|
تقرير حقوقي بعنوان التوازن بين حقوق الملكية والحق في الصحة
نشر بتاريخ: 03/11/2010 ( آخر تحديث: 03/11/2010 الساعة: 16:59 )
رام الله- معا- أصدرت مؤخراً الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، تقريراً قانونياً يحمل عنوان (التوازن بين حقوق الملكية الفكرية والحق في الصحة).
ويعالج التقرير الذي أعده الباحث القانوني المحامي معن ادعيس ثلاثة محاور، فقد تناول المحور الأول مبررات تحقيق التوازن بين حق الدول النامية في الصحة وحقوق الملكية الفكرية، ومن هذه المبررات اعتماد الدول المتقدمة في الابتكارات والمكتشفات الدوائية التي ترعاها وتحميها وتستأثر بنتائجها المالية على العقول المهاجرة من الدول النامية، واعتماد الدول المتقدمة في الابتكارات والمكتشفات الدوائية التي ترعاها وتحميها وتستأثر بنتائجها المالية على المواد الخام التي تأخذها من الدول النامية، وضعف الخبرات التقنية والإبداعية القادرة على إنتاج الدواء في الدول النامية. أما المحور الثاني فقد تناول الجهود الدولية المبذولة للحد من النزعة الاقتصادية المتغولة لحقوق الملكية الفكرية على الحق في الصحة، ولا سيما الجهود المبذولة من المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو)، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الصحة العالمية. فيما عالج المحور الثالث مسألة استفادة الدول النامية من الاستثناءات والإعفاءات التي تضمنتها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (التربس) وتحديدا في مجال الحق في الصحة. وتناول التقرير مسألة حجم الإنفاق على البحث العلمي والموازنات التي تخصصها الدول الغنية والدول الفقيرة في هذا المجال، مبيناً أن السبب الرئيسي لوضع اتفاقيات الملكية الفكرية يعود إلى التكلفة المالية العالية للبحث العلمي، حيث ترى الدول المتقدمة أنها تنفق على البحث العلمي أموالاً كثيرة جداً، أكثر بكثير مما تنفقه الدول النامية، بل إن حجم اهتمام الدول النامية وإنفاقها على البحث العلمي محدود جداً. ورغم ذلك، تجد الدول المتقدمة أن الدول النامية تستفيد وتستغل نتائج هذه الأبحاث دون أن تُعوض أو تدفع ثمن هذه المعارف للجهات التي طوّرتها. هذا الأمر دفع بالدول المتقدمة إلى وضع اتفاقيات الملكية الفكرية بغرض وضع الحماية القانونية التي تكفل لها الاستفادة من نتائج أبحاثها، واسترجاع ما أنفقته عليها، وحظر استغلال نتائج هذه الأبحاث ممن لم يقوموا بدفع ثمن هذا الاستغلال. غير أن هذا الأمر ظل يثير التساؤل حول عدة جوانب منها، هل ما ستدفعه الدول النامية نتيجة إلزامها باتفاقيات الملكية الفكرية مساوٍ للاستفادة المرجوة من هذه الاتفاقيات، أم أن هذه الاتفاقيات سوف تظل صنيعة الدول المتقدمة، وهي المستفيد الأساسي منها؟ وكذلك كيف يمكن خلق نوع من التوازن بين حقوق المبتكرين في حماية مبتكراتهم وحق الناس في الاستفادة من نتاج هؤلاء المبتكرين باعتبار إن هذه المبتكرات ليست حقا خالصا للمبتكرين وإنما هناك ما يبرر أن يستفيد من هذه المبتكرات الناس الذين لا يساهموا في إنتاج هذا المبتكر بصورة مباشرة. وفي إطار موضوع الحق في الصحة وحقوق الملكية الفكرية على وجه التحديد، تعد الصناعات الدوائية من أهم الصناعات الحيوية في العالم لارتباطها بصحة الإنسان. ومن أهم ما يميز الصناعات الدوائية أنها تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة لاعتمادها على البحث والتطوير المستمر، وهذا ما يفسر خضوع صناعة الأدوية لسيطرة شركات كبرى ومحدودة، تمتلك تقنيات عالية وأموال ضخمة لا تتوافر لدى الدول النامية. إضافة إلى سعي هذه الشركات بصفة مستمرة إلى تعزيز حماية ابتكاراتها واختراعاتها الدوائية عن طريق استمرارها في المطالبة برفع مستويات حماية حقوق الملكية الفكرية، وذلك من اجل إحكام سيطرتها على الأسواق العالمية للمنتجات الدوائية وتحقيق مزيد من الأرباح، دون الأخذ في الاعتبار ظروف وأوضاع وحقوق الإنسان في الدول النامية، وما تُبتلى به من أوبئة. وأفرد التقرير جانباً للتحديات التي تواجه الدول النامية ومن بينها السلطة الوطنية، من أجل الحد من الآثار السلبية الواقعة عليها نتيجة انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، مع ما يفرضه هذا الأمر عليها من الخضوع للاتفاقيات المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية، ومن هذه التحديات، أن الدول النامية مطالبة بتكريس جهود عميقة ومتواصلة من اجل استثمار كل الاستثناءات التي جاءت بها اتفاقية التربس في مجال حقوق الملكية الفكرية بما يخدم الحق في الصحة، ويحد من الآثار السلبية الناجمة عن انضمامها لهذه الاتفاقيات، ولا سيما ضرورة وضع وتطوير الأنظمة القانونية المتعلقة بـنظام الاستخدام الحكومي غير التجاري للأدوية، ونظام الترخيص الإجباري لصناعة، ونظام الاستيراد الموازي، واستثناء بولار المتعلق بالإنتاج المسبق للأدوية قبيل انتهاء مدة الحماية التي تمنحها براءة الاختراع. إن الدول النامية مطالبة أيضا بالعمل الجاد من اجل وضع ملحق لاتفاقية التربس واتفاقيات حقوق الملكية الفكرية الأخرى يتم بموجبه الموازنة في العوائد المتأتية عن الصناعات الدوائية المختلفة التي تحصل عليها الدول النامية والعوائد التي تحصل عليها الدول المتقدمة التي أنتجت هذه الصناعات، وذلك نتيجة لمساهمة الدول النامية في إنتاج هذه الصناعات، من خلال: تقديمها للمواد الأولية التي استخدمت في إنتاج هذه الصناعة، ومن خلال تحملها لنفقات إنتاج العقول البشرية المهاجرة التي أنتجت هذه الصناعات، في سنوات حياتها الأولى. واشار الى أن هناك تحدياً آخر يتمثل في أن الدول النامية مطالبة بالعمل الجاد على مراجعة الاتفاقيات الدولية للملكية الفكرية بما يسمح لها بمزيد من الاستثناءات في مجال صناعة الأدوية، وبالقدر الذي يتلاءم مع وضعها كدول نامية أو اقل نموا. وكذلك من أجل البحث في وضع آليات مناسبة لضمان تقاسم الفوائد التجارية من المعارف التقليدية بعدالة مع المجتمعات التي اكتشفت تلك الموارد واستعمالاتها الطبية (الطب التقليدي). إن الدول النامية مطالبة بالتأني لدى إبرامها لاتفاقيات تجارية ثنائية مع الدول المتقدمة، وأن لا تفرض على نفسها بموجب هذه الاتفاقيات، التزامات لم تُفرض عليها بالأساس في اتفاقيات الملكية الفكرية الأساسية، كاتفاقية التربس، ولا سيما الالتزامات التي قد تحد من استفادتها من الاستثناءات والإعفاءات التي تسمح للدول النامية بتوفير الأدوية والمستحضرات الصيدلانية. إن الدول النامية مطالبة بوضع سياسات وإستراتيجيات عمل شاملة خاصة بموضوعات الملكية الفكرية، تضمن وضع موضوع الملكية الفكرية على أجندة عملها الأساسية، والعمل على إنشاء المؤسسات المتخصصة في مجال الملكية الفكرية على كافة المستويات الوطنية والإقليمية أو تشجيع إنشائها. وكذلك التأكد من أن أنظمتها الخاصة بحماية الملكية الفكرية لا تتناقض مع سياساتها المتعلقة بالصحة العامة. إن منظمة التجارة العالمية مطالبة بأن ترعى سياسات الدول المختلفة المتعلقة بالملكية الفكرية، بحيث تمكن هذه السياسات من وضع آليات مختلفة تتيح المجال لتخفيض أسعار العقاقير في الدول النامية مع الاحتفاظ بها عالية في الدول المتقدمة، وأن يمنع أي نظام قانوني يتم تبنيه لتسعير الأدوية من تسرب الأنواع رخيصة السعر من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. وفي الوقت ذاته، فأن الدول النامية مطالبة بأن تعدل تشريعاتها بحيث تسهل من إجراءات استيراد الأدوية المسجلة ببراءة اختراع، إذا كان يمكنها أن تحصل عليها بسعر أرخص من دولة أخرى. إن استئثار الدول المتقدمة بالفوائد الحمائية الكبيرة التي توفرها اتفاقيات الملكية الفكرية، وسيطرتها وتحكمها في صناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية المختلفة، يفرض على الدول النامية: بذل جهود كبيرة في إطار دعم أوضاع البحث العلمي في كافة المؤسسات الصحية العلمية لديها، ورفع حجم موازنة الأبحاث المخصصة لصناعة الأدوية، ووضع نظم إدارية وحوافز مالية مشجعة للعقول البشرية الوطنية من أجل الحد من هجرتها، ومن اجل استقطاب الكفاءات الموجودة لدى الدول المتقدمة في مجال الصناعات الدوائية المختلفة، إبرام اتفاقات شراكة مع الجهات المختلفة، كشركات الأدوية الخاصة والجامعات، التي تقوم بإجراء الأبحاث والاختبارات على النباتات والمعارف الطبية التقليدية، بحيث تتقاسم مع هذه الجهات ما قد ينتج عن هذه الاختبارات من منافع مالية، والدخول إلى كافة المنتديات واللجان الدولية والإقليمية المختلفة التي تعنى بموضوعات التنمية والملكية الفكرية وموضوعات حقوق الإنسان والملكية الفكرية، وذلك بهدف التأثير في السياسات العالمية لحقوق الملكية الفكرية، وتحويرها بحيث تخدم السياسات الوطنية الصحية لهذه الدول. ويتمثل التحدي الأخير في إن الدول النامية مطالبة ببذل كافة الإجراءات اللازمة للتثقيف بفاعلية الأدوية الجنيسة التي تقوم بإنتاجها كبديل عن الأدوية ذات الأسماء التجارية المعروفة، باعتبارها أحد أهم الوسائل التي تمكن هذه الدول من التغلب على الالتزامات التي تفرضها عليها اتفاقيات الملكية الفكرية، وتمكنها من إنتاج دواء فعال، وبأسعار مناسبة. وفي الختام، وبما أن الانضمام لمنظمة التجارة العالمية والالتزام باتفاقيات الملكية الفكرية أصبح من المسلم به على المستوى الفلسطيني، فإن هذا الأمر يفرض تحديا كبيرا على السلطة الوطنية الفلسطينية ويلزمها بضرورة الاستعداد الجيد للإقدام على هذه الخطوة، مع ما يتطلبه ذلك من توفير كوادر فنية وقانونية مؤهلة في مجالات الملكية الفكرية، تدرس هذه الخطوة بعناية فائقة، وتعمل على تضمين التشريعات الوطنية لكافة الاستثناءات التي نصت عليها اتفاقية التربس قبل التوقيع عليها. |