|
غزة: الشاب تامر أبوعيده لم يقفل محل والده الشهيد رغم تردي الأوضاع
نشر بتاريخ: 25/02/2010 ( آخر تحديث: 25/02/2010 الساعة: 21:42 )
غزة - معا - كان محل أبو عيده للاتصالات الدولية من أول المحال في قطاع غزة التي توفر اتصالاً للدول العربية والأجنبية منذ بداية الثمانينات، وعُرف وقتها كمحل سباق في تبني كل ما هو حديث في عالم الاتصالات والأجهزة الخلوية وتطورها.
هكذا يتذكر الشاب تامر أبو عيده (25 عاماً) الذي كان حينها طفلا لا يتجاوز العاشرة كيف أن وعيه الأول تفتح في كنف والده وعمله في محل الاتصالات، لتكون تلك الذكريات سبباً في إخلاصه للمحل حتى هذه اللحظة. ورغم الصعاب التي واجهها تامر في حياته، من ضمنها العدوان الأخير على القطاع وتدمير المحل ثم تحويله من محل للاتصالات إلى بقالة، إلا أنه لا يزال يحتفظ باللافتة ذاتها على أنه للاتصالات. يقول تامر أثناء جلوسه وراء مكتب صغير عليه جميع أنواع البسكويتات مشغولاً حينا بسرد ذكرياته وحيناً آخر بالانتباه لمن يدخل من الزبائن "لا أذكر أني عشت طفولتي مثل البقية، كنت على الدوام مبهوراً بعالم الاتصالات والأجهزة التي يجلبها والدي، ليكون محله الأسبق في عرض الخدمات والأجهزة الحديثة، ففي البداية كان يتصل بالدول العربية عبر المحطات في الضفة الغربية أو مصر، ثم في بداية التسعينات استورد عددا من أجهزة اللاسلكي التي عملت حينها وظيفة الهاتف النقال حاليا، وفي نهاية التسعينات بدأ نظام الهاتف الجوال واهتم فيه كثيرا". لازم تامر والده في كل حركاته وصفقات عمله واهتمامه بأقل التفاصيل كديكورات محله وترتيب البضاعة على الأرفف حتى جاء عام 2003 واستشهد والده في قصف إسرائيلي، وأصيب هو. يقول تامر "أصبت في رأسي وجلست في مستشفى الشفاء ثلاثة أيام، وحين بدأت أعي ما يحدث عرفت أن والدي استشهد، صرخت وبكيت ولم أصدق موته، ومنذ لحظتها تغير عالمي إلى الأبد، أصبحت رجل العائلة الوحيد المسؤول عن مصاريف أسرة مكونة من عشرين فرداً وأنا لا أزال في سن السادسة عشرة". ومنذ ذلك الحين ذاق تامر طعم المسؤولية وقسوة الحياة من قبل الجميع حتى الأقارب، فالجميع يريد حصته سواء كانت مالا أو أجهزة المحل من هواتف خلوية حديثة، ووثق على صغر سنه بمطالبهم ونواياهم حتى وجد في نهاية الأمر أن الأرفف فارغة والديون كثيرة ولا يكاد المحل يطعم أحداً. يضيف تامر "مواقف كثيرة شعرت خلالها باليأس وكدت أقفل المحل لكن صوت والدي وتذكري لوجهه وحركاته داخل هذا المكان الضيق يجعلني في كل مرة أقف على قدمي من جديد مهما كان ألمي الداخلي، حتى كان العام 2008 وبداية تحقق الأحلام". في العام 2008 ساعد منتدى شارك الشبابي في تحقيق حلم تامر وسداد ديونه عبر منحة مالية مقدمة من البنك الإسلامي للتنمية "فرع جدة" بتنفيذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائيUNDP. يقول تامر "وقف أخوالي بجانبي ووالدتي شجعتني كثيرا، وقدمت لي طلباً في منح أسر الشهداء، وجاءت المساعدة غير تقليدية فلم يدفع منتدى شارك المال أو يوزع كوبونات، بل سألني عن احتياجاتي للمحل في حدود أربعة آلاف دولار، بالفعل أعادوا ملء المحل وترتبيه بشتى أنواع الموبايلات الحديثة والأجهزة والأرفف الزجاجية، وسبقها تدريب في كيفية إدارة المحل وحساب الأرباح.. لكن جاءت الصدمة ولم تكتمل فرحتي!!". يقصد تامر العدوان الأخير على قطاع غزة الذي شنته إسرائيل وقصف سجن السرايا في وسط مدينة غزة حيث يقع محله قبالة السور الغربي للسرايا، لم يستطع ليلتها تامر الاطمئنان على محله وظل يتقلب وقلبه يكاد يتوقف وهو يفكر ماذا حدث لمحله؟ ليأتي مع الساعة السادسة صباحا ويرى أجهزته وتلفوناته ملقاة في أول الشارع مع قوة الانفجار وباب محله مدمر وفي داخل محله قطع كبيرة من مباني السرايا التي دمرتها في تلك الليلة حوالي عشرون صاروخا. أضاف تامر متنهداً "لملمت أغراض المحل وأسندت باب المحل بأحجار ورجعت إلى البيت بقلب محطم ووجه والدي رجع إلي مرة أخرى وحنانه الكبير الذي لم يعوضني عنه أحد، بت وحيدا دون المحل، أفكر أن الأجهزة والمنحة ضاعت". ويزيد "لم تتركني والدتي ولا أخوالي وكذلك منتدى شارك، بقيت والدتي بجانبي وأخوالي أقرضوني المال، وشارك قدمت لي عدة اقتراحات وكانت النتيجة بالفعل أن المحل قام من جديد، ولكن كبقالة صغيرة، وكان من الصعب أن يرجع محلا للاتصالات بسبب ارتفاع التكاليف الأجهزة في أزمة الحصار الحالية، إلا أن قلبي لم يطاوعني على إزالة اللافتة". وقف منتدى شارك من جديد بجانب تامر الذي عاد ليثق بنفسه وبالحياة واستطاع أن يُنجح المشروع من جديد، وقدمت له لائحة جديدة من المشتريات التي يحتاجها إضافة إلا ثلاجة عرض لبيع العصير، وهكذا لم يترك أحد تامر الذي عاش مرارة الحياة في سن مبكرة. يقول تامر وشبه ابتسامة على وجهه "اعتدت الاعتناء بالجميع فهذه عائلتي، حين تطلب شقيقتي رهام التي تدرس في الثانوية المال لشيء كرحلة مدرسية مثلاً ينقبض قلبي إذا لم يكن معي المال، وأعمل المستحيل لتوفيره لذلك وجوه إخوتي ووالدي تدفعني دائما للنهوض بمشروعي الصغير حتى لو نسيت ذاتي وأحلامي الشخصية بين كل هذا، كأن أتزوج مثلا". وفي تعليق على تجربة تامر يقول يوسف أبو عمرة منسق مشروع تمكين العائلات المحرومة اقتصاديا في منتدى شارك، إن المشروع استهدف الأسر الفقيرة من أسر الشهداء ولم يأت الاختيار عشوائيا بل جاء بعد قاعدة بيانات ودراسة حالة أسرة تامر إضافة إلى تسع وخمسين أسرة أخرى من ضمن العائلات الفقيرة، وكانت المرحلة الأولى فيها التدريب النظري ثم التطبيق العملي. وأكد أن فعالية الشاب صاحب المشروع مهمة جداً لنجاح المشروع وهكذا كان تامر فرغم أن الحرب دمرت محله وكذلك الحصار إلا أنه في كل مرة كان يطلب الاستشارة من جديد ويساعد نفسه ولا يفقد الأمل، إضافة إلى انتمائه لفكرة المشروع. وأضاف أن مشكلة بعض الشباب في أسر الشهداء أو الأسر الفقيرة أنهم ينتظروا مساعدات طارئة أو كوبونات أو الانضمام للأحزاب السياسية الأمر الذي يؤثر على رغبتهم وريادتهم لتأسيس مشاريع خاصة بهم، في حين أن معظم الأحلام التي رعاها منتدى شارك نجحت لانتماء هؤلاء الشباب للفكرة ورغبتهم في تحسين أوضاع عائلاتهم اقتصاديا. |