|
الحاجة كاملة تتحدث عن قرية "الجورة" كأنها جنة الله على الارض
نشر بتاريخ: 16/05/2010 ( آخر تحديث: 16/05/2010 الساعة: 17:03 )
غزة- معا- "كأنها قطعة من الجنة.. لا بل هي الجنة ذاتها، لم يكن ينقصها شيء، كل شيء كان موجوداً فيها الأرض الطيبة، خضرتها الخلابة ومياهها الغذبة، بيارات البرتقال والتفاح وأشجار النخيل التي كانت تعانق سماءها وكروم العنب والتين التي كانت تزينها، واما بحرها وشاطئها فعبارة عن جوهرة متلئلئة.. حتى الناس كانوا مختلفين في عاداتهم واطباعهم"، بهذه الكلمات تحدثت الحاجة كاملة بصلة (76 عاما) عن قريتها (جورة عسقلان) التي هجرت منها عام 48، عندما زارتها وكالة "معا" في بيتها المتواضع بمخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة.
وتقول الحاجة كاملة، ذات الوجه ناصع اليياض انها كانت تبلغ من العمر 14 عاما حينما دقت طبول الهجرة، وبدأت قوافل اللاجئين بترك ديارهم وأراضيهم عنوةً، بعد اشتداد القصف وارتكاب المجازر واستهداف المدنيين البسطاء، حيث خرج الناس هائمين على وجوههم نحو مصير مجهول. لحظات الهجرة: بالرغم من مرور ثلاثة وستين عاما على هجرة الحاجة كاملة من أرضها، الا أن معالم الحزن والأسى لا تزال ترتسم على وجهها وملامح ذكرياتها التي لا تزال زاخرة.. فحياة الطفولة والصبا قضتها هناك وحملت معها ذكريات لا تنسى. وتصف (كاملة) لحظات الهجرة بالمريرة والصعبة، "لم نكن نعلم أنها ستطول كل هذه السنين، عندما بدأ القصف على القرية كنت في البيارة، حيث اشتد القصف الذي استهدف كل شئ يتحرك على الأرض وكانت (القيازين) تتساقط من السماء تنشر الموت والخراب في كل مكان، قتل عدد كبير من النساء الأطفال والرجال، اذكر ذلك جيداً لقد كان مع وقت صلاة العصر وخروج الناس من المسجد، كانوا يضربون الطرق المؤدية الى المجدل بالقنابل بصورة همجية". وبعد تكرار القصف وقتل الناس ووصول الأخبار عن أن اليهود يقتلون الأطفال ويهتكون أعراض النساء ويبقرون بطونهن، بدأ الناس بالاستعداد للهجرة سيما وان قرية "الجورة" استقبلت عددا من الناس الذين هاجروا من قرى أخرى حملوا معهم أخبارا تقشعر لها الأبدان. خارطة العودة: وبالرغم من تقدم عمرها فان كاملة تسحرك بحديثها عن قريتها، حيث تأخذك معها من مكان إلى آخر بطريقة جميلة، فتارة تحدثك عن بيارات البرتقال والليمون، وتارة أخرى تتذوق معها حلاوة كروم العنب والتين وجمالهما، واشجار النخيل والخروب والرومان وكيف كانت تصدر كل هذه الأشياء إلى مدينة (القدس ويافا وحيفا)، ثم تتنقل بك إلى المكان الأجمل بالنسبة لها وهى "المشقفة"- (تلة عالية تطل على شاطئ بحر عسقلان)، وهنا لم تستطع كاملة إكمال حديثها فتخرج تنهيدات كبيرة من قلبها، تحمل معها شوقا وحزنا كبيرين، وتصمت فترة من الوقت وكان الأيام والسنين قد رجعت بها إلى تلك الأيام الخوالي ولتلك التلة التي كانت تراقب من عليها لحظات غروب الشمس، والنظر إلى شاطئ البحر الذي كانت ترتسم على مياهه لوحة فنية لا يعرف قيمتها إلا كاملة ومن عاش تجربتها. وتضيف قائلة كان يوجد في قرية الجورة مسجدان، احدهما في وسط البلد ومدرسة ابتدائية وكُتّاب لتحفيظ القرآن، وكان بها عدد من المقامات أهمها مقام سيدنا الحسين علية السلام، ووادي النمل الذي ذكر بالقرآن الكريم، وكان بها عدد من الدواوين والمجالس الهامة مثل ديوان العبد حسين، والشيخ علي، وصيام، ومطر. كانت تعرف كل شي عن أرضها ومساحتها وسكانها وأحيائها وخيراتها.. كانت ترسم أمامك خارطة العودة بدون تعقيدات السياسة وظلمها. الطريق لغزة: رحلة اللجوء لقطاع غزة، كانت عسيرة ومحفوفة بالمخاطر، كان الموت يتهدد الناس الذين حملوا ما استطاعوا من مأكل وملبس، وبالمقابل كانت البوابير ( البووارج العسكرية) تحمل معها قذائف الموت التي تستهدف الناس الذين يسيرون عبر شاطئ البحر باتجاه مدينة غزة، وكانت مياة البحر تختلط بدماء النساء والأطفال والرجال الذين كانوا يتساقطون واحدا تلو الآخر بفعل القذائف التي تنهمر عليهم. وتروي كاملة حكاية أخيها إبراهيم التي تركته والدتها أثناء الهجرة، فتقول بعد أن قطعنا مسافة طويلة بعيدة عن قريتنا، تذكرنا ان أخي إبراهيم الذي كان يبلغ من العمر عاما واحدا فقط لم يكن معنا، وان حالة الخوف والهلع التي كانت تسيطر على الناس قد أنستهم فلذات أكبادهم، فرجعت أنا وأبي ( عيسى ) للبحث عنه حتى عثرنا عليه على واد هربيا. وتضيف: "الطريق الى غزة كانت مثل الجحيم.. الناس كانوا يملأون الأحراش والطرقات، أصوت بكاء الأطفال كانت تدب المكان، وكثيرون كنت تلمع في عيونهم أحزان لا تندمل، وعائلات كانت تحاول التشبث بالحياة.. كان المكان موحشا ومخيفاً". وتشير الحاجة ( كاملة ) أن الحال استقر بهم في مخيم الشاطئ للاجئين، لتبدأ فصول معاناة اللجوء والتشرد وبطاقة التموين. تتوقف قليلا لتكمل حديثها "كنا نعيش في الجنة وفي يوم وليلة طردنا منها وانتزعوا أرواحنا منها، لا يوجد اشد قسوة من ترك الأوطان والديار". "كان الناس يتوقعون أن تعود إلى مدنها وقراها وبيوتها بعد أسابيع أو حتى عدة أشهر لكن؛ شيئا لم يحدث منذ 62 عاما، وبقينا نقاسي ظلم اللجوء والحرمان إلى هذا اليوم". وتختتم حديثها قائلة "لو دفعوا لي أموال الدنيا وذهبها فلن استبدلها بحبة عنب من كرومها فالأوطان لا تقدر بمال أو بثمن". |