وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

المقدسي !! * بقلم : خالد إسحاق الغول

نشر بتاريخ: 14/04/2010 ( آخر تحديث: 14/04/2010 الساعة: 17:31 )
لا بد من الإشادة بالمبادرة الناضجة والرصينة للصالون الثقافي الذي بادر إلى إنشائه عماد منى ومجموعة من المثقفين والمهتمين بتنشيط العمل الثقافي في القدس، والتي فتح خلالها نقاشا هادئا وموضوعيا حول عدة عناوين تهم الرياضيين في فلسطين عامة ومدينة القدس خاصة. وشارك في الجلسة التي عقدت يوم الاثنين الفائت مجموعة من الرياضيين وممثلي أندية القدس والصحافيين الرياضيين والمتابعين للشأن الرياضي في عمومه. وأثيرت خلالها عدة قضايا مهمة يهمني أن أتطرق إلى واحدة منها بعجالة:

يساهم الإعلام الفلسطيني، بقصد او بدون قصد، في ترسيخ النزعة التقسيمية لأبناء الشعب الفلسطيني من خلال أخباره ومقالاته وتعليقاته على المباريات، عندما يضع (المقدسي) في زاوية، والخليلي أو النابلسي او الكرمي في زاوية أخرى. ويساهم في ترسيخ هذا التصنيف بعض النشطاء في المؤسسات والأندية الرياضية وممثلي الجهات الرسمية من خلال التصريحات والمواقف التي يطلقونها في الاحتفالات وزيارات المجاملات التي تجري هنا وهناك، والتي سيكون لها التأثير العكسي والضار بقضية القدس ولا يخدمها كما قد يظن البعض.

إن هذا الفرز التعسفي بين مقدسي وغير مقدسي سيتحول إلى تصنيف (اثني) يفصل أهالي وأبناء القدس كليا عن أهالي وأبناء الضفة عامة، وسيخلق في حال استمراره اهتمامات وأهدافا ومصالح ونوايا ومشاعر جديدة بين الطرفين، تحقق الهدف الرئيس الذي سعى الاحتلال إلى تثبيته منذ سنوات، ولكنه لم ينجح، حتى وهو يبني أعلى الجدران العازلة والأسوار الفاصلة بين أبناء الشعب الواحد. وهذه النزعة التي نمارسها نحن الفلسطينيون سوف تقدم هدية مجانية للاحتلال، وستفضي إلى تحويل ابن القدس إما إلى شيطان عند (الاخرين) او الى ملاك عند ( المقدسيين).

من الطبيعي الإشارة إلى فريق كرة قدم من القدس باسمه مثل جبل المكبر أو الهلال أو سلوان بصفته فريقا من مدينة القدس حسب التقسيم الجغرافي الطبيعي وليس بصفته فريقا (مقدسيا) له هويته الخاصة المختلفة، القادم من عالم آخر، وله برنامج آخر وأهداف ومصالح أخرى، لاعبوه مختلفون ومشجعوه ليسو من القوم، وبرنامجه الوطني لا ينسجم مع برنامج ابن الخليل او رام الله او نابلس، وهمومه ومشاعره وأحلامه وتفاصيل حياته اليومية بعيدة عن الآخرين.

ان تحويل كلمة (مقدسي) إلى مطية يتشعبط عليها باحثون عن أمجاد وامتيازات وانتصارات وهمية خارقة بفعل انجاز رياضي في كرة القدم حققه جبل المكبر والهلال، أمر مثير للاستغراب، فهذا الانجاز في حقيقة الأمر يحسب أساسا للاعبي وإداريي ومشجعي هذين الفريقين المجتهدين. ولا يجب أن يشار إليه باعتباره فتحا (مقدسيا) مؤزرا، وفاتحة الطريق الى حل كل المشاكل التي يواجهها أبناء القدس، هذه المشاكل التي يجب أن يتضافر الجميع بحس ومسوؤلية وبخطوات عملية ميدانية حقيقية من اجل مواجهتها، كي يقتنع كل أبناء وأهالي القدس بأنهم فعلا محور اهتمام ولهم أولوية في المعالجة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرياضية وغيرها.

إن الإساءة إلى أي فرد من أبناء القدس في الملاعب والمدرجات من قبل أي جهة كانت، يجب أن تتم معالجتها كانحراف عن المسار الوطني الذي يرى في جميع أبناء فلسطين أبناء شعب واحد لا تفرقهم أي نزعات عنصرية أو جغرافية أو عشائرية مقيتة. ولا يكون الرد على هذه النزعة التدميرية بالرد المماثل، بل بالتعقل، وفضح كل من يتطاول أو يسيء من أي جهة كانت. ولا يسمح بأن يكون الرد بعنصرية معاكسة تذهب إلى فصل القدس كلياً عن بقية المدن، وصياغة رؤى وأهداف مغايرة فاقدة للانسجام ووحدة الهدف والمصير.

قبل بدء المباراة بين أهلي الخليل وسلوان في مرحلة الإياب، سمعت من بين الجمهور في ملعب الحسين صبيا خليليا يتحدث مع أبيه على الهاتف ويحلف له أغلظ الأيمان لكي يقنعه بأنه لا يوجد جمهور كثير من القدس في الملعب وانه لا يوجد سوى عدد قليل جدا من السلاونة غالبيتهم من اللاعبين والإداريين والباقي خلايلة .. واستطاع بعد جهد جهيد أن يقنع أباه وأن يبقى في الملعب. وهذا القلق لدى أبيه نابع من خوفه على ابنه من صدامات قد تحدث بين الجمهور على خلفية شجار عائلي بين عائلات خليلية الأصل مع عائلات ( مقدسية) أخرى في قرية مجاورة لسلوان.

من المسؤول عن تثبيت هذه المواقف المسبقة، وهذا الحقد والخوف والتجزيء في بيوتنا وبين أبنائنا وفي وسط العائلات الفلسطينية، إلى درجة أصبح فيها الخوف والحذر من مستوطنة قريبة يشبه الخوف والحذر المتبادل بين أبناء الشعب الواحد؟؟
كاتب هذه المقالة (فلسطيني) يعيش في القدس، يشجع نادي سلوان ويعشقه حتى الثمالة، مهما اشتدت المحن ومهما طال الزمن، ويحترم ويقدر كل مشجعي ولاعبي وإداريي الفرق الأخرى في كل أرجاء الوطن. ليس شيطانا لأنه لا يشجع الخليل أو الأمعري أو طولكرم أو عسكر، ولا ملاكاً لأنه يعيش في أعظم مدينة على الأرض وفي التاريخ، ويشجع فريقاً (من القدس).