وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بلا ترخيص ..تجمعّات ثقافية في غزة جمعهم السن ووحدَّهم النضال

نشر بتاريخ: 08/05/2010 ( آخر تحديث: 09/05/2010 الساعة: 00:49 )
غزة- معا - في مكتبة من مكتبات غزة العريقة _ المكتبة الهاشمية_ وهي أول مكتبة أسست في غزة عام 1942 م لصاحبها خميس أبو شعبان ،تلمحهم كل خميس ، وإذا مادنوت منهم أحسست للوهلة الأولى أنّك أمام متحف بشري حي ناطق، شيوخ تترواح أعمارهم بين السبعين والثمانين عاماً ، جمعهم الهم المشترك ، وحدتهم الانكسارات الكبرى للمشاريع الكبرى وأحشاء الكتب التي يحفظون أغلفتها ومتونها عن ظهر قلب .

تجمع أصدقاء:

هم أصدقاء أولاً، أصحاب ميول سياسية شتى ، والمكتبة تحتضن آفاق عشاق غزة. إذا اقتربت من عالمهم تسمع أطرافاً من حديث شتى ،يذكرونك بالعوّامة للكاتب نجيب محفوظ ،يقتربون بعبثهم ونكاتهم من شخصيات دستوفيسكي اللاذعة ،فلا يكاد يخلو شيء من لسانهم تعليقاً على الحكومات المقالة والأخرى القائمة سخرية من الواقع الأليم التي تخبط وتهشّم كل شيء في طريقها حتى باعة البسطات والسجائر.

عندما دخلت عالمهم العجيب ورأيت وجوههم المكتنزة بالتجاعيد أول ماخطر على بالي هو السؤال عن أعمارهم ، فاجأهم السؤال برهة من الزمن ، إلى أن قفز رئيس صحيفة غزة الكاتب الصحافي خميس أبو شعبان ( أبو سامح )_ مؤسسة أول صحيفة في غزة _ يرتدي ابتسامة متواضعة على شفتيه، معترفاً بكومة السنين التي رحلت في جيب بذلته الأنيقة، بلكنة أمريكية أنيقة : "ايتي ايت" ، مشيراً للطبيب الجرّاح مصطفى عبد الشافي _من أشهر جرّاحين العالم _ الذي يكبره بعام واحد ،يتلوه الأستاذ التربوي أحمد أبو الحاج 78 عاماً _ ثوري شيوعي _ ،ثم الطبيب البيطري زكريا مكي 74 عاماً ، يتلوه المهندس عبد الكريم نصّار 75 عاماً_ أحد أمناء الجامعة الإسلامية ، ثم اللواء المتقاعد أحمد عاشور 70 عاماً_ قائد عسكري شارك في تأسيس قوات التحرير الشعبية في غزة.

منذ عشرة أعوام:

وتلمح معلّقة ورقية على باب المكتبة عمرها عشرة أعوام أي وقت بداية الجلسات الثقافية مكتوب عليها قصيدة شعرية كتبها شاعر الندوة الشاعر محمد شكري سوريجو تتضمن أسماء مؤسسينها، و هو أقدم محققين الشرطة ابّان الحكم المصري ، وقد توفي هو وسامي أبو شعبان وزهدي أبو شعبان وولده وحيدر عبد الشافي ، وعصام سيسالم ، وقد كانوا من روّاد الجلسة القدامى.

وصف الجلسة:

لُفّت المقاعد حول طاولة خشبية وترأس الجلسة الكاتب الصحافي خميس أبوشعبان .

وتحركت فناجين القهوة السادة تقرع رؤوس أصابع الحضور ..

بدأ الطبيب البيطري زكريا مكي بأول مداخلة للجلسة حول برنامج حواري تلفزيوني تابعه عبر قناة الجزيرة الفضائية ( مباشر ) مع الصحفي البريطاني روبرت فسك لدى صحيفة الاندبندت البريطانية المعروف بعدالة نقله الإعلامي للقضية الفلسطينية ، وقال معجباً بفسك : استطاع هذا الصحفي نقل إعلام صحيح عن مايجري في غزة ، ممجداً دور بريطانيا في هذا الاتجاه، قاطعه الأستاذ التربوي الثوري أحمد الحاج قائلاً: إن بريطانيا هي من أرست قواعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وتابع : يجب شجب بريطانيا اعلامياً حتى تشعر بذنب ما اقترفه وعد بلفور البريطاني الذي أعطى به من لايملك حقاً لمن لايستحق، مادحاً ألمانياً التي أحرقت اليهود يوماً ما .

انفعال واختلاف بالرأي:

نفض الصحفي خميس شعبان كفيه بقوة ، وتسائل محملقاً في وجوه الجميع : ومن الذي يزود الجيش الإسرائيلي بالمعدات الحربية والأسلحة ؟! وتابع : إن اسرائيل لم تزل حتى الآن تشعر ألمانيا بالذنب تجاه ما يسمونه "المحرقة" ، فهي لا تتوقف عن تقديم قرابين الغفران لاسرائيل ..
ظلّ الطبيب مصطفى عبد الشافي شقيق حيدر عبد الشافي صامتاً ، بينما ابتسم اللواء إسماعيل عاشور ابتسامة سخرية ،حيث سادت المكان لحظات صمت قليلة .

فجأة قفز الثوري أحمد الحاج بالحديث من دسم السياسة إلى روعة الشعر وبدأ قراءة أجمل قصائد الشاعر الفلسطيني أحمد مطر وأكثرهم شهرة بعنوان " اعترافات كذّاب ".

حيث بدأ تحليل القصيدة بين هذا وذاك ،يتنقلون بين اللغة والأساليب الأدبية وروعة الصورة.

تدور حولهم الكتب من كل صوب وجهة ، وتجد الطبيب مصطفى عبد الشافي يسأل أحمد الحاج : هل لديك أجزاء كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ، فيرد الآخر: لدى الأجزاء كلها ، أيّهم تريد؟! حيث ينصحه أحمد الحاج بقراءة الأجزاء جزءاً فجزءاً ..

فيما دارت عليهم في نهاية الجلسة آنية بلاستيكية مملوئة بأقراص الفلافل المملحة ، فطرب عشّاق غزة لطلتها ومذاقها ، وأطلق عبد الكريم نصار العبارة الأخيرة : غزاوي بلا فلافل ، مصلي بلا وضوء .

نهاية الجلسة

أّذّن الظهر ، فبدأ يشمر الأصدقاء عن أذرعهم استعداداً للوضوء ، فيما استعد صاحب مكان الجلسة خميس أبو شعبان لإمامة الأصدقاء ، وبعد أداء الصلاة انطلق الأصدقاء خارج ساحة المكان يحملون في ذاكرتهم رائحة فلسطين الممتدة من الشمال إلى الجنوب ، من الناقورة إلى رفح ،ساعة كانوا يتجولون فيها دون عوائق ، يحملون ذكرى النكبات المتلاحقة في تنهداتهم الخافتة ، ينتظرون لقاءاً جديداً ،علّه يجود عليهم بما اشتاقوا وحنّوا إليه ..