وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هناك من لا يرغب بسقوط المطر في قطاع غزة!

نشر بتاريخ: 13/12/2010 ( آخر تحديث: 14/12/2010 الساعة: 10:36 )
غزة- خاص معا- تجمّدت، ولعنت، كانت تضحك وفاجأها ما رأت، لقد شاهدت صور وبوسترات ابنها الشهيد غارقة بالمطر، قالت: "هذا آخر شيء احتمله، ليغرق كل ما في الخيمة إلا صورة إبراهيم، التقطتها من الأرض- أرض الخيمة- ووقفت أمامها لا تصدق".

وفاء أبو مصطفى- عواجة تعيش في خيمة شمال قطاع غزة وهي من نساء قليلات كحالها لا تتمنى سقوط المطر اليوم أو غداً أو إلى حين يغادر أطفالهم خيام الإيواء الممزقة بفعل الهواء والعاصفة الرملية والمخترقة حتى النخاع بمياه المطر القليل الذي تساقط على قطاع غزة فجر وصباح اليوم الثلاثاء.

في أحد جوانب الخيمة كانت ليالي- 11 شهراً فقط- نائمة كما في لو أنها تنعم بأجمل لحظاتها، حاولت أمها أن تغطي كافة جوانب الخيمة لتمنع المياه والهواء العاصف من التسلل لمخدعها، هو ذاته المطر الذي تسلل إلى مخدع بناتها الأربع وأبنائها الذكور الثلاثة، هربوا فجر اليوم إلى زاوية أعدها والدهم كمطبخ هناك لم يفاجئهم المطر حتى ساعات الصبح، كما لو أنهم يعيشون عصرهم الذهبي، كان الشاي معداً على نار موقد صنع باليد فقد كان هذا الموقد أنبوبة غاز مهترئة قسمت إلى نصفين، ولكن الأسوأ كانت كتب تقرأ فيها السيدة وفاء تبللت جميعها وغرقت الأغطية التي خبأتها لهذا اليوم وحينها تمنت لو أن الشمس تعود لتسطع لأن الفراش بحاجة للتجفيف فلا غيره تمتلك هذه العائلة.

في المطبخ حاولت وفاء "أم صبحي" أن ترتب الأشياء في موضعها المناسب، افترشت الأرضية "بالريشت" قطعة كبيرة من النايلون المقوى، الكراسي كانت عبارة عن اوعية ملأها الأبناء بالرمل وهي فرشت فوقها قطعة من القماش قالت تفضلي اجلسي فأنا انتظر كنب من إيطاليا "بستنى يشحنوها لغزة" كانت تسخر من وضعها.

"تأخر الإعمار ولا نريد العودة لبيتنا الأول"، هذا ما يقوله أطفالها فالخوف يملأ كيانهم لأن بيتهم الذي كان يؤويهم هدمه الاحتلال فوق رؤوسهم وقتل شقيقهم إبراهيم أمام عيونهم وحاول قتلهم جميعاً إلا أن استنجادهم وصراخهم حال دون ذلك، هذا ما قالته السيدة وفاء عن آخر لحظات وجودها في منزل كان عبارة عن 185 متراً "ثلاث غرف واسعة وصالون كبير ومطبخ رائع وحمام".

تضيف:" كان لدي ثلاث ثلاجات وحاسوبين وطقم كنب وأسرّة لأطفالي وكان الضيوف يحتارون ماذا يجلبون لنا لأن كل شيء كان لدينا لم نكن في حاجة احد واليوم الجميع ينظر لنا كأننا نتوسلهم ونحتاجهم".

ما يرفضه أطفالها وهي وزوجها أن يعودوا للسكن في المناطق الشمالية المحاذية لمستوطنة دوغيت المخلاة، يرفضون أيضاً العيش في بيت طيني تقوم وكالة الغوص الأونروا ببنائه لهم، يريدون بيتا اسمنتياً وفي أي بقعة بالقطاع باستثناء ذاك المكان الذي قتل فيه ابنهم وهدم فيه منزلهم وكاد أن يباد جميع أفراد عائلتهم حين وجه جنيدي اسرائيلي النيران نحوهم وهم مصابون واطلق رصاصة الموت على طفلهم ابراهيم- ثماني سنوات ونصف- ورصاصتين إلى صدر والدهم كمال عواجة الذي يعمل في جهاز التوجيه السياسي بالسلطة برتبة رائد.

حينها تظاهر الرجل بأنه استشهد فالتفت الجندي- الذي تحفظ وجهه ام حسني جيدا- وحاول اطلاق النار نحو باقي أطفالها وباتجاهها بعد ان أجهز برصاصة على ابنها ابراهيم- صرخت بكامل قوتها واستنجدت بالله فضحك ملء فيه وابتعد عنهم- في احد ايام الحرب على غزة.

منذ ذلك الوقت والعائلة تمكث في خيام الإيواء في شمال قطاع غزة وبالتحديد في منطقة يطلق عليها اسم السلاطين، ينتظرون إعادة الإعمار كما بعض العائلات التي نفدت اموال صرفت لإعاشتهم ولم تصرف حتى اللحظة لإعادة بناء منازلهم التي دمرتها آلة الحرب الاسرائيلية في حربها على غزة شتاء 2008-2009.