وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

وزارة الاسرى تسلط الضوء على مبعدي كنيسة المهد

نشر بتاريخ: 27/12/2010 ( آخر تحديث: 28/12/2010 الساعة: 13:35 )
بيت لحم- معا- سلطت وزارة شؤون الأسرى والمحررين الضوء على مبعدي كنيسة المهد الذين لا زالوا ينتظرون عودتهم إلى فلسطين وإلى عائلاتهم منذ 8 سنوات بعد أن أبعدو قسراً عن بلدهم عام 2002، بعد الحصار الإسرائيلي لكنيسة المهد.

وجاء في التقرير أن العالم احتفل وابتهل بأعياد الميلاد المجيدة وإضاءة شجرة الميلاد في ساحة مهد المسيح عليه السلام في مدينة بيت لحم، مهد المحبة والمسرّة والسلام، ولبست مدينة المهد أجمل حلتها وتزيّنت واستقبلت آلاف الحجيج من كل أرجاء المعمورة والذين قدموا لأداء الصلاة في هذا المكان الأقدس في التاريخ، ولكنها حرمت من استقبال أبنائها المبعدين المتعطشين للاحتفال معها ومشاركتها هذه الأيام المباركة.

مدينة بيت لحم رغم محاولاتها اجتراح الفرح وتجديد عهد الولادة مع الحياة، والنزول عن الصليب والسير في طريق الحرية والسلام، وتوزيع الهدايا من قبل بابا نويل على الأطفال الصغار، لا زالت جروحها مفتوحة وبهجتها منقوصة وصلاتها حزينة، وهي تتذكر تلك الأيام الدامية من الحصار المرعب لبيت الله، وقتل وإبعاد الذين حوصروا في كنيستها والتجأوا إلى مذودها هرباً من المجنزرات الإسرائيلية وسياسة القتل الجماعي التي نفذها الجيش الإسرائيلي في المدينة وكافة مدن وبلدات فلسطين.

حصار الكنيسة
بدت بيت لحم في الساعات الأولى من فجر يوم الثلاثاء، الثاني من نيسان 2002، كشجرة وحيدة في صحراء، حيث بدأ توغّل الدبابات الإسرائيلية ومن كافة المحاور باتجاه المدينة وقد دعست وفجّرت كل شيء بجنازيرها وقنابلها، ودمرت مشروع بيت لحم 2000 التنموي، ليمتزج صوت الدبابات الثقيلة بصوت المروحيات والرصاص الذي فجّر المنازل والشوارع وزلزل الأرض بما فيها، وترك جثثاً في كل حارة وعلى كل سطح بيت.

وقد أطبق حصار الجيش الإسرائيلي على كنيسة المهد التي لجأ إليها ما يقارب 300 مواطن فلسطيني أغلبهم من المدنيين والجرحى، ليمتد هذا الحصار 40 يوماً تعتبر الأصعب والأقسى في تاريخ بيت لحم، والتي عاشت تحت حظر التجوّل، ورهينة للقناصة والطائرات وأفواه المجنزرات المنتشرة في كل الطرق والأزقّة.

لقد شهدت الكنيسة عدة محاولات عبر التاريخ لاقتحامها على يد الغزاة وإخراج المحميين فيها أو لتخريبها ونهبها، ليعيد التاريخ نفسه على يد جيش شارون الذي جعل من ساحة المهد معسكراً حربياً وساحة معركة وحاصر الكنيسة الوادعة، وحرم من التجأ إليها من الطعام والماء والكهرباء والهواء، ووجّه رصاصه إلى قبابها ورخامها وشموعها، واغتال الصفاء والمحبة في بهوها المقدّس.

اغتيال قارع الأجراس
في فجر الخميس 4 نيسان 2002، بدأت محاولات اقتحام الكنيسة بتفجير الباب الجنوبي للمجمع الكنسي الذي يصل كنيسة المهد بالطريق إلى مغارة الحليب، ليسقط أول شهيد داخل الكنيسة وهو سمير سليمان قارع الأجراس، ليتوالى بعد ذلك سقوط الشهداء والجرحى داخل كنيسة المهد.

كان أمراً مريباً ومدهشاً صمت المجتمع الدولي على ما يجري في الكنيسة، حيث لم يتدخّل لينتصر لروح السيد اليسوع رسول المحبة، واستغاثة المحاصرين وأهاليهم، ونداءات رجالات الدين والمجمع الكنسي، وعجز الصليب الأحمر الدولي عن القيام بأي دور لإنهاء فصول هذه المأساة أو التدخّل فيها.

لقد سقط 8 شهداء داخل الكنيسة، وأصيب 25 بجراح نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل القنّاصة الذين احتلوا كافة البنايات المحيطة بها، ومن خلال عدة محاولات لاقتحامها وفي وسط حملة إعلامية إسرائيلية كاذبة، حاولت أن تمزق الوحدة المسيحية الإسلامية وتفرّق بين أبناء الشعب الواحد وأهل مدينة بيت لحم الصامدين وتدمير نسيجهم الديني والوطني والاجتماعي.

وصفت "كارولان هاولي" مراسلة البي بي سي، ما حدث في الكنيسة بقولها أنه أمر سريالي ومروّع ويصلح مادةً لعمل قصص الخيال الغربية، فالأصوات تمزّق الآذان وكأننا في يوم قيامة.

المفاوضات وإبعاد المحاصرين
ستة جولات من المفاوضات قادها فريق فلسطيني محلّي بقيادة صلاح التعمري مع ضباط جيش الاحتلال الذين اتخذوا من مركز السلام في ساحة المهد مقراً عسكرياً لهم. وكانت مطالب الفريق الفلسطيني تتمثّل في إنهاء الحصار عن الكنيسة ووقف إطلاق النار عليها والسماح بإدخال الطعام والماء والأدوية للمحاصرين وإخراج جثامين الشهداء والجرحى.

الموقف الإسرائيلي ومنذ البدايات كان يطالب بتسليم عدد من المحاصرين الذي يعتبرهم مطلوبين بغية اعتقالهم أو إبعادهم إلى خارج الوطن، وهذا ما رفضه فريق لجنة التفاوض وبشكل حاسم، وخلال هذه الجولات من المفاوضات، استمر جيش الاحتلال بإطلاق النار على المحاصرين داخل الكنيسة، وتواصل سقوط الشهداء والجرحى مما أدى إلى استقالة فريق التفاوض الفلسطيني.

وفي ظل مذكرة تفاهم غامضة، جرت تفاصيلها بعيداً عن مكان الحدث في بيت لحم، تم الاتفاق على إبعاد 26 من المحاصرين إلى قطاع غزة و13 آخرين إلى دول أوروبية مختلفة، وقد أبرمت هذه المذكرة في ظل أجواء غير طبيعية عاشها الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حصار الرئيس الشهيد ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله، وتدمير مقرات السلطة الوطنية وارتكاب مذبحة مخيم جنين ونقل أحمد سعادات ورفاقه إلى سجن أريحا، وتواصل الاجتياحات والاعتقالات الجماعية في كافة أرجاء الوطن، وفي ظل عدم تدخّل جدّي من المجتمع الدولي لوقف هذه المأساة التي تجري في كنيسة المهد ومحيطها.

يوم أسود في تاريخ بيت لحم
في يوم الجمعة العاشر من أيار 2002، شاهد الرأي العام في جميع أنحاء العالم المحاصرين يخرجون من الكنيسة يحيط بهم جيش الاحتلال، ليتم اعتقالهم في وسط أجواء مرعبة واقتياد عدد منهم ليتم إبعاده إلى قطاع غزة وإلى خارج الوطن، وعدد آخر يتم اعتقاله دون السماح حتى لذويهم وأطفالهم بتوديعهم، وكانت لحظات ومشاهد مؤلمة وحزينة، دموع حارّة وساخنة نزفت من المآقي والعيون، كان كل شيءٍ يدعو للغضب والصدمة، حتى السماء بكت في ذلك اليوم وصمتت أجراس الكنيسة أمام قوافل المبعدين والمعتقلين وعلى أضرحة الشهداء في توابيتهم التي لم تجد من يودعها إلى مثواها الأخير.

وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة حول مذكرة التفاهم المتعلقة بإبعاد المحاصرين كسابقة قانونية خطيرة، وانتهاكاً لكل القوانين والشرائع الدولية، إلا أن بيت لحم برغم ما أصابها لم ترفع راية الاستسلام، قاومت حتى آخر جسد بقي معلقاً على الصليب، فلم تتحوّل إلى مدينة أشباح كما أراد ملوك إسرائيل، ها هي تضيء الشجرة من جديد وتمسح دمعها في انتظار فجرٍ ساطع يحل فيه السلام والاستقلال والمحبة على هذه الأرض المباركة والتي لن تكتمل مسرّتها إلا بعودة مبعديها سالمين إليها.

الشهيد المبعد عبدالله داوود
مرّت 8 سنوات على إبعاد المحاصرين، وفي كل سنة كان هناك من يعطيهم الأمل بالعودة، ولكن الإسرائيليون كانوا يقفون عقبة أمام ذلك، ليعيش المبعدون في خارج الوطن في ظروف قاسية للغاية يتكبّدون مشاق الحياة والغربة والحنين إلى عائلاتهم وأطفالهم، ويعاني المبعدون إلى قطاع غزة ظروفاً أقسى وأصعب وخاصةً في ظل الانقسام وتمزّق وحدة الصف الفلسطيني.

وكان لعودة المبعد عبدالله داوود من بلاد المنفى شهيداً محمولاً في تابوت، بمثابة ناقوس خطرٍ يدقّ على مصير المبعدين الذين لا يريدون أن يعودون إلى وطنهم جثثاً، وبمثابة صرخة إلى الجميع، السياسيين منهم والمفاوضين ومؤسسات حقوق الإنسان من أجل التحرك والعمل لإعادة المبعدين وإنهاء معاناتهم ومعاناة أهاليهم، وكسر هذا الصمت المريب الذي أصبح غطاءاً لممارسات الاحتلال وأعماله الإجرامية.

الشهيد عبدالله داوود، مدير المخابرات العامة في بيت لحم، كان أول الطالعين من حصار الكنيسة إلى حصار الحافلة الإسرائيلية، وعلى رقبته كوفيه فلسطينية تدلّت على صدره، وقد تقدّم عبدالله مرفوع الهامة وبين شفتيه سيجارة، كان يمشي ببطء وعلى يمينه الأب إبراهيم فلتس يرافقه من باب الكنيسة الصغير وحتى محطة التفتيش الإلكترونية التي وضعت على بلاط الكنيسة.

كان عبد الله مشتاقا لرؤية فضاء المدينة وأولئك الذين يعتلون أسطح البلدية والمنازل المجاورة من الأمهات والأخوات والمراسلين، يلوّحون بأيدهم له وفي أصواتهم حزن شديد، و كان ينظر خلفه إلى تمثال السيدة العذراء الواقع فوق الكنيسة وكأنه يودع الجميع لآخر مرة قبل إبعاده الى الشتات.

سقط عبد الله داود شهيدا في العاصمة الجزائرية بسبب مرض ألم به يوم 24/3/2010، وعاد الى مخيم بلاطة مسقط رأسه، ليشيع في جنازة جماهيرية مهيبة، عاد جسدا من رحلة المنفى، ولكن روحه لا زالت تدق وتدق مع أجراس الكنيسة ومع صوت زملائه المبعدين الواقفين على حدود العودة أحياءا يخشون أن يعودوا في جنازات.