|
نص كلمة الرئيس امام الامم المتحدة
نشر بتاريخ: 25/09/2010 ( آخر تحديث: 25/09/2010 الساعة: 19:31 )
نيويورك- معا- أكد الرئيس محمود عباس، اليوم السبت، في كلمة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والستين، أن 'المطالبة بتجميد الاستيطان ورفع الحصار ووقف السياسات والممارسات الإسرائيلية غير القانونية لا تشكل شروطاً مسبقة غريبة عن مسيرة العملية السلمية، بل هي تنفيذ لالتزامات وتعهدات سابقة'، وأن 'التزام إسرائيل بتحقيقها يوفر المناخ الضروري لإنجاح المفاوضات والمصداقية للوعد بتنفيذ نتائجها'.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس: السيد جوزيف دايس رئيس الجمعية العمومية أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، السيدات والسادة، يسرنا سيادة الرئيس أن نتقدم إليكم بالتهنئة على انتخابكم لرئاسة هذه الدورة، متمنين لكم التوفيق والنجاح في مهامكم الأممية السامية، وأن ننقل من خلالكم التحية لمعالي الأخ الدكتور علي عبد السلام التريكي، لجهوده القيمّة التي بذلها خلال فترة رئاسته للدورة 64 للجمعية العامة، والشكر كذلك لمعالي الأمين العام السيد بان كي مون، على عمله الدؤوب من أجل تعزيز دور الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في المجالات كافة. وفي هذا الصدد، نثمن عالياً دوره ودور هذه الوكالات، وأخُص بالذكر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي عملت وما زالت تعمل لتوفير الخدمات الأساسية لأبناء شعبنا اللاجئين، الذين لا زالوا منذ أكثر من ستين عاماً ينتظرون إنصافهم وإحقاق حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. أعلم أن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة زاخر بالموضوعات والقضايا الملحة التي تهم الجنس البشري بأسره وكوكبنا الأرض، ولا سيما تلك المتعلقة بالنزاعات والحروب، ونضال الشعوب الرازحة تحت الاحتلال الأجنبي من أجل إعمال حقها في تقرير المصير، وتغير المناخ والاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية، والأزمات الاقتصادية والمالية. كل هذا في الوقت الذي نرى فيه مطالب عادلة تدعو إلى تطوير الأمم المتحدة، وخاصة إصلاح مجلس الأمن ليصبح أكثر وأوسع تمثيلاً وتجسيداً لصورة الوضع الدولي، ولا سيما في ضوء انبثاق قوى جديدة تستحق أن تكون ممثلة في مجلس الأمن ليكون أكثر فاعلية في أداء دوره في حفظ الأمن والسِلم الدوليين. كما أن هناك تذمراً ملموساً جراء عدم امتثال بعض الدول لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ الإجراءات والتدابير الحازمة والفعالة لإلزام هذه الدول باحترام وتنفيذ هذه القرارات، ولإنهاء الاحتلال والاستعمار والاستغلال في عالمنا لدعم قيم الحرية والعدالة والتسامح والتعايش ومحاربة التطرف والإرهاب. نعم إن للأمم المتحدة دوراً أساسياً في تعزيز علاقات التعاون بين الشعوب وتوجيهها للاستثمار في تطوير المجتمعات وبُناها التحتية، ومحاربة الفقر والبطالة والتصحر، والأمراض والأوبئة ومخاطرها الفتاكة على الجنس البشري، ومستقبل كوكبنا ككل، إنسانياً وبيئياً. إن شعبنا ووطننا فلسطين ومنطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، تواجه مشاكل خطيرة، لا زالت تَدفع بها إلى مربعات العنف والنزاع، وذلك بسبب إضاعة الفرصة تلو الفرصة، لمعالجة قضايا شعوب المنطقة بشكل جدي، والتوصل لحلول جذرية شاملة، وبسبب عقلية التوسع والهيمنة التي لا زالت تحكم فكر وتوجهات إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، والتي جعلت من عدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، بما فيها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، نهجها السائد، مما يُفقد تلك القرارات تأثيرها واحترامها، ويؤثر على مصداقية الأمم المتحدة، ويعزز وجهة النظر القائلة بأن هناك سياسةً للكيل بمكيالين، وخاصة فيما يتعلق بقضية شعبنا الفلسطيني، وأن إسرائيل دولة فوق القانون تضرب عرض الحائط بكل تلك القرارات، وتمارس القمع، والاعتقال، والقتل، والتدمير، وهدم البيوت، والحصار، والتوسع الاستيطاني، وإقامة جدار الضم والعزل العنصري، بحق شعبنا ووجوده على أرض وطنه، دون رادع. إن مدينة القدس الشرقية العريقة، عاصمة دولة فلسطين المستقلة، والمصنفة بقرار من منظمة اليونسكو على أنها أحد معالم التراث العالمي الإنساني الواجبة حمايته، تتعرض من قبل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لعمليات تزويرٍ للحقائق، وتدميرٍ للمعالم والمقابر، وللهوية الدينية والروحية والتاريخية في أرجاء المدينة المقدسة كافة، بوتيرة متسارعة، بهدف طمس معالمها الحضارية، واستباق مفاوضات الوضع النهائي، فضلاً عن أعمال الحفر تحت المسجد الأقصى، وعمليات تدمير البيوت، وترحيل وسحب هويات سكانها، ومحاصرتها بهدف عزلها عن محيطها الفلسطيني العربي، والسيطرة على المدينة المقدسة جغرافياً وديموغرافياً. إن ذلك أمر يستثير أبناء شعبنا ويثير الغضب في العالم العربي والإسلامي ويخلق حالة من عدم الاستقرار في منطقتنا ويشكل عقبة كأداء أمام تحقيق الأمن والسلام. هذه التدابير والممارسات الإسرائيلية غير القانونية لابد من وضع حد لها ووقفها. ذلك أيضاً يا سيادة الرئيس شأن قطاع غزة الذي يتعرض لحصار جائر وغير قانوني مخالف للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وغير مسبوق براً وبحراً وجواً، وقد ترتب عليه إلى جانب العدوان العسكري أثار فادحة إذ أدى إلى تدمير البنية التحتية والطاقة الإنتاجية لقطاع غزة وتدمير 25% من المساكن والمباني، وارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير إذ أن حوالي 75% من القوة العاملة أصبحوا عاطلين عن العمل يعيشون على المساعدات الدولية. ولقد منع الحصار الإسرائيلي أهلنا في غزة من إعادة البناء رغم اعتماد المانحين الدوليين لما يقارب الخمسة مليارات من الدولارات لتمويل إعادة البناء. يجب رفع الحصار عن قطاع غزة فوراً وبشكل كامل ووضع حد لمأساة شعبنا ومعاناته فيه. وإذ نرحب بجهود اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان، وبالإستخلاصات التي توصلت إليها لجنة تقييم نتائج التحقيقات حول الاعتداء على أسطول الحرية الذي كان ينقل مساعدات إنسانية لأهلنا في قطاع غزة، فإننا نتوقع أن تقدم لجنة التحقيق التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي. ولابد لي يا سيادة الرئيس أن أضيف إلى كل ما سبق، وضع الآلاف من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل. هؤلاء مناضلون من أجل الحرية، لا بد من إطلاق سراحهم وإنهاء معاناتهم لتوفير المناخ الإيجابي لتحقيق السلام ونحن لا يمكننا الوصول إلى اتفاق سلام لا يحررهم جميعاً من قيودهم وزنازينهم. ومع ذلك كله، ورُغمَ الظُلم التاريخي الذي لحق بشعبنا، إلا أن رغبته في تحقيق السلام العادل الذي يضمن له إنجاز حقوقه الوطنية في الحرية والاستقلال لم ولن تتراجع، وما زالت أيدينا الجريحة قادرة على حمل غُصن الزيتون من بين أنقاض الأشجار التي يقتلعها الاحتلال يومياً، فشَعُبنا يتطلع إلى العيش بأمن وسلام واستقرار على ترابه الوطني الفلسطيني، ليبني حياته ومستقبل أجياله، ونحن تواقون لصنع السلام الشامل والعادل والدائم، القائم على أساس الحق والعدل وقرارات الشرعية الدولية، وعلى نحو يفضي إلى انسحاب إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، من كافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، حتى تنعمَ دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، باستقلالها وسيادتها، الأمر الذي سيؤدي إلى إحلال الأمن و السلام في منطقة الشرق الأوسط بأسرها. ومن منطلق الحرص الأكيد على مستقبل السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة، فقد استجبنا للذهاب إلى مفاوضات الوضع النهائي، وسَنبذل كل جُهد مُخلص للتوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني- إسرائيلي خلال عام، وِفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ولمبادرة السلام العربية ولخطة خارطة الطريق، ولرؤية حل الدولتين. وأكدنا مجددا باسم منظمة التحرير الفلسطينية على تمسكنا بخيار السلام العادل وعلى تصميمنا وجديتنا ونيتنا الصادقة لإنجاح هذه المفاوضات رغم كل الصعاب والعقبات التي تعترضُها. على المجتمع الدولي أن يستخلص العبر من الأسباب التي أدت إلى تعثر العملية السياسية وعدم تمكُنها من الوصول إلى الأهداف المرجوة منها، فإعادة المصداقية لعملية السلام يتطلب أساساً إلزام حكومة إسرائيل بتنفيذ التزاماتها، وخاصة وقف الأنشطة الاستيطانية كافة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة في القدس الشرقية، وحولها، وتفكيك جدار الضم والعزل العنصري، وإنهاء سياسة الحصار والإغلاقات، وإزالة الحواجز التي تُعطل حياة شعبنا، وتَحرمه من أبسط حقوقه الإنسانية الأساسية. إن مطالبتنا بتجميد الاستيطان ورفع الحصار ووقف السياسات والممارسات الإسرائيلية غير القانونية لا تشكل شروطاً مسبقة غريبة عن مسيرة العملية السلمية، بل هي تنفيذ لالتزامات وتعهدات سابقة تم التأكيد على تنفيذها في الاتفاقات والقرارات جميعاً التي صدرت منذ انطلاق العملية السياسية، والتزام إسرائيل بتحقيقها يوفر المناخ الضروري لإنجاح المفاوضات والمصداقية للوعد بتنفيذ نتائجها. وعلى إسرائيل أن تختار بين السلام واستمرار الاستيطان. إنني من على مِنبَركم هذا أجدد التأكيد بأننا سنواصل كما كنا دوماً بذل كل جهد ممكن لكي تؤدي هذه المفاوضات إلى غاياتها وأهدافها المنشودة في تحقيق السلام عبر معالجة جميع قضايا الوضع النهائي ألا وهي قضايا القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود، والمياه، والأمن، والإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، وعلى نحو يحقق الحرية والاستقلال والعدالة للشعب الفلسطيني في وطنه، ويُصحح، بل ويرفع الظلم التاريخي الذي لحقَ به، ويحقق الأمن والأمان له ولجيرانه والسلام العادل على كافة المسارات في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما المسارين السوري واللبناني، ويكون فاتحة عهد جديد من الاستقرار والتقدم والرخاء والتعايش والجوار الحسن. إن تصويب مسار العملية السياسية لا يمكن أن يتم إلا بتحمل المجتمع الدولي للمسؤولية الرئيسية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وهو أطول احتلال شهده التاريخ الحديث، وضمان حق شعبنا في تقرير مصيره في دولته المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه، وذلك من خلال تطبيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة، وفتوى محكمة العدل الدولية، وأحكام القانون الدولي بما في ذلك القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وهي كلها تمثل المرجعية السياسية الشرعية لأية مفاوضات ناجحة حول الحل النهائي. حجم المعاناة، متمسك بحقوقه وأرضه وترابه الوطني، وهو في ذات الوقت يحرص كل الحرص على استعادة وحدته الوطنية، واللحمة بين شقي الوطن، ونحن نقوم بكل جهد لاستعادة الوحدة بالحوار عبر الجهود الخيرة والمشرّفة التي يقوم بها الأشقاء والأصدقاء، وخاصة جمهورية مصر العربية. ولن ندخر جهداً من طرفنا في سبيل إنجاحها لإنهاء حالة الانقسام الناتجة عن الانقلاب على الشرعية الفلسطينية، ولتكريس الديمقراطية كنهج ثابت وسبيل لا بد منه في حياتنا السياسية. كما أننا نقوم بتحمل مسؤولياتنا في بناء المؤسسات الوطنية لدولتنا المستقلة، وفي بناء الاقتصاد الوطني وفي توفير الأمن والأمان لمواطنينا في ظل سلطة ترتكز على القانون والمحاسبة والشفافية والعدالة، كما أننا نقوم بتنفيذ التزاماتنا كافة التي نصت عليها خارطة الطريق والاتفاقات الموقعة بين الجانبين. وفي الختام، فإنه من الضروري في هذا المقام أن نشكر كل الأطراف التي ساهمت في رعاية ودعم عملية السلام، وهنا أود أن اشكر فخامة الرئيس الأميركي باراك اوباما والذي أكد في كلمته أمام الجمعية العمومية منذ يومين، على حل الدولتين وضرورة تجميد الاستيطان وأمله الكبير في إقامة دولة فلسطين المستقلة لتكون عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، وبهذه المناسبة فإننا نؤكد على استعدادنا التام للتعاون مع الجهود الأمريكية في سبيل إنجاح العملية السياسية للوصول إلى حل عادل وشامل ودائم في المنطقة . لكننا نجد من الواجب أن نخص بالشكر الأمم المتحدة، فهي التي صانت قضيتنا ومدت يد العون لشعبنا وشرَّعت من الأحكام والقرارات ما شكل أساساً لا يمكن تجاوزه في البحث عن الحل الشامل والعادل والدائم، ومن هذا المنبر ندعوها إلى مواصلة دورها المحوري حتى يتم إحقاق الحق، وينال شعبنا ما استلب من حقوقه، ويسود السلام منطقتنا بأسرها.نجدد لكم تحياتنا وتقديرنا لجهودكم الدؤوبة ومواقفكم التضامنية مع قضية شعبنا، العادلة مثلما نجدد العهد بالثبات على إيماننا بالسلام الذي تصبو إليه شعوب منطقتنا كافة، سائلين الله عز وجل أن ينعم علينا بمستقبل نتمتع فيه جميعاً بالسلام والأمن والاستقرار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |