وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مونديال وعشاء وموت.. على ضوء الشموع والمولدات بغزة

نشر بتاريخ: 16/06/2010 ( آخر تحديث: 16/06/2010 الساعة: 19:33 )
غزة- خاص معا- على مدار شهر كامل لن تشتعل منازل القطاع بأحداث المونديال 2010 لأن متابعتها محصورة على المحظوظين ممن يملكون مولدات الكهرباء - القابلة للاشتعال في أي لحظة- وكذلك من يمكنهم فك شيفرة القنوات المشفرة.

فغزة ليست كأي مكان بالعالم ولن يكون متاحاً لكل سكانها متابعة أحداث مباريات النهار والليل لأنها ببساطة تغرق بالظلام ليلا للعام الرابع على التوالي وبالنهار تعاني من انقطاع متكرر للكهرباء بدأ التغلب عليه باقتناء كل منزل من منازلها تقريبا مولد كهربائي على اختلاف أوزانه وأحجامه وكمية الوقود المستخدم له.

المواطن الغزي أبو محمد تابع أحداث مباراة الجزائر أمام سلوفينيا عبر الإذاعات المحلية التي قامت بدورها بنقل المباراة عن إحدى القنوات المشفرة وهو بذلك يحاول " مواكبة أحداث المونديال التي سرق وهجها انقطاع التيار الكهربائي بالقطاع".

ورغم محاولات المقاهي والنوادي الرياضية والفنادق العاملة في قطاع غزة توفير شاشات عرض كبيرة لمتابعة مباريات المونديال إلا أن عدد من يمكنهم ارتياد هذه الأماكن قليل في ظل تردي الوضع الاقتصادي وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدني الدخل للمواطنين في قطاع غزة الذين يشكل 70% منهم لاجئين يعتمدون على المعونات الإنسانية التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وفقا لما قاله مدير عملياتها بالقطاع جون جنج.

وللعام الرابع على التوالي فإن سكان قطاع غزة يتدارسون المناهج التعليمية ويتناولون وجبات العشاء إما في ضوء الشموع او باستخدام المولدات رغم الضوضاء التي تنبعث منها.

وتكاد الضوضاء الناجمة عن تشغيل مولدات الكهرباء بالقطاع تكون آخر ما يهتم به سكان القطاع البالغ عددهم مليون ونصف المليون نسمة يسكنون أكثر مناطق العالم كثافة سكانية وذلك على طول شريط ساحلي يبلغ فقط 40 كيلومترا وعرض 12 كيلو متر.

هذه الضوضاء تأتي في مرحلة متأخرة إن كان وجه المقارنة مع عدد الضحايا الذين فقدوا أرواحهم نتيجة لسوء استخدام هذه المولدات التي راح ضحيتها 152 مواطنا منذ مطلع عام 2008 حتى حزيران /يونيو من العام الجاري وفق ما أكده د. معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارئ في قطاع غزة لوكالة معاً.

المواطن نسيم أبو جامع (48 عاماً) من محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة فقد ثلاثة من أبنائه الستة بشباط/ فبراير من العام الجاري في حريق نشب بسب تسرّب وقود كان مخزّناً في مطبخ منزله ووصل إلى المولّد الكهربائي، وأُصيب الأطفال الثلاثة الآخرون بجروح في الحادث، وهو ليس الحادث الأول لهذه المولدات بل سبقه عشرات الحوادث وتلاه العشرات وكان هو الأكثر إيلاما حيث راح ضحيته ثلاثة أشقاء أطفال.

وكان الطلب قد ازداد على هذه المولدات بعد تأكد سكان القطاع من صعوبة السيطرة على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وذلك لأعوام أربعة بعد أن قام الاحتلال الإسرائيلي بقصف محطة الطاقة الوحيدة بالقطاع وإصابتها بعجز شبه كلي واستمرارها بالعمل بثلث طاقتها الإنتاجية للعام الرابع على التوالي، مما يعني توزيع حصة المواطنين من الكهرباء النظيفة وفق برنامج وضعته شركة الكهرباء بغزة بحيث لا يتعدى نصيب كل منزل ما يزيد عن عشر ساعات يوميا من التمتع بطاقة كهربائية نظيفة.

ويتعلق أمل المسئولين عن قطاع الطاقة والكهرباء بغزة بآليات قد تضعها جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي للتغلب على أزمة الكهرباء بالقطاع وهو ما ألمح له مدير العلاقات العامة بشركة الكهرباء في قطاع غزة م.جمال الدردساوي حين قال لمراسلة معا خضرة حمدان أن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أبدى اهتمامه البالغ بورقة قدمتها شركة الكهرباء حول إمكانات التغلب على هذه الأزمة ومطالب الشركة من الجامعة أثناء زيارة الخير للمدينة أوائل حزيران 2010.

وحسب الورقة التي قدمتها الشركة لموسى فإن غزة تأمل كما قال مدير الشركة م. سهيل سكيك أن يتم التوجه الفوري لبدء العمل في تنفيذ مشروع الربط الإستراتيجي بين الشبكة الفلسطينية في قطاع غزة والشبكة المصرية في إطار مشروع الربط الإقليمي القائم بين منظومة الربط الثماني حيث يمثل هذا المشروع التأمين الحقيقي للطاقة الكهربائية في قطاع غزة على المدى البعيد.

ومن بين بنود التغلب على أزمة الكهرباء بالقطاع مطالبة الشركة العمل السريع لتمويل كميات إضافية من الوقود الصناعي لتشغيل وحدة إنتاج ثانية علي الأقل في محطة توليد الكهرباء، وزيادة القدرة التعاقدية مع شركة القناة المصرية من 17 ميجاوات إلي 21 ميجا وات، وسرعة البدء لتنفيذ مشروع إمداد محطة توليد الكهرباء بالغاز المصري.

أما المولدات التي تتراوح أوزانها بين كيلو و12 كيلو حسب كمية الديزل المعبأ فيها وهي الوزان المستخدمة للمنازل والمحال التجارية – فهي تصل لقطاع غزة عبر الأنفاق المنتشرة على طول الشريط الحدودي جنوبي القطاع وتبدأ أسعارها من 350 شيقل إسرائيلي أو ما يعادل مائة دولار أميركي للمولد بوزن كيلو واحد.

قانونيا فقد كفل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان حق التمتع بمستوى معيشي لائق. وأمام ذلك يؤكد عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة أن انقطاع الكهرباء في قطاع غزة يمثل انتهاكاً حقيقياً لهذا المبدأ الدولي على مختلف أصعدة الحياة كون الكهرباء ترتبط بكل تفاصيل المعيشة للإنسان.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد فإن مشافي غزة تدخل في دائرة الخطر جراء تناقص الوقود الصناعي المستخدم لمولدات الطاقة نتيجة استمرار انقطاع التيار الكهربائي عنها لأكثر من 16 ساعة يومياً.