وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأسير سفيان جمجوم.. سجون وقيود وظلم ما بعده ظلم

نشر بتاريخ: 24/11/2010 ( آخر تحديث: 24/11/2010 الساعة: 12:58 )
أن يحاصرك الظلم من كل مكان وتلاحقك قيود السجن وألسنة العباد وتوجه لك التهم جزافاً، أمر يصعب على الحر تحمله، فالشعور بالظلم يقبض القلب ويقتل النفس ويدمي العين، ومع كل هذا وذاك تواجه قدرك بابتسامة وتغمض عينيك لتسامح وتصفح عن كل من أساء لك لعمري إنه لخلق عظيم يدل على نفس متألقة وروح عالية.

هو صاحب ابتسامة وادعة، وقلب طيب وعيون لا ترى إلا كل ما هو جميل ، أعطى دون أن ينتظر أي مقابل يجد نفسه في خدمته للآخرين قدم الكثير ودفع مقابل ذلك عقدين من عمره في السجون فما لانت له عزيمة وما فترت له همة وبقي هو ذاته سفيان جمجوم صاحب الابتسامة المميزة والظل الخفيف يسخر ممن يعاديه ويمضي في طريقة متحدياً الصعاب.

هابيل هذه المرحلة ، نعم اسم اختاره الفارس الأسير سفيان وكان يريد من هذا الاسم أن يتحول لعنوان يدل على الصفح والمسامحة فمن منّا لا يعرف هابيل الذي قتله أخوه قابيل فحارب من أجل فكرته ودفع ثمناً لذلك الكثير الكثير فاتهم وشكك بنزاهة مسعاه وتحمل الأذى الشديد وبقيت ابتسامته تغيظ كل من قذفه بلسانه وشكك في مساعيه .

الإخلاص لأفكاره أكثر ما يميز الأسير والصديق سفيان فإذا ما اقتنع بفكرة ما فإنه مستعد أن يدافع عنها باستماتة كما أنه نصير لكل مظلوم وحاقد على كل ظالم يقف بوجه من يشعر أنه ظلم كبر أم صغر ويوجهه بكل قوة وجرأه ويقول هذا ما علمني إياه عماد عقل لما كان في ضيافتي في الخليل قبل استشهاده.

لم يكن عمره قد تجاوز السابعة عشر عاماً عند اعتقاله ، وهي ذات المدة التي حكمتها إسرائيل على الفارس سفيان جمجموم وكانت تهمته حينها إنشاء أول مجموعة عسكرية والتدريب على يد القائد الشهيد عماد عقل وإيوائه وتنفيذ عمليات بطولية ضد الاحتلال وقطعان مستوطنيه .

مكث أشهراً طويلة في أقبية التحقيق وكان في كل يوم يزداد مضاءً وقوة وبطولة ويزداد أعداؤه ضعفاً وانكساراً انتقل إلى السجون وهناك التف من حوله المعتقلون الذين تعجبوا من عمر هذا الشاب ومن حماسه فأتقن اللغة العبرية وخاض الإضرابات الطوال واستطاع أن ينتزع من بين أنياب المحتل حقوق إخوانه الأسرى.

خرج من سجنه بروح عالية وهمة كبيرة ونفس وضاءة فارتبط بإحدى الصابرات وسعى لتشكيل بيت طيب وشق طريقه ليبني لنفسه مستقبلاً جديداً ولكن جيش الاحتلال لم ينس سفيان الذي يعرفه حق المعرفة ويعرف صلابته وانتماءه فقام باعتقاله ومكث في الاعتقال الإداري مدة عامين كاملين رزق خلالها بابنته الوحيدة وتوفى أيضاً والده الذي أعياه بعده عن سفيان.

خرج سفيان من أسره وكأنه أسد هصور همته أعلى من السابق ومعنوياته مرتفعة وعاد ليمارس أعماله المعتادة يبث الروح في الحاضرين يذهب لزيارة كل من يخرج من السجن ويستغل علاقاته للعب دور الوسيط بين الإخوة المنقسمين يسعى لخدمة هذا وذاك من ماله الخاص وعلى حساب أسرته وأمنه متحملاً بذلك ظلم ذوي القربى ومستسهلاً كل الصعاب التي توضع أمام ناظريه .

لم يمضِ سوى عامان على الإفراج الثاني عن سفيان ليعاد ويعتقل مرة ثالثة من قبل جيش الاحتلال ويتم على الفور تحويله للاعتقال الإداري لا تهمة توجه لديه إلا أنه يحب فلسطينويسعى إلى إنشاء هابيل ويدعو أن يسامح الأخ أخاه وأن لا كيان لنا إلا بإنهاء الانقسام ونبذ الفرقة وعودة الوئام الأمر الذي لم يرق للاحتلال فقرر إعادة سجن الأسير سفيان .

سفيان جمجوم تاريخ متنقل وذاكرة مليئة بالأحداث واجهها جميعها بذات الابتسامة التي ما فارقت محياه في يوم من الأيام ، يستسخف بالقيود ولا يبالي بالقيل والقال والإشاعات المغرضة والتهم التي توزع جزافاً وينتظر الغد لعله يكون أفضل من الماضي ويمضى في انتظار النصر.

سفيان الذي حارب المحتل بالرصاص والسلاح مذ كان طفلاً لم تنمُ لحيته هو ذاته سفيان بعد أكثر من عشرين عاماً من الأسر والسجن يقاتل ويحارب بفكره وعقله بصبره وثباته بحبه لبلده وحرصه عليها فلا تفترنّ يا سفيان ولا تلين وامضِ في طريقك فالله وحده يعلم بالسرائر وهو من أعلى ذكرك ورفع قدرك وهو من سيفرج كربك وإلى أن نلقاك خارج سجنك لك من أحبابك ورفاقك كل الحب والتقدير والاحترام .

لـِنكُنْ آروَاحْ رَاقِـيَـة
نَتسـامْى عَنْ سَفـاسِفَ الأمُـورْ وَعـَنْ كُـلْ مَـايَخِدشُ نـَقائِنـا
نًحترِمْ ذآتنـَا وَنـَحتـِرمْ الغَـيْر .. عِنـدَمـْا نتـَحدثْ نتحَـدثْ بِعُمـْق
نـَطلبْ بـأدبْ .. وَنشُكر بـِذوَقْ .. وَنـَعتذِرْ بِـصدقْ
نتـَرفـْع عَـن التفَاهـَاتـْ والقِيـلَ والقـَالْ .. نُحِبْ بـِصَمتْ وَنغَضبْ بـِصَمتْ
وإنْ آردنـَا الـَرحِيلْ ..

نَرحـَلْ بـِصَمتْ

* مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان
http://www.ahrar-pal.info/ar/