بتفكر اليوم راح تكون معصبة ولا امتى راح ترجع زي قبل". قدما نهال ابنة السابعة عشر عاما مثقلة بخوف من القادم والبنات الثلاثة كأنهن اكبر من الاعوام التي عاشوها والتي لم تتجاوز السابعة عشر للكبرى والست سنوات للصغرى..كمن رمى فتيلا من النار واشعل هدوء المنزل وأهتز الواقع امامهن بعد الحادث والاكثر اهتزازا هي الام التي لم تجف دمعتها دون ان ترى مستقبل منزلها الذي يهدم بعد تعرضها لازمة ثقة بمن حولها..رأسها مشوش الاوراق مبعثرة والبكاء سيد الموقف فيما اصبح بنظر البنات مشهدا اعتادو عليه.. بيت يكاد ما يدخله من الطعام لا يكفي الا لايام قلائل ومن حولها ادارو وجوههم ونظرو بصمت الى معاناتها التي أصبحت صدمتها فيهم هي التي أوصلتها الى هذا الحال.. ركضت مها لتفتح الباب بعد ان قرع الجرس الذي طال صمته لتجد خلفه المرشدة الاجتماعية جميلة والتي تعمل ضمن برنامج ارشاد اسري ينفذه مركز التعليم المستمر التابع لجامعة بير زيت ولم تكن تعلم انها ستحمل معها الهدوء والراحة لقلب والدتها التي فتحته لها دون ان تبدي اي امل في البداية لاي تغير بعد فقدانها الثقة بمن حولها وضعتا الاوراق المبعثرة على طاولة واحدة وبعد عدة جلسات أرشادية بدأ الحال يصبح مختلفا والبنات اصبحن الاهم في أجندتها فيما أصبحت الام التي تنتظر الان عملا ولا تريد أي شيء ممن حولها. شعاع من الامل: لم تكن صورة عادية أبدا.. على شفاهم البسمات وفي عيونهم قوة غربية افتقدوها لفترة عيونهم تنظر الى الامام وفقط عيون صابرين تحنو الى بناتها الثلاث.. (وضعتها بجانب سريري لكي أغمض عيوني على رؤياهم ولن انسى ايام قاسية ممرنا بها) (جد هلاء صار كل اشي غير انو بتعامل معها براحة زمان كل كلمة منا تحسبها علينا وتصير تعيط ..هلاء ماما غير) كأنه النور في اخر النفق والبسمة التي لا تفارق شفتي نهال هي الدليل الان .. تجلس بجانب والدتها وتنظر اليها بشغف. .الضحكات تتعالى البنات الثلاث والام التي باتت اسراتها محور اهتمامها أما زوجها فقبل ايام فقط عاد للعمل من جديد. اكثر من 90%يحتاجون لارشاد أسري: خلف كل باب مغلق اسراره.. قد يبدو صمتهم اعتياديا لكن الباب المغلق قد لا يحمل وراءه التعاسة أو السعادة. صابرين وعائلتها وضعوا على الطريق الصحيح فيما ترى المرشدة الاجتماعية جميلية عبد الله في مركز التعليم المستمر لا يزال أكثر من 90% من الشعب الفلسطيني يحتاجون الى ارشاد قد يضئ الطريق امامهم مجددا كما سيضاء لخمسة عشر عائلة أخرى ضمن مشروع الارشاد الاسري الذي يجريه مركز التعليم المستمر في جامعة بير زيت. |