|
الشاعر المتوكل طه يصدر كتابا جديا بعنوان " صورة الاخر في الشعر الفلسطيني"
نشر بتاريخ: 06/09/2006 ( آخر تحديث: 06/09/2006 الساعة: 11:44 )
الآخر في الشعر الفلسطيني..للمتوكل طه صدر في رام الله كتاب جديد للشاعر الباحث د. المتوكل طه بعنوان "صورة الآخر في الشعر الفلسطيني"، وتصدى الكتاب لموضوعة شائكة هي تجليات "الآخر" ومعانيه وانتقاله من دلالة كل ما هو ليس "أنا" إلى دلالة النقيض مرورا ببضعة عشر "آخر" إضافيين، واحتوى الكتاب على مقدمة ومدخل، رصد التحوّل السياسي الذي جرى في فلسطين بعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام 93، وانعكاس ذلك على القصيدة الفلسطينية فيما بعد، فيما أضاء المدخل تلك التغييرات المضمونية والفنية التي طرأت على القصيدة الفلسطينية في العقد الأخير.
وفي هذا السياق فإن القصيدة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو تخلصت من انصياعها للسياسي أو الجمعي، وصارت أكثر ذاتية وانفتاحا على الأسئلة الكبيرة وتميزت بروح النقد والاحتجاج وذهبت نحو الايروتيك والأسئلة الفلسفية و إلى الهامشي والمعتم والفردي، وتخلصت أيضا من ما كان يميّز القصيدة المقاومة قبل اوسلو. واحتوى الكتاب على ثلاثة فصول، لاحق الفصل الأول العلاقة مع "الآخر" كما تم التعبير عنها في الثقافة العربية، فيما تتبع الفصل الثاني صورة الآخر في الشعر الفلسطيني على مدار قرن كامل، فيما تطرق الفصل الثالث إلى جمالية القصيدة وأساليب الأداء الفني وكيفياته، واختتم المؤلف كتابه بتكثيف الاستخلاصات التي اعتمرت هذا الكتاب والتي كان أهمها أن معنى الآخر في فلسطين، يختلف عنه في أي مكان آخر، ذلك أن الآخر هنا (فلسطين) ليس مجرد فكرة أو منتج صناعي، أو ثقافي بل انه يوجد في مشروع استيطاني إحلالي مرعب، ولا يستعمل تكنولوجياته فحسب، وإنما أيدلوجيته أيضا، وهو لا يأتي بذلك منفردا، بل يأتي معززا برؤية غيبية وسياسية وفيزيائية غريبة ومدعومة من الغرب، رؤية مسبقة وموتورة ولها أهداف وتستعمل وسائل مجازية. الآخر في فلسطين، صاعق وقوي ومسيطر ومذّل، لا يمكن تجميله أو أنسنته أو التوصل معه إلى نقاط اتفاق. وفي فلسطين كما تقول الدراسة لا تتم معرفة الآخر من خلال وسائل المعرفة العادية، وإنما من خلال لغة الدم ورائحة التراب، وفي فلسطين يدفع الشعب الفلسطيني دمه من اجل أن يفهم هذا الآخر. وأشارت الدراسة إلى إنه وأقلّ من مئة عام تحول إلآخر الصهيوني من نقيض وعدو إلى شريك محتمل يمكن التعايش معه ، حسبما أشارت القصائد الفلسطينية ، واستطاع هذا الآخر المنتصر أن يغيّر إلى حد ما من صورته وأن يعمل على تقديم نفسه بطرق مختلفة ،واستطاع من خلال فرض سياسة الأمر الواقع وسياسة القوة ان يتحول من صورة المحتل إلى صورة الشريك ، ومن دولة الكيان إلى الدولة العبرية ، ومن العدو إلى الصديق، فهذا الآخر لم يغير من جلده ومن مصطلحاته ولم يغير أهدافه وأساليبه، والذي تغيّر هو "نحن" كما تقول الدراسة وتوقف البحث إمام علاقة الأنا بالآخر التي كانت علاقة جدلية وملتبسة، ورصدت هذه الدراسة التحول العميق في القصيدة الفلسطينية بعد اتفاق اوسلو ، وأضاءت بعمق واتساع التحولات النوعية والبنيوية لصورة الآخر في القصيدة الفلسطينية التي أخذت على عاتقها ملاحقة هذا الآخر وتعريته والتعبئة ضده قبل اوسلو وكيف تحللت هذه الصورة بعد اوسلو وصار المحتل يجبرنا على البحث عن إنسانيته أو نقاط الالتقاء معه, وباختصار يمكن إجمال استخلاصات هذه الدراسة فيما يلي : 1- رأى الباحث المتوكل طه ان الآخر على إطلاقه شكل دائما المحرض للأنا الجمعية العربية الإسلامية للرد والمبادرة منذ الجاهلية وحتى اليوم . 2- رأى ان الإسلام وحده، هو الذي حدد آخرنا الديني فيما لعبت التقاليد والأعراف واللغة العربية الآخر العرقي والقومي. 3- رأى ان فهم الآخر والحوار معه كان من ميزات عصور القوة والنصر فيما كان الميل إلى الانغلاق وعدم الحوار مع الآخر في عصور الضعف والانكماش. 4- رأى أن الحوار مع الآخر كان شكلا من أشكال الحوار مع الذات. 5- رأى ان النظرة إلى الآخر لم تكن مطلقة ولا عامة وذلك بسبب من الثقافة الدينية الإسلامية التي لم تتميز بالعنصرية، ولهذا وجد الآخرون مكانة لهم في صميم الثقافة والحياة العربية الإسلامية. 6- رأى الباحث ان الآخر بالنسبة للفلسطينيين كان دائما هو الصهيوني، الذي تم تصويره غالبا على انه المحتل والغاصب والمرفوض. 7- رأى الباحث ان الفلسطينيين فرقوا بعمق ومسؤولية بين اليهودية والصهيونية ولكن هذا لم يمنع من الاستفادة من التراث الديني والشعبي من النظرة العامة لليهودي كخادم للمال والجنس واعتباره إنسانا كريها. 8- عبّر الشعر الفلسطيني بكفاءة عالية عن مجمل الاتجاهات الوجدانية الشعبية والفكرية، والعقائدية المتعلقة بالنظرة إلى الآخر اليهودي والصهيوني، وعلى هذا فقد اختلف الشعراء الفلسطينيون في طريقة رؤيتهم لهذا الآخر: فهو محتل وهو مخدوع وهو ظالم ومظلوم وهو قاتل وهو إنسان يمكن الوصول معه إلى نوع من الاتفاق. 9- رأى الباحث، انه بسبب الهزائم المتكررة والانهيارات الهائلة التي لحقت بالأمة فإن صورة الآخر الشعرية تحولت من كونها نقيضا إلى شريك محتمل من خلال النفاذ إليه ضمن عملية البحث والتنقيب عن المشترك الحضاري والإنساني والديني. 10- وراى المتوكل طه ان القصيدة الفلسطينية اختلفت جماليا بسبب تعددية الآباء واختلاف الأمكنة وانه ليس هناك تاريخ تطور للقصيدة الفلسطينية لأنها جابهت إنقطعات تاريخية، بسبب التشتت والافتراق. ورأى ان القصيدة الفلسطينية لم تتعد طرح الأسئلة وحوار الذات والجرأة في النظر إلى الداخل إلا بعد الهزائم الكبرى، وصارت القصيدة تحاور ذاتها كتعبير عن العلاقة القلقة والمعقدة مع الآخر المنتصر.ورأى ان القصيدة بعد اتفاق اوسلو صارت دون مركز وتحتفي بذاتها وترغب بالتنازل عن دورها الأساسي الجماهيري وأنها أخذت تذهب نحو الهامش والمبتذل والحلمي والكابوسي والجنسي، وأنها تنازلت عن البطولي، من اجل الشخصي وعن العام من اجل الذاتي، وأخيرا رأى الباحث ان تعدد موضوعات القصيدة، بعد اوسلو، كان دليل قدرة الآخر على فرض اولوياته من جهة، وعلى ارتباك الانا في تعريف ذاتها, وأنها عبّرت عن "أنا" متعددة دليل الحيرة والاضطراب في الوقت الذي عبرت فيه عن آخر متعدد دليل اتساع الرؤية والتباس المشهد وتعقيده. ويمكن إجمال كل ذلك بقول: ان صورة الآخر النقيض المحتل وخلال قرن واحد تحوّلت من آخر مرفوض جملة وتفصيلا إلى آخر يجب البحث عن نقاط التقاء معه، من خلال الاعتراف له بحق ما في هذه الأرض ! إنها نتيجة مؤسفة كما يقول المتوكل طه لتاريخ يشهد أعمق هزائمنا وأقواها. |