وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الزميل بدر الدين الإدريسي يكتب عن ملتقى الاعلام في فلسطين

نشر بتاريخ: 23/02/2011 ( آخر تحديث: 23/02/2011 الساعة: 20:28 )
كلمات وأشياء
كسروا الطوق

في مدائن الوجع والحصار، حيث يُضَيَّقُ الخناق لحد الإختناق ويشتد الطوق لحد كتم الأنفاس، حيث تنتصب الجدارات العازلة والجسور المحروسة والحواجز الملغومة، حيث يراقب الآخرون الصخر والشجر، حيث يحصون الماء والهواء وحتى نسبة الأوكسجين التي تدخل إلى الأجسام، يأبى الفلسطينيون إلا أن يمشوا في هذه الأرض بهامات مرفوعة وبقامات منتصبة إنتصارا لإرادة الحياة وإنتصارا لقوة الإنتماء.

كان الفارق مهولا بين ما كنت أراه وغيري على شاشات التلفزة مبثوثا في صورة تقارير حتى وإن أبدعت في وصف عبقرية شعب فلسطين في مواجهة الحصار والغدر وفي مغالبة كل هدر للكرامة وفي دفع كل محن التغريب والتنكيل والتجويع، وما وقفت عليه بنفسي وأنا أزور رام الله ومدينة الخليل وأريحا في الضفة الغربية، مشاركا في الملتقى الأول الذي أقامه الإتحاد العربي للصحافة الرياضية بفلسطين بتعاون مع اللجنة الأولمبية الفلسطينية وأيضا في الإجتماع الأول للجنة الإعلام للإتحاد العربي لكرة القدم والتي بات يرأسها منذ أشهر اللواء جبريل الرجوب رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية ورئيس الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم والتي أحظى بشرف عضويتها..

ذكرني ذاك الفارق الكبير الذي يسقط معه كل قياس بين ما كنت أسمعه وما رأيته بالعين المجردة، بما كان يبطنه زميلي فقيد الصحافة الرياضية الفلسطينية المرحوم تيسير جابر في ثنايا دعوات قدمها لي ثارة راجيا وثارة أخرى مصرا وجازما، كان رحمة الله عليه يقول لي كلما ترجاني أن أحدد تاريخا أزور فيه فلسطين، وأسعد زملاء أعزاء بلقاء يتطلعون إليه:

«عندما تحضر سترى شيئا آخر، غير الذي كنت تسمع أو تقرأ عنه...».

وكنت أقرأ وأسمع عن تراتيل وعن مرثبات، عن كلمات تبحث عن صورة النزيف، عن رائحة الدم وعن عطر الفاجعة لتروي حكايا عن أفظع جرائم الإنسانية، حيث يقصف الإنسان والحجر والشجر، وحيث تقذف الحياة بالرشاش وحيث تجري جداول الدماء لتصب في بحيرة الطهارة.. قرأت عن كل هذا وبالذات عن الإنسان الفلسطيني الذي جسده شاعر الثورة والحياة محمود درويش في نفسه وهو يمشي منتصب القامة ومرفوع الهامة، في يده قصبة زيتون وعلى كتفه نعشه، في صورة شعرية ملحمية، إلا أن ما شاهدته وأنا أتنقل بين مدن الضفة كان شيئا آخر، ليس القصد أنه لا يمت بصلة لكل الذي تداعى منثورا في قصص الأدباء أو منظوما في شعر الشعراء ولا حتى مرويا في تقارير الصحفيين، ولكن ما قصدته هو أنني وقفت على عظمة الصمود وعمق الإباء، فالفلسطينيون برغم أنهم بين الحواجز ينتقلون، وتحت رحمة الردارات يمشون ووسط أجهزة الرصد التي ترصد الأنفاس يعيشون، إلا أنهم دائما مبتسمون، ففي صدورهم مساحات شاسعة يمشون فيها أحرارا بلا قيود وفي صدورهم جداول من الأوكسجين يرتوون منها حتى ما أصابهم يوما ظمأ ولا ضجر وفي قلوبهم جبال من الإيمان ترفض الإنحناء والخنوع وتحت على مواصلة الحياة أملا في أن يأتي النصر الموعود..

وأروع ما شاهدت تحت سماء مدججة أطفال فلسطين يعيشون طفولتهم بكل تفاصيلها، فهم ينحثون في صخر المعاناة ليضمنوا للشخصية الفلسطينية غدها، وأيضا شاهدت شبابا يقبلون على الرياضة وقد نجحت السلطة في تأمين فضاءات رياضية بمختلف المقاسات والأحجام، ففي مدينة الخليل المقدسة زرت مع زملائي الإعلاميين الرياضيين من ضيوف الملتقى قاعة مغطاة من الطراز الرفيع وملعبا لكرة القدم بعشب اصطناعي وبطاقة إستيعابية محترمة، وزرت مركزا لإسعاد الطفولة وقفت على تناسق بنيانه ومرافقه وأيضا على روعة ما أنجزه في ظرف زمني قياسي..

وحتما فإن ما شاهدته بمدينة الخليل مرقد سيدنا إبراهيم عليه أفضل السلام هو صورة مما هو موجود أو ما هو مخطط له في مدن أخرى، فقد إختصر اللواء جبريل الرجوب واضع الأساسات الجديدة للرياضة الفلسطينية الصورة والرهان، عندما قال أن فلسطين باتت تؤمن بقوة صوت الرياضة في المحفل الدولي، وبالرياضة تستطيع فلسطين أن تقدم نفسها للعالم قوية في إصرارها على الحياة..

وعندما يكون القيمون على الشأن الفلسطيني قد قرروا أن تكون الرياضة واجهة لبناء الإنسان والوطن برغم كل الشدائد والمحن.. فإن ذلك يجبرنا كرياضيين عرب، مؤسسات وأندية وأبطال أن ندعمهم بالمال وبالخبرات من أجل أن تكبر مرافقهم الرياضية وتتضاعف، وأن ندعمهم بشكل أكبر بزيارتنا لهم، بكسر الطوق وضرب الحصار، إننا ونحن معهم نزرع في شفافهم الحائرة بسمة وفي قلوبهم المتكدرة وردة، إننا نعطيهم الأمل ونمدهم بقوة ترهب أعداء الحياة، وذلك أضعف الإيمان.