وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

تقرير اقليمي لتحليل وضعية العنف على اساس النوع الاجتماعي

نشر بتاريخ: 08/12/2010 ( آخر تحديث: 08/12/2010 الساعة: 23:48 )
رام الله -معا- صدر عن برنامج "تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في المنطقة الأورومتوسطية" ثمانية تقارير وطنية وتقرير إقليمي تبحث في الحقوق الإنسانية للمرأة والمساواة بين الجنسين في منطقة جنوب المتوسط (الأراضي الفلسطينية المحتلّة والأردن وإسرائيل وتونس والجزائر وسوريا ولبنان والمغرب).

ومن نتائج التقارير الأساسية استمرار العنف القائم أساس النوع الاجتماعي وتفاقمه في كل البلدان التي شملتها التقارير. وهذه مشكلة معترف بها على الصعيد الدولي والإقليمي والوطني، كما يظهر ذلك من خلال توصيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة حول العنف الموجه ضد المرأة (1992) وإعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة (1993) وقرار البرلمان الأوروبي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة (2009). وبالتالي، يستقطب موضوع العنف على أساس النوع الاجتماعي اهتمامًا متزايدًا من السلطات والمجتمع، وقد وضعت أكثرية الدول في المنطقة استراتيجيات وطنية لمكافحته ومنها الأراضي الفلسطينية المحتلّة والأردن وإسرائيل وتونس والجزائر وسوريا ولبنان.

ولكن الجهود لا تزال غير كافية، وثمّة حاجة إلى مزيد من الاستثمارات والتدخلات لمكافحة العنف على أساس النوع الاجتماعي بفاعلية. وبينت التقارير المنجزة في إطار برنامج "تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في المنطقة الأورومتوسطية" تعدّد أنواع العنف الممارس ضد المرأة. وينتشر العنف الأسري وجرائم الشرف والتحرّش الجنسي والاتجار بالمرأة والعنف نتيجة النزاعات الأهلية والاحتلال والهجرة على نطاق واسع في الدول التي شملتها التقارير. وتتنوّع أشكال العنف أيضًا، فثّمة عنف لفظي وعنف نفسي إلى جانب الاعتداء الجسدي والاغتصاب والعنف الجنسي وختان الإناث. وقد يمارس العنف ضد المرأة في الشارع أو في المنزل أو في العمل أو في السجن أو في مخيمات اللاجئين. ويعتبر العنف على أساس النوع الاجتماعي انعكاسا واضحًا على اختلال توازن السلطة بين الرجل والمرأة ما يجعل المرأة أكثر عرضة للاستغلال، لاسيما النساء اللواتي ينتمين إلى أي مجموعة من الأقليات.

وفي كثير من البلدان، ما زالت قوانين الأحوال الشخصية تنظر إلى المرأة كملكية للذكر، رب الأسرة المعيل، وتعطي القوانين الجزائية أحقية للرجال بالتمتع بظروف التخفيف خاصة في الحالات التي يشتبه فيها أن المرأة قد ألحقت العار بشرف العائلة وعصت زوجها أو أقاربها من الذكور. بالإضافة إلى ذلك، يجري التمييز ضد المرأة عندما تسعى إلى الحصول على تعويض عن ضرر بالوسائل القانونية لأنها تعتبر قاصرة قانونيًا ولا تزال بحاجة إلى كفالة الرجل وحمايته. وبشكل عام، فإن المجتمعات وإن أصبحت أقل تسامحًا مع العنف ضد المرأة إلا أنها تظلّ متسامحة بشكل كبير إزاء هذا الموضوع الذي غالبًا ما يعتبر شأنًا خاصًا.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن تسليط الضوء على سلسلة من الجهود المبذولة لمكافحة العنف ضد المرأة، فقد أنشئت في عدد من البلدان مآوي مؤقتة للضحايا بالإضافة إلى مراكز دعم نفسي وطبي وقانوني. ومن بين الاستراتيجيات المستخدمة للتوعية وكسر حاجز الصمت والمحرّمات بشأن هذا الموضوع، يجري تنظيم حملات وطنية ضد العنف وحملات إعلامية موسّعة. ولكن الاستقصاءات تظهر أن الرجال والنساء على حد سواء، ما زالوا يعتبرون العنف أمرًا مقبولاً كردّ على عصيان مزعوم أو عدم قيام الأم بواجباتها أو رفض المرأة المجامعة. وكثيرة هي حالات الاغتصاب الزوجي، غير أنه لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الاعتقاد التقليدي أن المرأة ما زالت ملكية للرجل.

وقد نجد في الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل وفي بلدان أخرى حالات قصوى من العنف الأسري، مثل جرائم الشرف، حين تقتل المرأة على يد قريب لها إذا ما اشتبه أنها شوّهت سمعة العائلة. وتزداد هذه الحالات في بعض المناطق، كما تذكر التقارير، على الرغم من صعوبة جمع البيانات، إذ أن أكثرية الجرائم لا يصرّح عنها ولا يعاقب مرتكبوها. ويصعب تقدير عدد الجرائم ويعود ذلك بشكل أساسي إلى أن الوفيات تعلن على أنها عمليات انتحار أو نتيجة حادث. ويعد تنامي التشدّد الديني، كما ورد في التقرير عن قطاع غزّة، من عوامل الخطر الكبيرة التي تنم عن تراجع في حقوق المرأة.

أما في دول أخرى، مثل سوريا وإسرائيل، فيعتبر الاتجار بالمرأة والبغاء من التحديات الأبرز التي تواجه الحقوق الإنسانية للمرأة، وقد يكون مردّ ذلك لعوامل جغرافية. ولمحاربة الاتجار، تبذل بعض الدول كإسرائيل، جهودًا متزايدة لإعادة تأهيل النساء اللواتي يعملن في البغاء ومعالجتهن ولتأمين الخدمات القانونية المجانية لضحايا الاتجار.

وثمّة أماكن أخرى كمحيط العمل، لا تخلو من العنف. فمع ارتفاع عدد النساء اللواتي يدخلن سوق العمل، يزداد عدد حالات التحرّش الجنسي والعنف في محيط العمل وينبغي اتخاذ تدابير للتصدي لهذه الظاهرة. فعلى سبيل المثال، أدخلت عقوبات في الأردن لأصحاب العمل الذي يسمحون بالعنف ضد المرأة أو يمارسونه في مكان العمل.

ويعتبر العنف ضد المرأة نتيجة النزاع المدني والهجرة مسألة يصعب التصدي لها في بلدان مثل الجزائر وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلّة ولبنان. ففي الأراضي الفلسطينية المحتلة على سبيل المثال، تواجه النساء على الدوام خطر التوقيف العشوائي والتحرّش عند نقاط التفتيش بالإضافة إلى الاعتداءات اللفظية. أما في لبنان، فلقد اتخذت تدابير لحماية النساء والوقاية من العنف ضد المرأة في إطار قرارات مجلس الأمن المتعلّقة بالمرأة والنزاعات.

ويبقى العنف على أساس النوع الاجتماعي مسألة معقّدة، ومن الضروري الاعتراف بها بشكل صريح وفهمها جيدًا. فهو ما زال يعتبر من المحرّمات ويتكتّم عنه في أكثر الأحيان بالإضافة إلى ندرة البيانات الرسمية المتعلّقة به وبنطاق انتشاره ومداه وهو ما يحدّ من عملية وضع السياسات المناسبة واعتماد التدابير الملائمة. ومن أجل دعم الجهود الحالية في هذا الصدد، يدعم برنامج "تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في المنطقة الأورومتوسطية" تطوير مقاربة منهجية إقليمية لإجراء مسوحات بشأن العنف المرتكب على أساس النوع الاجتماعي يمكن اعتمادها في المنطقة. فلقد أظهرت الدراسات الأثر المدّمر للعنف الذي يمارس ضد المرأة على حياة النساء وعلى المجتمع بأسره، بما في ذلك كلفة هذا العنف على التنمية الاقتصادية والبشرية. وتشكل زيادة المعرفة وتوافر البيانات وفهم مختلف أشكال العنف المرتكب على أساس النوع الاجتماعي والتدابير اللازمة لمكافحته خطوة أولى فحسب، إذ ينبغي أن تشمل أي استجابة يتعدد فيها أصحاب المصلحة وتجمع بين القطاعات، إصلاحات قانونية تجرّم العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي بالإضافة إلى اتخّاذ تدابير لوقاية الضحايا وحمايتهن وتدريب المهنيين في القطاع الصحي وقوات الشرطة والقيام بحملات توعية وتجميع بيانات إلى جانب أمور أخرى.

وفي أكثرية البلدان، حملت المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني حربة مكافحة العنف المرتكب على أساس النوع الاجتماعي، فكانت رائدة وناشطة في زيادة الوعي وكسر حاجز الصمت وتنظيم الحملات وإنشاء المآوي والخطوط الساخنة والخدمات الاستشارية والقانونية. وبناء على هذه الجهود، بدأت الحكومات بالاهتمام أكثر فأكثر بهذه الظاهرة، غير أنه ما زال ثمة الكثير لتنفيذ الالتزامات الدولية بشأن حق المرأة في حياة خالية من العنف.