وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

تحليل:الأمران العسكريان 1649 و 1650 يسهلان الترحيل الجماعي للفلسطينيين

نشر بتاريخ: 27/04/2010 ( آخر تحديث: 27/04/2010 الساعة: 21:02 )
رام الله-معا- بينت مؤسسة "الحق" أن من شأن الأمرين العسكريين الإسرائيليين 1649 و 1650 إذا ما تم تطبيقهما، أن يسهلا الترحيل الجماعي أو النقل القسري لمواطنين فلسطينيين وغيرهم من الأشخاص المحميين في الضفة الغربية، في انتهاك واضح للقانون الدولي.

جاء هذا خلال تحليل قانوني أعدته الحق لهذين الأمرين، تضمن كذلك مراجعةً للسياق العام لنظام الأوامر العسكرية الذي يأتيان كجزء منه، إضافة إلى الكيفية التي قد يتم فيها توظيف التهديد بالسجن أو الإبعاد في استهداف مجموعات معينة من الأشخاص المحميين في الضفة الغربية. وتقدّم الورقة تحليلاً لمحتوى هذه الأوامر العسكرية وكذلك حظر الإبعاد والنقل القسري بالرجوع إلى القانون الدولي.

"تسلل" و"مقيم"
وأوضحت الحق أن الأمر العسكري رقم 1650 يعدِّل الأمر العسكري السابق رقم 329 "بشأن منع التسلل"، الذي صدر في العام 1969، وكان المتسلل – وفقا له- يعتبر أي شخص دخل إلى الضفة الغربية من الأردن أو سوريا أو لبنان أو مصر بدون تصريح من القائد العسكري للمنطقة، أو بقي في المنطقة بعد انتهاء تصريحه، وكان الهدف من هذا الأمر في الأساس هو منع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، ومنع المقاتلين المسلحين من دخول الأراضي المحتلة.

وأضافت:" يوسع الأمر العسكري 1650 الذي صدر مؤخراً تعريف التسلل بشكل جذري، ليشمل كل الأشخاص الذين يدخلون المنطقة بشكلٌ غير قانوني، وأولئك الموجودون في المنطقة بدون أن يكون بحوزتهم تصريح قانوني".

ونوهت إلى أن التعريف الجديد لـ "التصريح" غامض جداً، ويبدو من قراءة تقنية له انه يستثني بطاقات الهوية الفلسطينية من نطاق الوثائق التي يمكن اعتبارها تصاريح بموجب الأمر العسكري، حيث أن بطاقات الهوية الفلسطينية، وعلى الرغم من أن إسرائيل تقرّها في نهاية المطاف، هي في الواقع وثائق تصدرها السلطة الفلسطينية وفقاً لأحكام الاتفاقيات المؤقتة بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالتالي فهي لا تفي بمتطلبات هذا التعريف.

وأشارت إلى أن الأمر العسكري يحذف تعريف الأشخاص "المقيمين في المنطقة"، وفي نفس الوقت يفشل في إعادة وضع تعريف لهذا المصطلح، ففي حين كان ينطبق بالسابق على أي شخص لا يحمل وثائق تثبت أنه من سكان المنطقة، مع افتراض أن من يحوز وثائق إقامة ليس متسللا، فإن الأمر العسكري الجديد لا يتضمن أية أحكام من هذا القبيل، حيث أن القسم 5 منه، والذي يحدد أولئك الأشخاص الذين يفترض أنهم متسللون، ينص على أنه "يعتبر الشخص متسللاً إذا كان موجوداً في المنطقة بدون وثيقة أو تصريح يثبت أن وجوده قانوني في المنطقة ومن دون مبرر معقول". وبعبارة أخرى، فإن جميع الأشخاص المتواجدين في الضفة الغربية يمكن اعتبارهم متسللين، بصرف النظر عما إذا كانوا فلسطينيون ممن يحملون بطاقة هوية تحدد مكانتهم كمقيمين دائمين في الضفة الغربية.

إبعاد وتجريم
وبينت "الحق" أن الأمر العسكري الجديد يجرّم الأشخاص الذين يعتبرون متسللين، ففي حين كان الترحيل هو "عقاب" المتسلل حسب الأمر العسكري القديم، يمكن وفقاً للأمر العسكري الجديد أيضاً الحكم عليه بالسجن مدة قد تصل إلى سبع سنوات إذا كان قد دخل المنطقة بصورة غير قانونية، وبالسجن لمدة ثلاث سنوات إذا كان موجوداً في المنطقة بدون تصريح قانوني. وبالإضافة إلى ما سبق فإن الأمر العسكري الجديد يزيل أي تعريف لمصطلح "قانوني"، وبالتالي يترك معنى "دخول غير قانوني" مبهماً بحيث يمكن أن يشمل ظروفاً أخرى تتجاوز شرط الحصول على تصريح الدخول الصحيح.

كما أن الأمر العسكري يسمح بالتعسف، وذلك بسبب نصه على أنه يفترض أن المتسللين هم أولئك الأشخاص الموجودين في المنطقة بدون "التصريح اللازم" وبدون "مبرر معقول". إن تضمين الأمر العسكري لاستثناء الـ "مبرر المعقول"، بدون تقديم أي تعريف له، يسمح للقائد العسكري بتطبيقه حسب ما يتوافق معه سياسياً.

آليات الاعتراض غير ملائمة
بالإضافة إلى ذلك، أكدت "الحق" أن الآليات المتاحة للاعتراض على أوامر الإبعاد غير ملائمة، حيث تم إنشاء لجنة وفقاً للأمر العسكري 1649 للرقابة على عمليات الترحيل، بيد أن الأشخاص الذين يخضعون لأوامر الإبعاد لا يمكنهم أن يبادروا إلى الاستئناف أمام اللجنة، وعوضاً عن ذلك يفترض أن يتم عرضهم على اللجنة خلال ثمانية أيام من تاريخ استلامهم لقرار الإبعاد. والمفارقة أن الأمر للقائد العسكري بإبعاد أي أشخاص خلال اثنتين وسبعين ساعة، وبالتالي فإنه من الممكن تماماً أن يتم إبعاد أشخاص دون أن تكون قد أتيحت لهم الفرصة للاعتراض على الإبعاد أمام اللجنة.

وشككت "الحق" في استقلالية اللجنة، موضحة انها تتألف من قضاة عسكريين يعينهم قائد قوات الاحتلال الإسرائيلي - أي نفس الجهة التي تصدر أوامر الإبعاد في الأساس-، وليس الواضح إلى أي مدى سيكون اختصاص المحكمة الإسرائيلية العليا الأصلي للنظر في المراجعات القضائية المتعلقة بأوامر الترحيل متاحاً بالنظر إلى احتمال اعتبار اللجنة آلية "إنصاف بديلة".

الأمر العسكري ونظام التصاريح
وتابعت الحق أنه من المهم أن نفهم أن الأوامر العسكرية الجديدة، وإن كانت غير مسبوقة من حيث نطاقها، كجزء من نظام قائم من الأوامر العسكرية يهدف ومنذ بدء الاحتلال إلى تقييد الوجود "القانوني" للفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث فرض على الأشخاص الحصول على تصاريح لكي يتمكنوا من الوجود في بعض المناطق، أو للانتقال بين المناطق المختلفة. كما أن إصدار بطاقات الهوية، وبينما هو متعلق أساساً بحقوق الإقامة في الأرض الفلسطينية المحتلة، متداخل مع ممارسة متبّعة تتمثل في تقييد الوجود في هذه المناطق وحرية التنقل فيها".

وبينت انه منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، تعرض أكثر من 150000 فلسطيني لسحب بطاقات هوياتهم، الأمر الذي أفقدهم أية مكانة تعترف بها إسرائيل للدخول إلى أو العيش في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو ما اتخذ أشكال متنوعة، حيث فقد آلاف من الفلسطينيين مكانتهم القانونية بسبب قضائهم فترات من الوقت في الزيارة، أو الدراسة، أو العمل في الخارج، إلى جانب التغييرات الإدارية التعسفية أحادية الجانب التي نجم عنها كذلك سحب لبطاقات الهوية من فلسطينيين.

وأضافت:" إن الهدف السياسي من وراء مثل هذه الإجراءات الإدارية التمييزية، وكما هو الحال مع الأوامر العسكرية الجديدة أيضاً، هو العمل على تخفيض عدد السكان الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة في الوقت الذي يتم فيه زيادة عدد السكان الإسرائيليين".

وبينت الحق أن أولى المجموعات التي يُرجح أن تستهدف بالإبعاد بموجب الأمر العسكري الجديد هم سكان قطاع غزة الذين يعيشون في الضفة الغربية ولكنهم مسجلون في سجل السكان الفلسطيني بعناوين في قطاع غزة، رغم أن كثير من هؤلاء ولدوا في الضفة الغربية، أو عاشوا فيها لسنوات مع أسرهم.

وأضافت أن شبح الإبعاد يتهدد كذلك أزواج وزوجات فلسطينيي الضفة الغربية الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، إضافة إلى حاملي جوازات السفر الأجنبية الذين لديهم تأشيرات سفر سياحية ويزورون أو يعملون في الضفة الغربية، وهو ما يشكل جزءاً من إستراتيجية دائمة تسعى إلى ضمان عدم قدرة الموظفين الأجانب في المنظمات الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان على دخول الضفة الغربية أو البقاء فيها.

وأوضحت أن الأمر العسكري الإسرائيلي يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، حيث تحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تعتبر ملزمة لإسرائيل، "النقل ألقسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة... أياً كانت دواعيه".

وأضافت:" كما تجرّم عمليات الترحيل أو النقل القسري بموجب المادة 7 (1)(د) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تنص على أن إبعاد السكان أو النقل القسرى للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية. وبموجب المادة 8 (2)(7) من نظام روما الأساسي فإن "الإبعاد أو النقل غير المشروعين" تشكل جريمة حرب، "ولا سميا عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسية عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم".

ونوهت الى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يلقي على إسرائيل التزامات تجاه كل شخص تحت سيطرتها، يضمن في المادة 12 حق الأشخاص الموجودين بصفة قانونية داخل إقليم ما في حرية اختيار مكان إقامتهم. وتتمثل الاستثناءات الوحيدة المسموح بها بتلك الضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، وحقوق الآخرين وحرياتهم. وحيث أن الأمر العسكري سيؤدي إلى منع الفلسطينيين الذين سيتم ترحيلهم من الضفة الغربية إلى قطاع غزة من القدرة على اختيار الإقامة في الضفة الغربية، وبدون دواعي أمنية واضحة، فإن هذه الأوامر العسكرية تشكل انتهاكاً للعهد.

وتابعت أن إبعاد حاملي جوازات السفر الأجنبية بناءً على هذه الأوامر ينتهك المادة 13 من العهد، والتي تنص على حق أي دولة بإبعاد الأجانب الموجودين بصورة قانونية داخل أراضيها ممكن وفقط بناءً على قرار اتخذ وفقاً للقانون. إن عبارة "وفقاً للقانون" تفترض وجود قوانين عادلة تنظم وجود الأجانب في الإقليم، وإتاحة عملية قانونية لأولئك الذين يواجهون الإبعاد. وكما هو موضح أعلاه فلا الطابع التعسفي للأوامر التي تخالف القانون الدولي الإنساني، ولا اللجنة العسكرية التي ستقوم بالإشراف والمراقبة على عمليات الإبعاد، يمكن وصفها بأنها تسمح بعمليات الإبعاد "وفقا للقانون". وعليه فإن إبعاد المواطنين الأجانب وفقاً لهذه الأوامر ينتهك المادة 13 من العهد.

وأكدت أن الأمر العسكري الإسرائيلي ينتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو ينطبق على كل الأرض التي احتلتها إسرائيل أثناء حرب العام 1967 - أي على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة - كوحدة إقليمية واحدة. وشرحت:" الحق في تقرير المصير هو، بمعناه الأكثر عمومية، حقٌ لمجموعة من السكان في السيادة على إقليم معين، وهو يشتمل على حق السكان في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي داخل الإقليم، وفي التحرك فيه بحرية، وفي إقامة علاقات دولية، وفي تحديد من يدخل ويبقى داخل أراضي الإقليم. إن الأوامر العسكرية الجديدة، ومن حيث مساهمتها في الفصل الدائم لغزة عن الضفة الغربية، تؤدي إلى تجريم الفلسطينيين على أساس مجرد وجودهم في وطنهم، كما تعيق سير الحياة بشكل اعتيادي، وكذلك جهود تنمية السكان الفلسطينيين. إن نظام السيطرة الكاملة الذي يفرضه الاحتلال على حياة الفلسطينيين من خلال نظام الأوامر العسكرية يشكّل أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في حرمان الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره".

عدم قانونية الأوامر العسكرية وفقاً لاتفاقيات أوسلو
وبخصوص اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل أوضحت "الحق":" من المسلم به عموماً أن اتفاقيات أوسلو، سواء من حيث المضمون أو الممارسة، قد منحت للسلطة الفلسطينية سلطات حقيقية ضئيلة على سير الأمور في الضفة الغربية (...) وحتى في ظل شروط اتفاقيات أوسلو التقييدية فيما يتعلق بصلاحيات ومسؤوليات السلطة الفلسطينية، فإن الأوامر العسكرية الجديدة، إضافةً إلى ممارسات السلطات الإسرائيلية خلال الفترة التي سبقت إصدارها، تبدو كأنها تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقيات".

وشرحت أن وجود أمر عسكري يخوّل القائد العسكري صلاحيات عليا على جميع الأشخاص الموجودين في جميع أنحاء الضفة الغربية مباشرةً وبطريقة شاملة، يتجاهل تام للسلطات التي كان من المفترض أن تُمنح للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو.

وطالبت "الحق" المنظمات الدولية، والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، والمجتمع الدولي ككل أن يتخذوا خطوات ملموسة وفورية لضمان عدم قيام إسرائيل – القوة القائمة بالاحتلال - بممارسات محظورة كالإبعاد والنقل القسري للسكان المدنيين، إضافة إلى التأكيد على عدم حصانتها أو إمكانية إفلاتها من العقاب على الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين لا يمكن التسامح معها بعد الآن، ويجب تقديم أولئك الأشخاص المسؤولين عن مثل هذه الممارسات غير القانونية إلى العدالة بناءً على مسؤوليتهم الجنائية عنها.