وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأسير عبد الرحمن فتحي يعقد قرانه داخل سجن ريمون على ابنة أسير

نشر بتاريخ: 23/02/2011 ( آخر تحديث: 23/02/2011 الساعة: 12:06 )
نابلس- معا- لم نتعود يوماً ما أن نستمع حكاية جمع حبيبين نسجها السجن من رحم معاناة رجال قضوا أياماً معاً بنت جسر نسب وود ومحبة انتهت بفرحة عارمة وقعت في السجن قبل أمس, كان الموعد صباح يوم 19 فبراير في سجن ريمون بصحراء النقب وقت خروج الأسرى إلى الفورة.

اجتمع الحب وكان الشوق للقاء واحداً ولكن العروسين حالت الأسلاك بينهما, فالعريس لا يزال يقضي محكوميته, والعروس لاتزال في بيت والدها تنتظر يوم الحرية له, ورغم تلك القيود إلا أن العائلتين انتزعوا الفرحة التي انتهت بإعلان خطوبتهما داخل سجن ريمون.

مركز"أحرار" لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان رصد أجواء مراسم الخطوبة التي أعلنت في السجن, ونقلت أجواء الفرح التي حدثت في السطور التالية:

عقد قران داخل السجن

كانت أجواء جميلة تبسمت فيها الشفاه التي أراد السجان أن يحرمها الفرحة, ووزعت الحلوى على الجميع للتعبير عن البهجة, واشتد التصفيق الذي أغاظ السجان, لقد أعلنت خطوبة الأسير عبد الرحمن فتحي الخصيب من قرية قفين شمالي طولكرم المحكوم بالسجن تسع سنوات، على الآنسة مرام النتشة كريمة الأسير نعيم النتشة "أبو همام" من مدينة الخليل الذي يقضي حكما بالسجن لثلاثة مؤبدات.

"زوجتك ابنتي على مهر معجله كتاب الله –الذي يحفظه عبد الرحمن عن ظهر قلب- ومؤجله 3000آلاف دينار.."رد عليه عبد الرحمن "وأنا قبلت".......ومن ثم بدأت الهتافات وهلت الأفراح ودخلت مراسم السعادة لتضيء ظلمة السجن وتبدلت الأحزان بفرح شارك به الجميع.

تلك هي مراسم إعلان خطوبة الأسير الخصيب على كريمته زميله في الأسر الأسير النتشة وهما داخل السجن, كانت مختلفة تماماً عن تلك المراسم العادية, فهنا امتزجت الفرحة مع مرارة السجن وقسوة الحكم المفروض على والد العروس.

لقد كانت لهذه المراسم رسالة للسجان أنهم يصرون على الحياة والابتهاج رغم مرارة السجن وظلمته, ليقوم بعدها والد العريس الأسير فتحي الخصيب "أبو مصعب" وهو أيضا محكوم بالسجن المؤبد لـ29 مرة، بتوزيع ما توفّر من الحلويات وبعض العصائر على زملائه الأسرى.

المركز الحقوقي أحرار تمكن من الحديث مع والد العروس لتنقل لقرائها بداية تلك الخطوبة الغريبة من نوعها, حيث أوضح والد العروس أنه التقى بالخصيب الابن قبل نحو سنتين في أحد السجون الإسرائيلية فأعجب بشخصيته وبأخلاقه الحميدة, قائلاً:" احترت في الهدية الثمينة التي يمكن أن أهديها لعبد الرحمن، فأهديته أغلى شيء في حياتي وهي ابنتي مرام..إنه يستحق أن أهديه هدية كهذه".

لقاء الحبيبين

غير أن الامور لم تسر بهذه السلاسة، فرأي العروس هو الاساس واتمام الفرحة مرهونة بموافقتها، لينتظر العريس عامين حتى جاء الوقت الذي زارت مرام والدها في ذات السجن الذي يوجد به عبد الرحمن، وهناك التقيا من خلف زجاج سميك، لكنه لم يكن حائلاً أن يزرع الله الحب في قلبيهما، ويقررا الاستمرار في إجراءات الخطوبة, لقد كان السجن سبب لنسج الحب بينهما.

ربما هي المراسم التي تحدث في السجن لأول مرة ولكن الفكرة كانت قد راودت في فكر والد العريس قبل ذلك, فهو صاحب تجربة سابقة حين عرض إحدى بناته على أسير كان معتقلا معه، وقدر الله أن يفرج عن الأسير وأن يتم الزواج وهما الآن ينتظران ولي العهد خلال الأشهر القليلة القادمة.

يعبر والد عبد الرحمن عن شعوره في ظل تلك المراسم التي سارت بحضوره :" فرحتي عارمة أن تمكنت من حضور عقد قرآن ابني عبد الرحمن، فقد تزوج أبنائي الثلاثة وأنا داخل السجن، ولم أحضر حفل زواج أي منهم، وأحمد الله الذي مكنني من مشاركة ابني الرابع فرحته بالخطوبة".

ويتابع موجها حديثه لرفيق دربه ونسيبه الجديد أبو همام:"هديتك هي أثمن شيء يمكن أن يقدمه إنسان لآخر، وهي من أخلاق الصحابة رضوان الله عليهم، ونعاهدك أن نحافظ عليها كما نحافظ على بناتنا".

أما العريس الذي من المقرر أن يطلق سراحه بعد نحو عشرة أشهر فالخجل بدا جلياً وهو يتحدث عما حدث معه قائلا: "لم أكن أتصور يوما ما أن أخطب وأنا داخل السجن، وأتمنى أن أكون عند حسن ظن "عمي" بي، وأن يعينني الله على حفظ الأمانة التي حملني إياها".

بدورها عبرت العروس عن فرحتها لمركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان بأن تم عقد قرانها، مؤكدة أن الفرحة الكبرى تكون بخروج والدها وخطيبها ووالده وجميع الأسرى من السجون، تقول:" لم يسبق لي أن رأيت خطيبي قبل تلك الزيارة، وكم يسعدني ان ارتبط برجل مثل عبد الرحمن، ضحى بحياته من أجل الوطن، لا شكّ أنه سيكون أقدر على حمل أمانة الزوجية".

حفلة على الهواء

عند الساعة السابعة والنصف من مساء ذات اليوم، بث راديو الأقصى مباشر، برنامجا خاصا بالأسرى. البرنامج أتاح لعائلة الخصيب مدة ربع ساعة على الهواء لتهنئ ابنها، استغلت أسرة الخصيب وقت البرنامج، وأقامت حفلة عائلية على الهواء، والدة العريس وعماته وبعض الأقارب، غنين للعروسين الأغاني الشعبية فرحا بالمناسبة.

وقالت العائلة للمركز الحقوقي أحرار أنها تشعر بالحزن كون عبد الرحمن ووالده ما زالا في سجون الاحتلال، لكنها تشعر بالفرحة في ذات الوقت، كون رب العائلة تمكّن من حضور عقد قران ابنه.

والدة العريس هي الأخرى الفرحة غمرت قلبها حيث تقول:" أنا واثقة بأن فرحة زوجي كانت كبيرة بخطوبة ابني، ونأمل أن يتم الله نعمته علينا بالفرحة الكبرى عندما يخرجان من السجن ونقيم لهم حفلة كبيرة".

من جهته قال فؤاد الخفش مدير المركز الحقوقي أحرار إن هذه المناسبة تدل على عظمة الإنسان الفلسطيني الذي لن يتمكن السجان من هزيمته ولن ينجح في سرقة الفرحة منه.

وأشار الخفش إلى أنه رغم الأحكام العالية التي يواجهها والدين العروسين إلا أنهما استطاعا انتزاع الفرحة والبسمة والزغرودة من براثن السجن, وملآن أجواء السعادة في السجن ووزعت الحلوى وأغاظوا السجان.

هذه هي الفرحة الفلسطينية التي تنبع من وسط المعاناة ومن آهات العذاب, فالصبر زينة هذا الشعب والفرحة يصنعوها في أي وقت.