|
الرهينات- عاملات فلسطينيات في المستوطنات
نشر بتاريخ: 19/10/2010 ( آخر تحديث: 19/10/2010 الساعة: 19:15 )
بيت لحم- معا- إيمان "اسم مستعار" تبلغ من العمر ( 34 عاما) من قرية النويعمة في منطقة أريحا، تعمل في الزراعة في المستوطنات القائمة في غور الأردن لمدة 16 عاما.
بدأت إيمان العمل في سن 18 عاما، مباشرة بعد إنهاء تعليمها في المدرسة الثانوية، واندمجت في مجال الزراعة بسبب وجود إمكانيات عمل ضئيلة جدا في السلطة الفلسطينية. تقول إيمان التي تعمل مع اثنتين من شقيقاتها: "أنا مضطرة للعمل لإعالة أفراد عائلتي، وليس لدينا احد نعتمد عليه. والدي كبير في السن وأخي لديه عائلة يقوم بإعالتها". حتى قبل ثلاثة أشهر عملت في دفيئات التوابل في قرية نعمه. وتقول: تركت العمل لأنني لا استطيع أن أعاني أكثر. كنت اشعر بآلام في جميع أنحاء جسمي، وخاصة في الرجلين. الدفيئة كانت حارة جدا، وعملت فيها لساعات طويلة. يوم العمل كان يبدأ في الساعة السادسة صباحا وينتهي بعد 11 ساعة وأحيانا بعد 13 ساعة، وكانوا يمنحوننا فترة استراحة واحدة فقط". كانت إيمان تتقاضى 50 شيقل عن كل يوم عمل مكون من 8 ساعات و10 شيقل عن كل ساعة إضافية. عملت خمس سنوات في شركة التوابل، ولكن مع ذلك لم تحصل على الحقوق التي تستحقها بموجب القانون. تقول إيمان: "هذه هي الفترة الأكثر استقرارا بالنسبة لي. وقبلها انتقلت من مشغّل إلى مشغّل وعملت حسب المواسم". مثلها مثل عاملات كثيرات أخريات لم إيمان ما هي حقوقها كعاملة. في العامين الماضيين شاركت في عدد من ورشات العمل التي نظمتها جمعية "عنوان للعامل" والنقابات في أريحا، واليوم هي نشيطة في تقديم المعلومات حول قوانين العمل في صفوف النساء الفلسطينيات العاملات. تعتبر النساء الفلسطينيات المصدر الرئيسي لدخل العائلة. ووفقا للمكتب المركزي للإحصاء التابع للسلطة الفلسطينية، ففي الربع الأول من عام 2010 شارك في القوة العاملة حوالي 744 ألف عامل تزيد أعمارهم عن 15 سنة، الذين يشكلون 40،7 في المائة من السكان الفلسطينيين. ويدور الحديث عن زيادة قدرها 20 ألف عامل مقارنة مع الربع الأول من العام الماضي. نسبة النساء العاملات تصل إلى 14في المائة. وتصل نسبة البطالة إلى 30 في المائة، في حين أن طولكرم تتصدر قائمة أعلى نسبة بطالة في الضفة الغربية (24.9 في المائة) وفي خان يونس وصلت النسبة إلى 41 في المائة. وسجلت أعلى نسبة بطالة في صفوف الشباب الذين تبلغ أعمارهم بين 19 حتى 24 وتصل النسبة إلى 25.7 في المائة. ووفقا للمكتب المركزي للإحصاء، فان حوالي 15 في المائة من العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية عملوا في إسرائيل وفي المستوطنات. من بينهم حوالي 40 في المائة ممن بحوزتهم تصاريح تشغيل بينما 21 في المائة لا يوجد لديهم أي تصاريح. وبالإضافة إلى المعطيات الواردة أعلاه، فان فروع اتحاد النقابات الفلسطينية في أريحا، قلقيلية وسلفيت تقدّر أن حوالي 1500 سيدة فلسطينية يعملن في المستوطنات. يعمل معظمهن في الأعمال المنزلية، وخاصة في مستوطنة معاليه ادوميم وفي اريئيل. ويعمل قسم منهن في الزراعة، خاصة في غور الأردن والقسم الآخر في مصانع الأغذية والنسيج الموجودة في المنطقتين الصناعيتين ميشور ادوميم وبركان. دعاوى لتحقيق العدالة- تحد ليس سهلا: وكانت هذه أول مرة تتحد فيها إيمان سوية مع عاملات أخريات، وقدمن دعاوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية التي عملن بها، "إيتان فينون للزراعة محدودة الضمان". إيمان اتبعت صديقاتها وقدمت دعوى ضد الشركة للحصول على الحقوق الاجتماعية التي لم تحصل عليها أثناء عملها، بالإضافة إلى التعويضات. وجرى البت في الدعوى في محكمة العمل في القدس. وادعت الشركة أن المشغّل الفعلي هو المقاول، وهو فلسطيني من قرية العوجا، الذي جند العاملات. وأخيرا، قررت المحكمة أن العاملات عملن سواء من قبل شركة "إيتان فينون للزراعة محدودة الضمان"، أو عن طريق المقاول الفلسطيني. وتقرر أن تدفع الشركة للعاملات حقوقهن بموجب قانون العمل الإسرائيلي، وأن عليها إضافة التعويضات. في أعقاب الدعوى، حظيت العاملات بحوالي 128 ألف شيقل . يقول المحامي هاشم مصاروة، الذي مثل العاملات من قبل جمعية "عنوان للعامل"، أن قرار الحكم المذكور أعلاه مهم وفريد من نوعه، وأضاف أن "ثلاث من هذه الدعاوى كانت على وشك التقادم ولم يكن لدى العاملات إثباتات، لا قسائم راتب ولا تسجيل ساعات". ومثّل المحامي مصاروة مجموعة أخرى مكونة من 23 عاملا في مغسلة "بربور" الموجودة في المنطقة الصناعية ميشور ادوميم، من بينهم 14 امرأة. في عام 2006 قررت العاملات التظاهر بسبب تبييت رواتبهن، وكرد على فصلهن من المغسلة. بعد 4 سنوات من النضال الاجتماعي، وبعد أن حلت الشركة، نجحن في الحصول على حقوقهن من مؤسسة التأمين الوطني. وحسب أقوال المحامي مصاروة النائب فان جميع العمال فازوا بالدعوى وحصلوا على مبلغ 800 ألف شيقل. واعتبرت النساء هذا الفوز على انه معجزة. لسنوات طويلة، اعتقدن أن المقاول هو الذي شغّلهن ولم يكن هناك إشعارات حول استحقاقهن للحقوق في العمل. اليوم هن يعرفن الكثير عن ظروف التشغيل للعمال ويدعون العاملات المستَغَلات الأخريات تقديم دعاوى ضد مشغّليهن في محكمة العمل. النساء العاملات في المستوطنات اللواتي قدمن دعاوى ضد مشغّليهن يعتبرن حالات استثنائية، لأنهن قدمن دعوى أثارت النقد الاجتماعي. تقول إيمان: "إنه لأمر مخز العمل في المستوطنات، وحتى أكثر من المعتاد تقديم دعوى ضد المشغّل. يجب مواجهة التحدي الاجتماعي غير البسيط". الطريقة المثلى للتعامل مع هذا العار، كما تقول، هي الاستمرار في تجاهل الانتقادات، وتضيف: "أحيانا انكسر عندما يسألونني إذا كنت قد توقفت عن العمل في المستوطنات". عاملات ضد المقاطعة: وترى معظم المنظمات الفلسطينية لحقوق الإنسان ومؤسسات السلطة الفلسطينية بالعمال في المستوطنات بنظرة من التسوية السياسية. في بداية العام انضم للمقاطعة التي أعلنت في السلطة الوطنية الفلسطينية على عمل الفلسطينيين في المستوطنات، الحملة التي تشجع على مقاطعة المنتجات التي مصدرها المستوطنات. وتسبب الإعلان في ارتباك في صفوف العمال والى ردود فعل غاضبة من جانبهم. وادعى العمال أنه لا توجد أماكن عمل كافية في السلطة الفلسطينية، وأنها غير قادرة على توفير العمل لهم على المدى الطويل. وتقول إيمان: "نحن نعلم أن السلطة الفلسطينية سوف تساعدنا لشهر- شهرين وبعد ذلك سوف نبقى بدون عمل" وتعلم العاملات أن المستوطنات هي منطقة محتلة ، وهن من قلوبهن لا يردن أن يساهمن في تطويرها، ولكن في الصراع بين السياسة وكسب الرزق- فان يد كسب الرزق هي العليا. "بالنسبة لابني أنا اعتبر كالميتة" نهى التي تبلغ من العمر 56 عاما من قلقيلية، تعمل في كفار سابا في التنظيف وهي المعيلة الرئيسية لعائلتها. لديها خمسة أولاد "ممنوعون لأسباب أمنية "من قبل الجيش الإسرائيلي وزوجها مريض بالقلب. نفقات العلاج الطبي له تشكل عبئا ثقيلا على كتفيها. بدأت نهى العمل قبل 10 سنوات. في السنوات الأربع الأولى عملت بدون تصريح. تقول نهى: "لقد خاطرت بحياتي في كل مرة تسللت فيها إلى إسرائيل. وخلال الأسبوع كنت أنام خارج المنزل وأرى عائلتي فقط في أيام الأحد. أطفالي غضبوا علي وقالوا لي انه إذا واصلت العمل، سيعتبرونني كالميتة. وعلى الرغم من هذا لم يكن لي خيار آخر. وكنت مضطرة للعمل". في السنوات الأخيرة، حصلت نهى على تصريح عمل، ولكن المقاول الفلسطيني الذي يساعدها طلب منها 1300 كل شهر مقابل التصريح. وتخاف من الإشارة إلى اسمه ورمزت بان لديه علاقات مع محافل أمنية، وبالتالي لا يمكن لها المخاطرة. وبصورة مشابهة ردت نساء من منطقة قلقيلية اللواتي عملن في مزارع التوت في منطقة رعنانا.. إذ حصلن على تصاريح عمل وتم تسجيلهن في مكتب التشغيل الإسرائيلي، ولكن في قسائم الراتب التي يحصلن عليها يتم تسجيل أيام عمل اقل من الأيام التي عملن بها بصورة فعلية. المشغّل الذي يقدم تقارير عن أيام عمل أقل، يدفع حقوقا اجتماعية أقل ويتملص من دفع الحد الأدنى للأجور. هذه الظاهرة شائعة في صفوف العمال الفلسطينيين الذين يعملون في داخل إسرائيل، ولكن على الرغم من ذلك فإنهم يخشون من تقديم شكوى. في الاجتماع الذي عقدته العاملات مع ممثلة جمعية "عنوان للعامل"، تم منحهن بطاقات عامل ووعدن بتسجيل الأيام والساعات التي عملن بها. بين الانسداد والتدفق: في السنتين الأخيرتين، حاولت جمعية "عنوان للعامل" بالتعاون مع اتحاد النقابات الفلسطينية في منطقة أريحا، تنظيم لقاءات مع نساء من قرى النويعمة والديوك، لكنهم ووجهوا بصعوبات كثيرة. الصعوبة الرئيسية هي أن العاملات لم يؤمنّ في إمكانية التغيير من خلال زيادة الوعي، وبالتالي لم يأتين لحضور الاجتماعات. العدد القليل من النساء اللواتي شاركن في الاجتماعات وزعن المعلومات التي حصلن عليها على الكثير من النساء الأخريات، ومع الزمن امتلأت ورشات العمل. وفي احد الاجتماعات بدأت العاملات من قرية النويعمة في إسماع أصواتهن وإبداء الانتقادات على الصورة التي يعملن بها. وطلبن، من جملة الأمور التي طلبنها، تدخلا اكبر من طرف المقاولين. ومن هنا بدأت علامات بداية التغيير. وبالمقابل، في قرية الديوك التحديد اختارت العاملات عدم الوصول وبقيت الكراسي فارغة. في الاجتماعات التي عقدت كان بالإمكان ملاحظة فروق المكانة بين العاملة والمقاول الفلسطيني صاحب المكانة الاجتماعية العالية. "هـ" هي عاملة في الزراعة. وخلال عملها سقطت من عربة التي كانت مكتظة بالعمال. وشخّص المقاول إصاباتها وصادق على نقلها إلى المستشفى في أريحا من اجل الحصول على العلاج الأساسي فقط. وحسب ما علمنا فانه لم يكن لديها المقدرة على دفع نفقات العلاج الطبي، وتم فصل "هـ." من عملها. وتوجهت العاملة إلى مكاتب النقابات وهناك تلقت الاستشارة والمعلومات حول إمكانية رفع دعوى ضد المشغّل للحصول على حقوقها من التأمين الوطني، لكنها لم تعد لمواصلة تلقي المساعدة. هناك جوانب عديدة من المقاولة، قسم من المقاولين الفلسطينيين على علاقة بمجال الزراعة والعمال في الحقول في غور الأردن. بالإضافة إلى أن حقوقهم منتهكة فإنهم أكثر حساسية لانتهاكات حقوق العمال الذين تحت إمرتهم. والمقاولون الآخرون فإنهم يعملون على تشغيل وتجنيد عمال. وهم يحصلون على أجورهم بنسبة مئوية مقتطعة من أجور العمال. في مثل هذه الحالة، من الصعب مساعدة العمال الصغار في تحسين ظروف العمل والأجور. التسلسل الهرمي الذي يكون فيه المقاول هو الوسيط بين العمال وبين المشغّل الإسرائيلي تتواجد النساء في القاع. عدم معرفة اللغة العبرية يجعل من الصعب بالنسبة لهن الاتصال مع المشغّل الإسرائيلي حيث يقوم المقاول بإحباط كل محاولة لتمثيل أنفسهن. ومع ذلك، هناك تغيير في تعامل المقاولين مع العمال نتيجة لنشاطات الإعلام التي بادرت إليها جمعية "عنوان للعامل" والنقابات الفلسطينية في أريحا. احتجاج قصير: ليس دائما تكون العاملات الفلسطينيات على استعداد لأن يتوسط المقاول أو مدير العمل بينهن وبين المشغّل الإسرائيلي. في صباح يوم 5 تموز/ يوليو تلقت ممثلة جمعية "عنوان للعامل" تقريرا من مجموعة عاملات مصنع "عونج ممتكيم". وقررت النساء الثماني الاحتجاج على أجورهن التي تم تبييتها لمدة شهرين. وردا على ذلك، باقي العمال ومدير العمل طلبوا منهن مغادرة المصنع. العاملات المحبطات تشاورن مع ممثلة الجمعية وبعد ذلك توجهن إلى مدير المصنع وأعربن أمامه عن احتجاجهن من المعاملة المستهترة الموجهة إليهن. وأجاب المدير بأنه سيدفع الأجور وعدن هن إلى العمل. بصورة فعلية دفع المدير أجرة شهر واحد فقط وحتى اليوم لم يحصلن على أجرة عمل شهر. وقالت العاملات أنهن تلقين 10 شيقل مقابل ساعة العمل الواحدة، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور. كما أنهن لا يحصلن على قسائم راتب أو حقوق اجتماعية مرافقة. وبالمقابل فان الرجال يحصلون على أجورهم في الوقت المحدد. عاملات في مصنع "رويالايف" الموجود في المنطقة الصناعية بركان تصورن في فيلم وثائقي تصويرها ورفعت دعوى ضد الشركة. وفي أعقاب الدعوى فزن بالحصول على فروق الأجرة والحقوق الاجتماعية التي مُنِعنَ منها خلال فترة عملهن، ولكن في أعقاب التنظيم تم فصل النساء. قسم منهن واصلن العمل في السلطة الفلسطينية في مشاغل الخياطة التي تزود البضائع إلى إسرائيل، والأخريات طلبن المساعدة من النقابات المهنية من اجل إيجاد عمل في السلطة الفلسطينية. وانقطعت العلاقة بين العاملات وجمعية "عنوان للعامل" خشية من أن يضر الأمر بهن. بفضل زيادة الوعي، تكافح النساء الفلسطينيات العاملات في المستوطنات من أجل حقوقهن كما يكافحن الحواجز العسكرية المنصوبة ضدهن في أماكن العمل. هذا الإجراء حتى الآن في أوجه، ولكن يمكننا أن نرى تغييرا في حياتهم الاجتماعية. وعندما سئلت النساء إذا ما شعرت بالتغيير الذي طرأ عليهن اجبن بالسلب. وعندما فكرت في المستقبل ضحكت إيمان، وقالت: "أريد أن أتزوج من رجل غني حتى لا اضطر إلى العمل الصعب وكي استطيع من إيجاد الراحة!". |