وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

باحث فلسطيني : الإعلام العربي يتخلص من عقدة تفوق الإسرائيلي

نشر بتاريخ: 08/06/2010 ( آخر تحديث: 09/06/2010 الساعة: 10:24 )
رام الله معا - تحت عنوان "الإعلام العربي يتخلص من عقدة تفوق الإسرائيلي" كتب الباحث الفلسطيني د.حسن عبد الله مقالة خص بها وكالة "معا" تثبت ان الإعلام العربي يتخلص من عقدة تفوق الإسرائيلي فقال:

يبدو ان الإعلام العربي، قد تخلص في السنوات الأخيرة، من عقدة النقص تجاه الإعلام الاسرائيلي. فقد كان الكثير من الاعلاميين الفلسطينيين والعرب ينظرون للإعلام الاسرائيلي بإعجاب، إستناداً الى قدرة الإعلاميين الإسرائيليين على الوصول الى مصدر الخبر بسرعة، اضافة الى المعالجة المهنية، التنوع، والرؤية التحليلية، والتأثير في الرأي العام الاسرائيلي والعالمي بآليات وتقنيات مبهرة.

والسؤال، هل ظل الإعلام الإسرائيلي محافظاً على هذه المزايا؟، وهل الإعجاب بقدرات الإعلام الإسرائيلي ظل على حاله؟

الجواب كلا، فلا الإعلام الإسرائيلي حافظ على تفوقه، ولا الإعلام العربي بقي محاصراً في شرنقته، حيث ان متغيرات سلبية وايجابية، قد شقت طريقها الى الإعلام على المستويين العربي والإسرائيلي، وهذه المرة نستطيع القول إن الإيجابي هو من نصيب العربي.

ان عقدة الأمن التي غطت في الماضي المجتمع الإسرائيلي من الرأس حتى أخمص القدم، استمرت كذلك، رغم المتغيرات السياسية والثقافية والإعلامية التي اجتاحت العالم، حيث ان تجند الإعلام وتمترسه خلف الجيش وخلف القوة العسكرية بشكل اعمى، بحجة الخطر الخارجي، أصبح لا يخدم تطور الإعلام. فالسباق الإعلامي العالمي الذي يشارك فيه العرب، ليس خاضعاً لقوانين لعبة الأمن الاسرائيلي، فالميدان أرحب وأوسع، وما يهم وسائل الإعلام الإسرائيلية ليس بالضرورة الآن ان يكون أولوية اعلامية عالمية. كما ان التقنيات الإعلامية المتطورة لم تعد مقتصرة على الجانب الاسرائيلي، بل ان التقنيات الإعلامية العربية، قد تفوقت في السنوات الأخيرة. فالصحافة الخليجية متنوعة وتوظف فيها اموال طائلة، والصحافة اللبنانية المكتوبة تتقدم، فيما الصحافة العربية التي تصدر في لندن ودول أجنبية اخرى، استفادت الى ابعد الحدود من تقنيات غربية، وتحررت من كل اشكال الرقابة الرسمية. أما الصحافة المصرية فسجلت تنوعاً واتسع هامشها، وهذا ينطبق على الصحافة المكتوبة الاردنية والفلسطينية.

والقضية الأهم في رأيي، تتمثل في التفوق الفضائي، حيث ان الفضاء بات مفتوحاً امام العرب، لكي يعبروا عن انفسهم، في ظل محدودية الإعلام الفضائي الاسرائيلي، بالنسبة الى عدد الفضائيات، وكذلك الانحصار في اللغة العبرية، في حين، ادرك العرب اهمية مخاطبة العالم بلغات اخرى، فأطلقت الجزيرة فضائيتها باللغة الانجليزية، وحرصت فضائيات أخرى على تخصيص نشرات اخبار باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

ويجدر بنا التنبيه الى ان عدداً من الفضائيات العربية، يتبع أحدث التقنيات، واذا قارنا تقنيات الجزيرة والعربية وMBC وفضائيات لبنانية، بما هو متبع اسرائيلياً في الإعلام الفضائي، لوجدنا ان الكفة ترجح عربياً، بالنظر الى عدد الفضائيات العربية المتزايد والحرص على مواكبة واستثمار التطور التقني. كما ان الاعلام العربي، مع تفاوت الاداء من وسيلة اعلامية الى أخرى، يساند قضية عادلة، والمقصود القضية الفلسطينية التي ما زالت تشكل إجماعاً عربياً، على الأقل في الخطابين الإعلامي والسياسي. وهذه القضية تستمد عدالتها من ابعادها التاريخية والحقوقية والإجتماعية والإنسانية، ومن تلك القرارات والمواقف الدولية التي تفاعلت معها على مدى ستين عاماً.

اما الإعلام الإسرائيلي فهو مضطر لتبرير سياسات وممارسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، ومضطر ليأتي بروايات "خارقة" تشرح كيف ان جيشاً مدججاً بأحدث أنواع الأسلحة يحاصر ويقارع ويطارد شعباً يصر على الصمود والاستمرار في مدنه وبلداته. وقد شاهدنا بالملموس كيف ان الإعلام الإسرائيلي بات مرتبكاً في الإجتياحات والإعتداءات الإسرائيلية، امام سرعة وحيوية الإعلام العربي، وحتى فضائية المنار رغم قصفها وتدميرها خلال العدوان على لبنان صيف 2006، كانت قادرة على ان تنهض وتنبعث من بين الرماد وتواصل سرد رواية المقاومة.

الفضائيات العربية وفي مقدمتها الجزيرة والعربية، ورغم الإختلاف في اسلوب وتوجيه الفضائيتين، فقد سحبتا البساط من تحت أقدام الإعلام الإسرائيلي، واصبحت اجتياحات المدن والتنكيل بالفلسطينيين تغطى بالبث المباشر. ولم يحتج الفلسطينيون الى سنوات طوال، لنفض الغبار عن روايتهم وتكذيب روايات اخرى سوقت للعالم، كما كان الحال في العام 1948.

ولو اردنا ان نستمر في ايراد الأمثلة على ما حققه الإعلام العربي في السنوات الأخيرة، لوجدنا الكثير، لكننا نكتفي بمثال حديث، إذ سجل هذا الإعلام نقاطاً على الإعلام الاسرائيلي، الذي بدا مرتبكاً في تغطية الإعتداءات على اسطول الحرية التضامني، خلال استهدافه في المياه الدولية.

كان موقف الإعلام الاسرائيلي انتظارياً مرهوناً بالأمن، ومقيداً بأقوال الناطق العسكري الاسرائيلي. بمعنى انه كان من الطبيعي ان لا يبدع هذا الإعلام، وان لا يتحرك بإتجاه الحقيقة، خشية ان يضر "بالأمن"، ليتحول "الأمن" الى رقيب لا يرحم، فيما ان السباق الاعلامي في المقابل لم يرحم الإعلام الإسرائيلي. لأن الإعلام العربي، لا يعنيه معيار الأمن الاسرائيلي، بل كل ما يعنيه ان يفضح هذا المعيار، الذي باسمه ترتكب التجاوزات، ويداس القانون الدولي تحت جنازير الدبابات.

كان طاقما الجزيرة والعربية وكذلك الحال بالنسبة الى فضائيات عربية اخرى، مع الحدث في اسدود وام الفحم، لقد قرأت هذه الفضائيات بين السطور، واستشفت ما حاول الاسرائيليون تغطيته، وتحولت الى مصدر معلومات ليس للعرب فحسب، وانما للاسرائيلين والعالم. وقد تابعنا كإعلاميين ومحللين سياسيين وجمهور واسع بإعجاب، كيف ان الاعلامي الفلسطيني وليد العمري، كان يستمر في وصفه وتحليله وتقديم المعلومات بدقة ورصانة، رغم مئات المحرضين من حوله، الذين كانوا يحاولون ارباكه وتشويش عمله، لأن الحقيقة كانت تزعجهم وتقض مضاجعهم.

اجل لقد بدأ الاعلام العربي وبخاصة الفضائي، يتحرر من عقدة تفوق الآخر، بل ان يقلب الأمور رأساً على عقب، اي بجعل الآخر نفسه يفقد الثقة بتفوقه الإعلامي، ويسعى لمراجعة حساباته، لعله يمسك بزمام المبادرة، فلا يستطيع ولن يستطيع، ما دام يجافي الحقيقة، ويمسك بذيل غطرسة القوة. ان خير من يسلط الضوْء على الإعلام الإسرائيلي ويكشف التناقض الصارخ في روايته مع الحقيقة المعجونة بألم ودم الفلسطينيين، الإعلامي الفلسطيني ناصر اللحام في برنامجه الشهير الذي يشكل نافذة على ما يكتبه ويبثه الإعلام الإسرائيلي.

وأخيراً وامام هذه النجاحات التي حققها الإعلام العربي، ما زال بحاجة الى مزيد من العمل، فالرأي العام الشعبي على مستوى العالم، صحيح انه يشهد حراكاً ايجابياً لصالح القضية الفلسطينية، بيد أن هناك مساحات بور غير مستصلحة وغير مستثمرة وتتطلب الكثير من الحرث والزراعة السليمة، لكي تثمر الحقيقة، في كل ارجاء المعمورة، وفي ذلك نصرة للمقهورين والمستضعفين.