|
الأسطل: فلنقبل في هذا الشهر على الله ولنصلح ذات بيننا
نشر بتاريخ: 14/08/2010 ( آخر تحديث: 14/08/2010 الساعة: 00:01 )
غزة -معا- استهل فضيلة الشيخ ياسين الأسطل خطبته اليوم بالتهاني والتبريكات للرئيس محمود عباس وإلى أصحاب الجلالة والسيادة والسمو الملوك والرؤساء والأمراء ووزرائكم وحكوماتكم وأصحاب السماحة والفضيلة العلماء من أهل الفتوى والقضاء ، والبحث والعلم ، والدعوة إلى الله تعالى ، ثم إلى الشعب الفلسطيني ، وإلى سائر الأمة العربية والإسلامية سائلاً المولى عز وجل أن يعيده على الأمة بالنصر والتمكين .
كما دعا فضيلته في خطبته بمسجد الحمد والتي بعنوان { إنه رمضان..أيها المسلمون فأفلحوا } إلى العمل يجد واجتهاد في هذا الشهر المبارك شهر الصيام والقيام والقرآن ، لأنه شهر لا كالشهور، وعبادة لا كالعبادات . وأضاف : أنتم أيها الصائمون في كل لحظة في كنف الله وحياطته ، بين رحماته وبركاته تتقلبون، في قيامكم وقعودكم ، واستيقاظكم ورقودكم ، فطوبى لكم يا من وفقتم في رمضان لصيام نهاره لقيام ليله ، وهديتم إلى عمل الخير والبر والجود والإنعام ، وحسن العهد بصلتكم الأرحام، أمسكتم عن الطعام والشراب والشهوة من أجل الله جل جلاله ، ولابتغاء مرضاته سبحانه الكريم الحكيم شرعه وهداه ، حقاً إن الصيام يدعو إلى صفاء النفس ، ويهدي إلى نقاء القلب ، ويرقى بالعبد الصائم في معارج القبول مع الإقبال ، ومدارج القرب المأمول في مقعد صدق عند المليك المتعال ، ففي الصيام الانفكاك من أسر الشهوات ، والتخلص من قيد العادات ، فبالإقبال على العبادات يكون الصائم بحق في كنف ربه ، وحياطة خالقه ، سواءً في استيقاظه أو منامه، وقيامه أو قعوده، وصمته أو كلامه ، وهذا يتجلى في قوله سبحانه وتعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) }البقرة . كما وأردف فضيلته: لكأني بكم أيها الصائمون رجالاً ونساءً أنتم المخاطبون في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)} .ولهذا فلنحرص الحرص كله ، ولنخلص الإخلاص كله ، ولنقفو الأثر النبوي الكريم ، ولننهج طريق السلف القويم في كل العبادات وفي هذه العبادة ، حتى نتذوق كما ذاقوا ، ونستلذ كما استلذوا ، ونجنتي كما اجْتَنَوْا ، وإيانا جميعاً وتخرصات الخالفين ، وابتداعات المتنطعين ، التي تذهب برونق العبادة ، وبهاء العمل، فما شرع الله الصيام ليجوع الناس ولا ليعطشوا ، ففي سورة البقرة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) } فجاءت كلمة ( لعلَّ ) تُعلِّقُ ما بعدها على ما قبلها ، ولتفيد رجاء حصول التقوى للصائمين ، فهي مقصود الصيام العظيم ، وفي حديث الإمام مالكٍ في الموطأ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ " .وهذا رمضان شهر الصدقات ، فعليكم بالصدقة مما تجدون مهما كان قليلاً أو كثيرا ، ومن الصدقات في رمضان الدعوة الى تفطير الصائم . كما نوه الصائمين بالذكر وقراءة القرآن ومدارسته ، والقرآن الكريم روح من أمر الله تعالى يهتدي به التائهون ، وتقوى به وتحيا الأمة الضعيفة الخاملة ، فتعلو الهمم بعد دناءة ، وتغتني النفوس بعد فقر ، وتنتصر الإرادة بعد هزيمة ، وترتفع بعد ضِعة ، ففي القرآن الكريم من الضلال هداية ، و من التردد والشك ثباتٌ ويقين ، ولهذا كانت عناية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقرآن ظاهرة مشهورة وكان أصحابه رضي الله عنهم يحرصون على تعلمه وتعليمه ، وتفهمه وتفهيمه ، فقد جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان في رمضان يتلو كتاب الله عز وجل ، ويدارسه إياه جبريل ، وهكذا كان السلف من بعده من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ، فالقرآن الكريم أنزل في رمضان ، وابتدأ نزوله في ليلة القدر التي هي أعظم من ألف شهر ، فمن أقبلَ على الله قُبِل ، ومن أدبر عن الله دُبِر ، فالقبول مع الإقبال ، فلنقبل في هذا الشهر على الله بالإقبال على عباده ، ولنصلح ذات بيننا ، ولنجمع كلمتنا ، ولنوحد صفنا ،طائعين لله فبه سبحانه صلاح الأحوال ، وقبول الأعمال ، فلنرفع أكف الضراعة بالابتهال ، فهذا رمضان وعليكم في ليله بالقيام ، فإن القيام بين يدي الله عز وجل في الدنيا يقرب إليه سبحانه في الآخرة وهو يهيئ العبد للتكاليف الجليلة ، المنوطة بالرجال الذين { صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } الأحزاب (23) . كما أن قيام الليل شعار الصالحين فقليلاً من الليل ما يهجعون، ودثار المتقين فبالأسحار هم يستغفرون ، ونهج السالكين يسبحون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُون وأضاف : ولنحذر إخوة الإسلام أن نكون في هذا الشهر من المحرومين : ما استمعوا لناصح ، ولا انتفعوا بهداية ، ما أصغوا لمكلوم ، ولا التفتوا لمعدوم ، وما رَقُّوا لثكلى ، في أعراض العباد يسرحون ويمرحون ، وفي المال الحرام بالخطايا يرتعون ، على الهوى مقبلون ، وعن الهدي معرضون ، يقيمون على ما يشتهون ، شغلتهم الهدايا عن الهدايات ، لا يرحمون ولا يتراحمون ، فما رحموا ولدا ، ولا عظموا والدا ، ولا أطاعوا نبيا . |