وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فلسطينية تطل من خنادق الجيش الإسرائيلي متسلحة بالإغراء

نشر بتاريخ: 26/07/2010 ( آخر تحديث: 27/07/2010 الساعة: 19:47 )
بيت لحم- العربية نت- معا- لم يعرف الجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه قبل 62 سنة مجندة عربية انخرطت في صفوفه وكشفت عن نفسها علناً وبجرأة قاصفة مثل الفلسطينية، آلينور جوزف، التي ما زال موقعه على الإنترنت مستمراً منذ 5 أيام بنشر قصتها مع صور بدت فيها ممثلة إغراء من هوليوود تشارك في فيلم حربي.

أول ما يخطر على البال حين الإطلاع على ترجمة الوارد عنها بالعبرية في الموقع، هو الاستغراب من إقدام شابة عربية جميلة وعمرها 20 سنة على الانخراط في جيش مشاكس ليست ملزمة أساساً بالتطوع فيه، باعتبار أن إسرائيل تعفي اليهود المتدينين والعرب الحاملين جنسيتها من الخدمة العسكرية، مع أن الإعفاء أصبح عمره قصير، كما يبدو من تصريح للجنرال غابي أشكنازي.

وكان أشكنازي، وهو رئيس الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي، صرح أمس الأحد أنه من الواجب إلزام كل شاب يبلغ من العمر 18 سنة على الانخراط في الخدمة العسكرية أو تخييره بالخدمة المدنية، مشيراً في كلمة ألقاها خلال زيارته لأحد معسكرات التجنيد "أن الوضع الراهن تغير ويجب على العرب واليهود المتدينين التجند للجيش، ومن يرفض ذلك يمكنه الانضمام إلى الإسعاف أو للشرطة أو الإطفاء" طبقاً لما نقلت اليوم عن لسانه وسائل إعلام إسرائيلية.

لكن آلينور، التي تحدثت " العربية.نت" اليوم الإثنين إلى والدتها، سبقته بإعلانها من شباك الجيش الإسرائيلي على الإنترنت أنها هي التي سعت بنفسها للتجند، فاحتلت بذلك صفة أول عربية تكشف عن نفسها وعن استعدادها لقتال العرب بقذائف الإسرائيليين وبكافة الأسلحة، مطلقة من خنادق الجيش الإسرائيلي أول رصاصة من الإغراء عبر صور تحبب التجند وتقرّبه إلى عرب 48، الذين قابلوها بتعليقات أسفل الخبر عنها تدل عن طعنة عميقة تلقوها في مشاعرهم من "آراء" قالتها في المقابلة التي أعدها معها ناطق باسم الجيش الإسرائيلي ولم تتضمن أي معلومات عنها تلبي الفضول.

ولأن الموقع كان بخيلاً في بث المعلومات، ولم يذكر إلا اسمها وعمرها وأن والدها خدم سابقاً في سلاح المظلات بالجيش الإسرائيلي، وأنها مسيحية من حيفا، فقد تحدثت"العربية.نت" إلى والدتها وردة جوزف، التي تحفظت أيضاً على قول المزيد، باعتبار أن القانون الإسرائيلي يمنع على المجندين والعسكريين التحدث إلى وسائل الإعلام، كما يمنع على ذويهم التحدث عنهم أيضاً.

مع ذلك قالت وردة جوزف إن العائلة المؤلفة منها ومن زوجها شربل وابنتيهما لوريان وآلينور (22 و20 سنة)، فخورة بانخراط أحد أفرادها بالجيش الإسرائيلي. وقالت إن ابنتها الكبرى لوريان كانت ستنخرط فيه أيضاً، "لكنها فضلت الانتظار، ولأن عملها في مجمع تجاري حالياً لا يسمح لها، كما أنها تنوي دخول الجامعة بدءاً من هذا العام لدراسة مادة احتياجات الأطفال المرضية"، على حد تعبيرها.

وذكرت وردة جوزف أن ابنتها قد تقتل عرباً وفلسطينيين فيما لو حدث قتال وكانت طرفاً فيه، "لأنها بذلك تكون في حالة دفاع عن النفس مشروع". كما تحدثت عن موقف الجيران في العمارة التي يسكنون فيها في شارع نعامين في حي وادي النسناس في حيفا، وقالت إنهم يتفهمون خطوة تجند آلينور في الجيش، لأن والدها كان دائماً يحدثهم بأنه سيعمل على تجند ابنتيه في الجيش مستقبلاً، "لذلك لم يكن تجندها فيه مفاجأة لهم" كما قالت.

واستدركت بعض الأمور فقالت: "لقد ولدنا هنا، وهنا نعمل ونعيش ولا نعرف مكاناً غير إسرائيل التي نحمل جنسيتها، ومن الطبيعي أن تدخل ابنتي في الجيش الإسرائيلي. أما من يتلفظ بتعابير مؤذية، مثل كلمة خيانة، وبلا أصل وأشياء من هذا القبيل فكل واحد يحكي بأصله" وفق تعبيرها.

واتصلت "العربية.نت" أيضاً بصحافيين من عرب الداخل الإسرائيلي، ممن أشار بعضهم أن مجاهرة المجندة بانخراطها في الجيش ونشر المقابلة معها على موقعه في الإنترنت يوحي بكثير من الاستغراب والتساؤلات.

ومن المستغربين الصحافي الفلسطيني سليمان الشافعي، وهو كاتب أخبار وتقارير لمحطات إذاعية وتلفزيونية في إسرائيل ويقيم في مناطقها الجنوبية.

فقد ذكر عبر الهاتف مع "العربية.نت" اليوم الإثنين أنه سمع بقصة الفتاة "لكنها على حد علمي ليست أول عربية تقاتل مع الجيش الإسرائيلي، بل كان هناك غيرها، ولو أن عددهن قليل جداً، لكنها أول عربية تظهر علناً بهذا الوضوح وتكشف عن نفسها بكل هذه الجرآة المثيرة للاستغراب" كما قال.

وذكر الشافعي أن معظم من تجندن في الجيش من الفلسطينيات خدمن عادة مع جهاز الشرطة أو مع حرس الحدود أو في حقل التمريض وبعض الخدمات العسكرية شبه المدنية، ولكن بصمت "وبعضهن قاتلن أيضاً على الجبهات، لكننا لا نعرف شيئاً عنهن تقريباً" على حد تعبيره.

وكانت آلينور جوزف انخرطت في الجيش الإسرائيلي في أبريل (نيسان) الماضي، لكنها بقيت طي الكتمان إلى أن كشف قضيتها الجيش نفسه الخميس الماضي عبر مقابلة معها معززة بصور، ونقل فيها كاتبها عن لسانها إجابات وعبارات "لا تبدو أنها صدرت منها"، بحسب ما قال صحافي آخر من عرب 48 طلب عدم ذكر اسمه.

ومما قالته آلينور إنها تردد النشيد الوطني الذي تعلمته منذ انخراطها برغم أنه يتضمن عبارة "نفسي يهودية" بينما هي عربية فلسطينية، لذلك قالت: "أعرف أنني في جيش لليهود، وهذا نشيدهم، ولكني لن أطلب منهم تغييره". وعلى الإثر دبت الحماسة في بعض الإسرائيليين فأسسوا لها صفحة بالعبرية على الإنترنت.

أما عن عيد استقلال إسرائيل، وهو يوم النكبة للعرب، فقالت إنها لا تحتفل به "وهو يوم عادي بالنسبة لي، لكني لن أجلس وأبكي"، بحسب ما نقل الموقع على لسانها.

كما كشفت في إحدى اللحظات من المقابلة أنها بكت فرحاً حين أخبروها أن الجيش وافق على طلبها لتصبح مقاتلة فيه، "لأني كنت أحلم دائماً أن أكون مجندة في الوحدات القتالية"، مشيرة إلى أنها تعرف أن نهاية الخدمة العسكرية تعني مشاركتها باحتفال يؤدي فيه من انتهت خدمتهم التحية لعلم يتم تثبيته في موقع الاحتفال، وقالت آلينور: "عندما يرفرف العلم الإسرائيلي فإن قلبي يخفق بشدة وولع".

وإذا قفزنا من الولع مسافة فقرتين في المقابلة، فسنصل إلى عبارة قالتها وتدل على حنكة ودراية واسعتين بالتاريخ السياسي العربي الحديث، "وهو ما قد لا يتوفر بسهولة لمن عمره 20 سنة مثلها، فالمدرك للأمور والمحنك لا ينخرط في الجيش الإسرائيلي إذا كان فلسطينياً ويعرض نفسه وأفراد عائلته للخطر، بل يلوذ بالصمت من باب إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا، علماً أن تجندها هو أكثر من معصية.. هو خيانة" على حد تعبير الصحافي.

والعبارة كانت جواباً افتراضياً على سؤال افتراضي، فقد قالت: "قد ينبهني أحدهم أن خدمتي بالجيش الإسرائيلي تعني أنني قد أقتل عرباً وفلسطينيين، فماذا سيكون موقفي؟ عندها سأجيبه أنني لست الوحيدة التي ستفعل ذلك، فالعرب قاتلوا ويقتلون بعضهم أيضاً".

وآلينور هي أصلاً من قرية الجش في الجليل الأعلى، لكن عائلتها غادرت في ما بعد وسكنت في حي وادي النسناس المختلط بين العرب واليهود في حيفا. وفي ذلك الحي كان بعض الجيران يشاهدونها باللباس العسكري وهي قادمة إلى البيت لزياة عائلتها، فيتهامسون بعيون جاحظة فيها شر، ولاحظت الشابة الخطر، فطلبت من وحدتها في الجيش السماح لها بارتداء الثياب المدنية كلما زارت حي وادي النسناس، "فوافق قائد الوحدة سريعاً على طلبي" كما قالت.

والوحدة التي انخرطت فيها آلينور جوزف هي مختلطة للمجندين من الجنسين، لذلك سموها "كركال" عند تأسيسها قبل 10 سنوات، لأن الكلمة تركية الأصل واسم لحيوان تتشابه أعضاءه لدى الذكر والأنثى. وقالت آلينور إنها تطمح بعد الانتهاء من دورة المقاتلين للانضمام إلى دورة للمقاتلين المتقدمين "ومن ثم إلى دورة الضباط، لأن طموحي العسكري لا حدود له، فأنا أحلم أن أصبح قائدة للأركان العامة للجيش الإسرائيلي".. هكذا قالت تماماً.

نقرأ في أرشيف الجيش الأسرائيلي أن أول عربية تجندت فيه هي البدوية أميرة الهيب، المولودة في عام 1985 بمنطقة للبدو العرب في الجليل الأعلى اسمها طوبة زنغرية، ثم انتقلت العائلة للعيش في قرية للبدو أيضاً بجوار بحيرة طبريا واسمها وادي الحمام، وفيها ترعرعت أميرة حتى فاجأت الجميع في 2004 بطلبها الانخراط في الجيش الإسرائيلي حين كان عمرها 19 سنة، وفي اليوم التالي ذاقت عائلتها العجائب: رجموا أفرادها بالحجارة، والبيت تم رجمه أيضاً، وعزلت العائلة عن سكان القرية ومعظمهم من آل الهيب، لا لانخراطها في الجيش الذي انضم إليه كثير من رجال البدو، بل لأنها كانت أول امرأة بدوية تقاتل فيه إلى جانب الرجال.

والرجل الوحيد الذي دافع عنها هو والدها، نور الهيب، الذي سبقها بدوره للانخراط في الجيش الإسرائيلي مقاتلاً، وحين هدأت الأمور ومرت سالمة على العائلة بدأت بعض العربيات بالانخراط، وجميعهن لا يزدن على عشرة نساء إلى الآن.

وكان لأميرة شقيق اسمه تيسير، انخرط في الجيش الإسرائيلي قبلها، ووصل إلى رتبة عقيد، لكنه في فورة غضب عام 2003 أطلق النار على ناشط بريطاني مع حركة عالمية فلسطينية للسلام اسمه توم هورندال، وكان ذلك خلال تظاهرة سلمية لناشطي الحركة قرب رفح، فسقط الناشط جثة بلا حراك واقتيد شقيقها فحاكموه وأدانوه في 2005 بالسجن 8 سنوات. إلا أن لجنة عسكرية إسرائيلية قررت قبل أسبوع تخفيض عقوبته، حيث سيخرج من وراء القضبان في منتصف الشهر المقبل بدلاً من العام 2013 بذريعة أنه لم يعد يشكل تهديداً لأحد، وهو ما أغضب الحكومة البريطانية وعائلة القتيل التي قال متحدث عنها يوم الخميس الماضي إن الهيب ليس المشكلة بل الجيش الإسرائيلي الذي يعفو عن مرتكبي الجرائم.