وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رحمة بأنديتنا ... ولا تحيلوها من وطنيّة إلى ماديّة* بقلم: طارق الجعبري

نشر بتاريخ: 30/05/2010 ( آخر تحديث: 30/05/2010 الساعة: 18:43 )
من مظاهر حضارة المجتمعات وتقدمها وتطورها فاعلية وفعالية مؤسساتها المدنية ،باعتبار ان مؤسسات المجتمع المدني رافعة التغيير والتنمية للأمّة ،ولا يجادل احد أن الأندية الرياضية تمثل ركيزة أساسية من منظومة المؤسسات المدني بل إن أهميتها تزداد باضطراد لتزايد المهتمين بها وإقبالهم الشديد على الرياضة سواء لاعبين أو جمهور .ولكنّ الأندية الرياضية اليوم تصاب بحمّى العولمة وحاكميّة المال كسائر قطاعات ومجالات الحياة ، حيث لم تترك العولمة مجالا أو قطاعا ألا أصابته بدائها أو تكاد ،وهو ما نخشى على أنديتنا الفلسطينية من هذا المرض العضال ،فهذه الأندية التي تأسّسست على هوية وطنية وعملت برسالة تحررية وبنائية وساهمت أيما مساهمة في نضالات وجهاد هذا الشعب ، نخشى عليها طغيان المال واحتياجاته جرّاء الأنظمة الاحترافية الجديدة ،فتخرجها من دورها الوطني الكبير وتدخلها متاهات المال والأعمال وتحيلها من مؤسسة وطنية إلى مجرد شركة مالية يحركها المال والمال فقط .

فأنديتنا تاريخها شاهد عليها ويؤرخ لها كل فلسطيني من كل مدينة وبلدة ومخيم ،فبدأت لاحتياج شعب ووطن سليب واستمرت عاملة في بناءه،مما يجعل الدعوة للحفاظ عليها وعلى هويتها مفتوحة للجميع وهمّا يطالنا جميعا .إن سعي اتحادنا الفلسطيني لكرة القدم الحثيث بقيادة اللواء جبريل الرجوب نحو تطبيق مواصفات الاحتراف الدولية له كل الاحترام ،وهو جهد مشكور وذو نفع مأمول شريطة عدم الخروج عن ثوابتنا والإغراق في تحقيق مواصفات مجرّدة ودون الأخذ بيد هذه الأندية ومساعدتها للتأقلم مع عالم الاحتراف الجديد ودون التخلّي عن أهدافها ورسالتها ،فتوغّل المال وطغيان المادية في التعامل مع الأندية قد يجعلها في تربة غير تربتها أو تسقى بما يقتلها ظنّا انه سوف يحييها ويسيّرها ،فليس الذهب اصفرا كان أم اسودا مسيّرا دائما ،وليس هو طاقة الحياة وإكسيرها ،فما قد يكون وقودا ومسيّرا لأمر ما قد يكون لآخر حارقا ومعطّلا ومدمّرا .

إنّ الاتحاد مطالب بوضع صيغ وحلول توافقية بين الالتزام بالعالمية والوطنية وعليه الأخذ بيد الأندية التي غالبا رصيدها في القلوب والمدرّجات وليس في البنوك .وان ما ندعوا إليه ليس بحال دعوة إلى الوراء وان كان مطلوب من الاتحاد النظرة إلى الوراء وقراءة الواقع ليتمكن من استشراف المستقبل فيكون حينها امتدادا طبيعيا لهما .

مكسبنا في الحفاظ على هوية أنديتنا اكبر بكثير من أي مكسب تنافسي عالمي ،وخاصة أن النتائج قد تكون معلومة سلفا ،فهل في الإمكان تحقيق اختراق لهذا النظام الاحترافي المادي العولميّ ،وهل من الممكن تحقيق نموذج فلسطيني رائد يكون وطني المبدأ وعالمي الأداء يحفظ أنديتنا ولا يرميها في أحضان المال والأعمال ،فالمال هويته ملوّنة بلون المنفعة وقبلته مزيدا من المال ...

أما الأندية فهي مدعوّة أيضا لتفكير إبداعي خلّاق للبحث عن حلول مادية مستعينة بشركات ورجالات وطنية الأداء والانتماء وعليهم أن يكونوا سندا لهذه الأندية ،كما أن الجمهور والاستثمار في عقوله كنزا دفينا ،وان لم نجد ما نصبوا إليه وعزّت علينا الحلول ولات حين مناص ،فليكن حينها الخلاص بالحفاظ على أنديتنا وعلى هويتها وانتمائها ورسالتها فهو خير ألف مرة من منافسة عولميّة ماديّة وخير من تيه في أجواء المال وسرابه ،وخاصّة أننا ما زلنا نحيا تحت ظلّ بئيس وقاتم من الاحتلال.
بقلم: طارق الجعبري