وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في غزة.. مهنة بسيطة ثمنها الدم وربما الروح!

نشر بتاريخ: 11/10/2010 ( آخر تحديث: 11/10/2010 الساعة: 18:13 )
غزة- خاص معا- "ملك" و"وعد" طفلتان إحداهما تتوق لطعم اللحوم، والأخرى صغيرة على الدنيا يلزمها حليب وحفاظات "بامبرز" أما "سمر" والدتهما فهي تكثر من شرب الشاي ليس لأنه لذيذ، بل لأنه يشبع مع بعض كسرات الخبز.

لذلك قرر الشاب محمد عزيز حلاوة (24 عاماً) والدهما وزوج سمر أن يتجه مع مجموعة من الشبان نحو ما كان يعرف بالمنطقة الصناعية بمحاذاة معبر بيت حانون "إيرز"، المهنة جديدة ولكنها شاقة، بالنهاية قد ينال محمد 50 -60 شيقلاً أو ما يعادل 13-15 دولار يومياً، إذن لا بد من الصبر رغم الخطورة وإطلاق النار العشوائي نحو المقتحمين للمنطقة المحظورة.

"جمع الحصى" مهنة فرضها الحصار الإسرائيلي مؤخراً على أهالي قطاع غزة وآلاف العائلات الفقيرة التي لا تجد ما يسد رمق أطفالها، نساء وأطفال وشبان كانوا رواد هذه المهنة، نقبوا الأرض وغربلوا التراب، وكسروا كل ما كان مدمراً ومنهاراً بفعل الحرب ولأن ما بدأوا به كثر عليه الطلب والأيدي العاملة، فقد حاول البعض الاتجاه بعيداً عن مزاحمة الباحثين عن العمل، اتجه بعضهم نحو مطار غزة الدولي المدمر، كسروا ما بقي منه، وجمعوا الحصى اللازمة لإعادة إعمار بعض المساكن المدمرة، وفر الآخرون نحو مستوطنات الاحتلال المخلاة عام 2005، وسط وجنوب وشمال القطاع، مكان لم يفكر أحد أن يتجه له رغم ما يحتويه من شوارع ومبان دمرها الاحتلال قبل أن يغادرها، وجدوا ضالتهم هناك، حصى كبير وصغير ومتوسط الحجم حتى أنهم أطلقوا عليه مسميات تميزها.

قاربت هذه الحصى أن تنتهي من هذه الأماكن، لا مفر من البحث عن مناطق أخرى فكان المنطقة الصناعية التي تقع في مرمى النيران الإسرائيلية شمال قطاع غزة، محمد كان من أول من أصيب بهذه النيران، يحظر هناك الاقتراب لمسافة تزيد عن 300-600 متر ولكن هناك بعض الخيرات التي لا بد من الاستفادة منها فكانت المخاطرة، لعبة الكر والفر.

في الثالث عشر من حزيران/ يونيو كان محمد يجمع الحصى مع اثنين من الأقارب في منطقة إيرز الصناعية، تم جمع ما يقدر بطن إلى طن ونصف من الحصمة " الحصى" وفجأة سمعوا إطلاق نار، تطايرت الرصاصات بالقرب منهم، فجرى الجميع ثم هدأ الموقف، قرر محمد أن لا يضيع جهده هباء ليوم كامل، فعاد ليحمل ما جنته يداه وهناك أطلق نحوه الاحتلال النيران مجددا وأصابوه بعيار ناري بساقه اليمنى أدى لتهتك عظام الساق أسفل الركبة أقعدته للشهر الرابع على التوالي، ليعود مشتاقاً لمن يسد رمق طفلتيه وزوجته ويجلب له العلاج.

محمد ينظر في عيون طفلتيه ويعتذر منهما أنه لم يعد قادراً على المغامرة، فقد غامر وكانت النهاية إصابة أقعدته، يساعده والده الذي يعيل 18 فرداً ببعض المصروف اليومي، يجلب بعض الخضروات ولكنه بالطبع لا يجلب الحليب والبامبرز للطفلة وعد التي لا تتجاوز ثلاثة شهور.

عشرات الشبان بينهم أطفال أصيبوا بنيران إسرائيلية رغم معرفة الاحتلال أن هؤلاء يجمعون الحصى، أو كما يقول المنسق الاعلامي في الخدمات الطبية بالقطاع أدهم أبو سلمية أن الاحتلال استهدف مدنيين ضاربا بعرض الحائط القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني اللذان ينصان صراحة على وجوب تجنيب المدنيين ولاتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لحمايتهم وتجنيبهم القتل أو جرحهم أو إصابة ممتلكاتهم.

وخلال الشهور الثلاث الماضية- موسم الصيف المنصرم- فإن الاحتلال أصاب 15 مواطناً من عمال جمع الحصى أغلبهم فتية وقاصرون ولا تتجاوز أعمارهم 25 عاماً في شمال القطاع وحده.

ورغم أن الاحتلال ينشر كاميرات المراقبة على طول حدود القطاع التي تظهر وبشكل لا يقبل الشك أنه لا اختراق للحدود وأن هؤلاء فقط يعملون بجمع الحصى وغير مدججين بالسلاح أو متسللين، إلا أنه يتم إطلاق النيران نحوهم والتركيز على أطرافهم السفلى بما يؤكد نظرية "الترهيب" أو الإجبار على أبعادهم عن المكان.

ولأن غزة ممنوع عليها مواد البناء لقرابة أعوام أربعة ورغم حالة الدمار التي طالت قرابة خمسين ألف وحدة سكنية فإن الضغط السكاني يستوجب البحث عن بدائل لإعادة إعمار أو بناء مساكن جديدة للمواطنين كان من بينها البناء بالطين أو الرمل أو حتى تدمير المدمر واستصلاح مواد البناء منه مجددا كتعديل الحديد ووضع الحجارة بالكسارات وإعادة استخلاص الحصمة منها.

أما السوق الذي تباع فيه هذه الحصمة فقد شهد رواجاً مؤخراً حين شهدت أسعار مواد البناء المهربة عبر الأنفاق انخفاضاً ملحوظاً فزاد الطلب على الحصمة وكانت من مهن الحصار الجديدة هو جمعها لتغيير صورة غزة المدمرة بعد قرابة عامين على انتهاء الحرب.