وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

المساعدات الاوروبية في فلسطين: ماذا لو توقفت؟

نشر بتاريخ: 23/01/2010 ( آخر تحديث: 23/01/2010 الساعة: 23:55 )
بيت لحم- خاص معا- عبد الحكيم صلاح- في قلب العاصمة البلجيكية بروكسل يرتفع مبنى شاهق ضخم هو مقر ممثليات الاتحاد الاوروبي بفروعها ودوائرها العديدة وما يجعله مميزا بالنسبة لي -انا الفلسطيني القادم من بيت لحم- اكثر من تصميمه الجميل والزجاج الذي يلف جدرانه الشاهقة ان ما يدور بداخله يستحوذ على اهتمام الكثير من المواطنين في فلسطين من رام الله حتى غزة وهم يبعدون عنه الاف الاميال، كيف لا والاتحاد الاوروبي من اكبر الممولين للشعب الفلسطيني على الصعيد الرسمي ممثلا بالسلطة الوطنية وعلى صعيد منظمات المجتمع المدني.

الاهتمام الكبير بهذا المبنى لا علاقة له بآلية عمله ولا بجماله وانما لان بداخله يصنع الخبر الاهم الذي تتناوله الصحافة ووسائل الاعلام الفلسطينية على راس كل شهر،الا وهو رواتب العاملين في الوظيفة العامة في فلسطين، وإذا ما كانت ستدفع في وقتها ام انها ستتاخر اسبوعا او شهرا او اكثر من ذلك.

يضاف الى ذلك ان الساسة الفلسطينيين وطبقة المثقفين يولون اهمية كبيرة لبلورة موقف اوروبي سياسي داعم للقضية الفلسطينية قد يكون فيه مايخفف من وطأة الانتهاكات الاسرائيلية للحقوق الفلسطينية او بارقة امل للوصول الى حل عادل للقضية طالما طال انتظاره.

اما الاسرائيليون "الذين يشككون في كل شيء" حسب كلمات توماس دوبلا ديمورال مدير العلاقات الخارجية للشرق الاوسط وجنوب المتوسط في المفوضية الاوروبية "فلا تروق لهم سياسة الاتحاد الاوروبي تجاه الفلسطينيين فتجدهم يتهمون الاتحاد بعدم الحيادية تارة وبدعم مايسمونه "المنظمات الاهابية" تارة اخرى، او بان الاموال الاوروبية تنفق في قنوات يعمها الفساد الاداري والمالي.

وما بين التذمر الاسرائيلي والقلق على مصير السلطة الوطنية الفلسطينية،وبالتالي دق المسمار الاخير في نعش العملية السلمية، تتزايد الضغوط على صناع القرار في الاتحاد الاوروبي مما يزيد حالة الارتباك والضبابية بشأن تحديات المستقبل.

منذ عام 2000 استثمرت المفوضية الاوروبية في فلسطين نحو 3.5 مليار يورو،ولم يتحقق الاستقرار ولا التنمية المستدامة ولاغيرها من الاهداف بل ازدادت حالة الاحباط لدى المواطن الفلسطيني رغم ان "البرلمان الاوروبي والاتحاد الاوروبي اجريا تحقيقين دحضت نتائجهما مزاعم الفساد المالي في السلطة الوطنية" كما اوضح مستشارون في الممثلية الفلسطينية في بروكسل.

اين الخلل اذا؟ لم تتردد روزا بلفور من مركز السياسات الاوروبية بالقول"نعم" ردا على سؤال عما اذا كان جزء كبير من الاموال التي تنفق في فلسطين يذهب لاعادة بناء او اصلاح ما تدمره اسرائيل من بنى تحتية وغيرها.

ومما يبعث على القلق في هذه الاونة انه بدأت تبرز في بروكسل اصوات تنادي بعدم اعادة بناء ماتدمره اسرائيل في الاراضي الفلسطينية،"بدعوى ان تمويل اعادة البناء يعني تمويل احتلال الاراضي الفلسطنينية" وهي فكرة بدات تطرح في اروقة الاتحاد الاوروبي نوه اليها جون اوروك مسؤول الادارة المركزية لتسيق سياسة الجوار الاوروبية في مكتب العلاقات الخارجية في المفوضية الاوروبية.

هذا المؤشر الخطير الذي قد يترك اثارا كارثية على الوضع الفلسطيني، وقد يطيح حتى بالسلطة الوطنية، انما يدل على ان سياسة التذمر الاسرائيلية بدأت تدفع بالموقف الاوروبي اكثر فاكثر نحو الانصياع للسياسة الخارجية الامريكية تجاه الشرق الاوسط.

الموقف السياسي الاوروبي تجاه الشرق الاوسط "يتأثر اصلا بالموقف الامريكي"على حد قول صحفي عربي مختص بالسياسة الاوروبية يعمل في بروكسل، وقد عزز قوله بالاشارة الى ان الموقف الايجابي تجاه الشرق الاوسط خلال فترة رئاسة السويد لم يكن ليحدث لولا ظهور ادارة امريكية جديدة.

من اجل تجنب المزيد من التدهور في الاوضاع الفلسطينية قد يصل الى درجة الانهيار لابد من التذكير بان نصيبا كبيرا من الاموال المتدفقة الى المناطق الفلسطينية يذهب بصورة غير مباشرة الى اسرائيل، سواء كان ذلك لاعادة اعمار ماتدمره الة الحرب او ماتجنيه اسرائيل من تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصادها قسرا،لان جميع السلع التجارية التي تدخل الاراضي الفلسطينية تدخل عبر القنوات الاسرائيلية.

من اجل ذلك كله حري بالاتحاد الاوروبي ان يمارس ضغوطا سياسية على الحكومة الاسرائيلية من خلال الضغوط الاقتصادية بدلا من ان يناقش مشروعية اعادة الاعمار من عدمه في المناطق "والاتحاد يملك وسائل فعالة تكفي لان تجبر اسرائيل على الجلوس الى طاولة المفاوضات، لكن مايحول دون ذلك غياب الرغبة السياسية" حسب تعبير مستشار بالممثلية الفلسطينية بالاتحاد الاوروبي.

ولا يعقل ان يترك الحبل على الغارب لاسرائيل التي حررتها عملية السلام من جميع التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني كدولة احتلال لتتحكم حتى فيما تقدمه اوروبا، ويبقى الامل بان لا يستمع صناع القرار في ذلك المبنى الزجاجي الشاهق ببروكسل لاصوات التذمر الاسرائيلي التي تخفي وراءها رغبة في تحديد عنوان واحد للخبر الشهري الاهم ليكون "لاتوجد رواتب للعاملين في الوظيفة العمومية".