وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

وثيقة عثمانية تظهر اسلامية ووقفية المسجد الاقصى وباحاته ومحيطه

نشر بتاريخ: 24/11/2010 ( آخر تحديث: 24/11/2010 الساعة: 20:35 )
بيت لحم- معا- يحظي نظام الوقف في الإسلام بالاهتمام الواسع بداية عصر الرسول صلى الله عليه وسلام حتى العهد العثماني، حيث تطورت خلالها مؤسسة الوقف عدداً وحجماً، فقد تهافت الأمراء والسلاطين إلى حبس العقارات والعمائر على مؤسسات دينية وخيرية، والغاية من وراء ذلك، أهداف عدة منها: التقرب إلى الله بعمل الخير، وضمان استمرار عمارة المؤسسات الموقوفة عليها كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.

يلحظ هنا أن مؤسسة الوقف هي عبارة عن هيئة رسمية في الدولة الإسلامية لها نشاطها الخاص الذي امتازت به عبر التاريخ الإسلامي الطويل، وكانت تتمتع بمصداقية واستقلالية عن المؤسسات الأخرى، إلى جانب الاحترام والتقدير لها وللقائمين عليها، لذا كان ناظر الوقف بدرجة رفيعة، ما جعل الحكام يحرصون على أن يكون من أهل الصلاح والتقوى.

كما تعتبر أملاك الوقف ملكية شرعية لا يمكن التطاول عليها أو انتزاعها أو حتى تجريدها من صفتها؛ لأن الصفة القانونية والشرعية التي أخذتها تبقى هي الأساس في التعامل معها. فربما نجد في بعض الوقفيات ما يُعد حجة قوية وبرهاناَ أكيداً على مصداقية التملك الشرعي، فهي باقية لا يمكن تجاهلها أو المرور عنها دون انتباه، ومثال ذلك: قضية حائط البراق التي أثيرت بعد ثورة البراق، وقت أن جاءت اللجنة الدولية المكلفة في التحقيق في مشروعية ملكيته والسيطرة عليه.

لقد دفعني إلى كتابة المقالة هذه عندما بدأت اسرائيل- في الآونة الأخيرة السير في استكمال مشروع تهويد بمحيط الأقصى الشريف في جهتة الجنوبية الغربية، وإن هذه الإجراءات لها دلالات دينية وتاريخية لا يستهان بها على المدى البعيد، وهي خطوة تتبعها خطوات تؤدي إلى أوضاع لا يحمد عقباها، كما ينبغي التذكير في هذا المجال أن موضوع إزالة المعالم المحيطة في الحرم القدسي هي خطر استراتيجي وديمغرافي على المدينة كلها، لأنها بحرمها وأحيائها وشوارعها وبواباتها وأزقتها ومدارسها وحدة واحدة ذات طابع شرقي إسلامي، فاستهداف معلم من معالمها يمثل استهدافا للمدينة ككل، بما فيها المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

وفي ظل هذا الاستهداف المبرمج، بدأت البحث والتحري عبر الوثائق الآرشيفية بهدف التعرف إلى حجج الوقفيات التي تقع في القدس الشريف، وبعد جهدٍ متواصل استطعت أن أقِف على وثيقة وقف رسمية مؤرخة تعود إلى أواسط العصر العثماني 1086هـ/1674م، وبعد دراستها بشكلٍ دقيق تمكنت من تحديد موقع العقارات والحواكير الواردة في الوقفية، وهي المنطقة المحاذية للمسجد الأقصى من الجهة الجنوبية الغربية، أي أنها المنطقة التي تستهدفها اسرائيل بإجراءاتها الرامية إلى تهويدها، ولتوضيح ذلك يمكن لي أن اذكر جزء من نص الوقفية المذكورة": "وقف وحبس وحرم وسبل أمير غزة موسى باشا، جميع الدار القائمة البناء بالقدس الشريف الراكبة على الإصطبلين والقبو الكبير الملاصق للمسجد الأقصى ناحية القبلة المشتملة على علوي وسفلي، السفلي يشتمل على دهليز يمتد جهة القبلة، وفيه باب الدار الكبير الكائن بداخل المسجد الأقصى بالقرب من المنبر، يتوصل من الدهليز إلى بيت كبير وتحته بيت صغير يعرف بالمغارة وبداخله أيضاً بيت صغير، وعلى بيت كبير قبلي باتجاه باب غربي يتوصل منه بسلم حجري إلى الحاكورة الآتي ذكرها، وبه باب قبلي يتوصل إلى ساحة سماوية وعلى بابها إيوان لطيف قبلي، وبها باب شرقي يتوصل منه إلى طبقة لطيفة بها طاقتان شرقيتان مطلتان على سور المدينة، وبها باب غربي يتوصل منه إلى بيت سفلي مستطيل به طاقتان قبلية وغربية.....وجميع الحاكورة الواقعة بين سور المسجد الأقصى وسور مدينة القدس الشريف وشرقاً من باب حارة المغاربة، المعروفة بمحلها بحاكورة الختنية، المحدودة قبلة سور مدينة القدس وشرقاً بسور المدينة أيضاً وتمام القبو الكبير والاصطبلين، وشمالً بسور المسجد الأقصى، وغرباً عدة حواكير للمغاربة وقفاً صحيحاً شرعياً، وحبساً صحيحاً لا ينتهي اسمه أبداً ولا يندرس رسمه على طول المدى، أوقفه هذا على نفسه مدى حياته، ثم من بعده على أولاده من بعده، وأحفاده ونسله وإذا انقرضوا، يعود وقفاً على بيت الله الحرام والحجرة النبوية والمسجد الأقصى الشريف، وإذا تعذر ذلك فعلى الفقراء والمساكين من القاطنين بالقدس الشريف".

يستفاد من متن هذه الوثيقة وبما لا يدع مجالا للشك أن المنطقة المذكورة وقفاً صحيحاً، من هنا يتوجب علينا جميعاً أن نتعاون على توظيف هذه الوثيقة بالشكل الصحيح قانونياً وإعلامياً؛ لحماية الوقف باعتباره موروثا حضاريا وثقافيا لا ينبغي تهميشه أن المساس به للنيل من بصماته ذات الطابع العربي الإسلامي.

إعداد: الدكتور إبراهيم ربايعه باحث في المصادر الآرشيفية.