وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

باحثون يدعون لإطلاق هيئة عليا للحفاظ على البذور البلدية

نشر بتاريخ: 28/03/2011 ( آخر تحديث: 28/03/2011 الساعة: 20:22 )
جنين- معا- دعا مختصون وباحثون في مجال البحوث الزراعية إلى إطلاق هيئة وطنية عليا، تتوحد بداخلها الأطر والمؤسسات والمراكز الناشطة في مجال الزراعات البلدية والتقليدية، وتحظى بموازنة دائمة وكافية، بهدف الحفاظ على التراث الفلسطيني من أمهات البذور المهددة بالانقراض.

وطالبوا بضرورة الشروع في بناء قاعدة معلومات أساسية بالبذور التقليدية لتصنيفها، والحفاظ على الأصول البلدية من نباتات وأشجار على حد سواء.

وقال المشاركون في الندوة الشهرية لمجلة"آفاق البيئة والتنمية" التي يصدرها مركز العمل التنموي (معًا)، وعقدت اليوم في جنين "إن الوقت قد حان لاتخاذ تدابير ملموسة، تحافظ على الأصول البلدية للبذور، وتسعى لتنفيذ سلسلة أبحاث عليها لتكثيرها وتصنيفها وتوضيح أهميتها الاقتصادية والبيئية، بموازاة دعم المزارعين وإيجاد الأسواق الملائمة، ومراقبة مدخلات الإنتاج التي تغرقها البذور المهجنة والكيماويات والسموم".

وتحدث في الندوة التي حملت عنوان "آفاق العودة إلى الزراعات البلدية والتقليدية المميزة لمحافظة جنين" رئيس قسم المشاهدات الحقلية في المركز الوطني للبحوث الزراعية سامح جرار، ومنسق محافظة جنين في الإغاثة الزراعية عمر الدمج، ومنسق المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة(إيكاردا) بالأراضي الفلسطينية د.عبد الله العمري، ورئيس قسم التخطيط في مديرية زراعة جنين، إبراهيم الملاح، ورئيس قسم الإنتاج النباتي فيها حكم صلاح، والمهندس في اتحاد لجان العمل الزراعي محمد شنابل، والخبير الزراعي في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) فراس بدران، والمزارع العضوي معروف أبو سمحة.

وقال الصحافي المهتم بقضايا البيئة عبد الباسط خلف، الذي أدار الندوة، إن الإعلام البيئي يمكنه المساعدة في طرح قضايا تمس الصحة وجودة البيئة، لكنه الإعلام الفلسطيني يبدو أنه غير معني بالبيئة، ويمارس تغييبا لها؛ بدعوى الهموم السياسية والوطنية، لكنه يتناسى أن قضية بوزن البذور البلدية تمس كل الشرائح في المجتمع بنتائجها، حينما تصل إلى غذائهم. وأضاف: لكن المفارقة تتمثل في أن عناصر البيئة تصل إلى موائدنا وتتدخل في تفاصيل حياتنا، ولا تصل إلى إعلامنا بالشكل الذي تستحقه، وهذه معادلة تحتاج إلى تغيير.

وأجمع المشاركون على ضرورة وجود كادر مؤهل من الخبراء والباحثين، لتطوير الاهتمام بالزراعات البلدية، التي تهددها المبيدات الكيماوية، والتعديل الوراثي، والشركات الاحتكارية التي لا تأخذ غير أرباحها المادية بالاعتبار.

وناقشت الندوة العوامل التي أدت إلى الانكماش الكبير في الزراعات البلدية المميزة تقليديًا وتاريخيًا لمحافظة جنين مثل القمح والشعير والبطيخ وغيرها؛ ومن ثم انتشار الممارسات الزراعية اللابيئية واللاتنموية، التي أدت إلى ضعف التنوع في المحاصيل واستعمال الكيماويات الزراعية والتركيز على البذور المهجنة والصناعية التي تحتاج إلى كمية كبيرة من المياه وغير ذلك، مما ساهم في تعميق أزمة الأمن الغذائي والتبعية للمدخلات الزراعية الإسرائيلية.

واستعرضت الواقع الغذائي الحالي في الضفة الغربية، من ناحية الإنتاج الزراعي المحلي ومدى تغطيته للاحتياجات الأساسية، وبالتالي الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، ومدى التبعية للسلع الغذائية الإسرائيلية والمستوردة.

وحلل المشاركون العوامل التي أدت إلى التراجع الكبير في الزراعات البلدية التقليدية التي كانت في الستينيات والسبعينيات تسد الاحتياجات المحلية، فضلا عن التصدير إلى الأردن والخليج العربي.

وتتبعوا أسباب ضعف أو اختفاء الكثير من المحاصيل البلدية التقليدية الحقلية، والحبوب والخضروات، مثل القمح والشعير والبطيخ والعدس والحمص وغيرها.

وتطرقوا إلى مدى مساهمة الأنماط الزراعية الكيماوية غير الصديقة للبيئة والتربة وصحة الناس في ضرب الزراعات البلدية وتعميق الأزمة، باعتبارها تساهم في تثبيت التبعية للمدخلات الخارجية اللازمة للزراعة مثل البذور المهجنة الإسرائيلية والمستوردة، والأسمدة والمبيدات الكيماوية وغير ذلك، وبالتالي تراجع خصوبة التربة وإنتاجيتها، وتفاقم انتشار الأمراض والآفات الزراعية التي لم نعرفها قبل دخول الكيماويات الزراعية إلى المناطق الفلسطينية.
وأسهب المختصون في الإشارة إلى آفاق تشجيع وتطوير الإنتاج الغذائي والزراعي البلدي البيئي القائم على إنتاج الاحتياجات الأساسية للناس، وتنويع المحاصيل، والتركيز على الأنماط الزراعية البلدية والعضوية الصديقة للبيئة والمساهمة في التحرر من التبعية الغذائية للأجنبي، والمعززة لاقتصاد الصمود. وآفاق التوجه المنظم لتشكيل بنوك للبذور البلدية التقليدية الأصلية.

وأورد المهندس إبراهيم الملاح أسباب اختفاء الأصناف البلدية، بعد ظهور الأصناف الجديدة، واعتقاد المزارع أن الإنتاجية للبذور المهجنة أعلى.

وأستعرض المزارع العضوي معروف أبو سمحة، الذي يمارس مهنة الفلاحة في سهل ميثلون منذ طفولته، وقال إن الجدوى الاقتصادية، وسرعة الإنتاج، هي التي أغرت الفلاح بالتخلي عن البذور البلدية.

وقال إن الاحتلال في بداياته، وفر كميات كبيرة من البذور المهجنة مجانًا، وهو ما أدى إلى ضياع الأصناف التقليدية، وأصبحت الأساليب الحديثة بما فيها من كيماويات، وأسمدة غير طبيعية، هي القاعدة، أما المزروعات البلدية فتحولت إلى استثناء.

ووصف المهندس الدمج ظاهرة اختفاء البذور البلدية بالعملية المركبة، التي يتحمل مسؤوليتها المزارع من جهة، ويتسبب في تعميقها غياب جسم وطني للمزارعين، يحمى الأرض ويعزز من مرددوها. وقال إن الزراعة اليوم صارت تجارة، بعد أن كانت تحمل أبعادًا وطنية كبيرة.

واعتبر المهندس سامح جرار، أن اختفاء الأصناف مسألة خطيرة، كونها اكتسب صفات وراثية عبر مئات السنين. ويشكل ضياعها تهديداً للمخزون الوراثي.

وأفاد د.عبد الله العمري، إن مؤسسته تعمل منذ العام 1996 على حماية البذور البلدية، التي تنبع أهميتها من أنها مرتبطة بتاريخنا، وهي مستودع للجينات، وقد حافظت علة نفسها منذ ملايين السنين.

وأكد العمري أن الأصناف البلدية تتشكل من مجتمعات، ويمتلك كل منها انعزاليات وراثية خاصة، كالحساسية للأمراض، ومقاومة الجفاف، وتأقلمها مع التغير المناخي.

وأوضح المهندس فراس بدران، أن استخدام مصطلح "بنك البذور" بحاجة إلى تعديل. واقترح إطلاق تسمية وحدة بذور مجتمعية، يتشارك فيها المزارعون للحفاظ على الأصول التقليدية.

وصنّف أنظمة البذور الشائعة عالمياً، والتي تنقسم إلى نظام رسمي للشركات التي تسعى إلى الربح، ونظام غير رسمي قوامه مزارعون يحافظون على أصولهم التقليدية.

وأعاد المهندس محمد شنابل، بدايات بنك البذور الذي أطلقته المجموعة البنك الوطني للبذور البلدية، وهي الفكرة التي أطلقها الاتحاد منذ العام 1998لحماية وحفظ وتوثيق البذور البلدية، التي تعود لأصناف الخضار والحبوب والمحاصيل الحقلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر تجديد وإحياء البذور البلدية والمعرفة التراثية المرتبطة بها، والانتفاع بمصادرها الوراثية النباتية، وتوثيق هذه المصادر باستخدام التكنولوجيا الحيوية.

وتطرق المهندس حكم صلاح، إلى الاختلافات التي طرأت على طبيعة الأنماط الزراعية، فقبل نصف قرن، كانت الحياة مختلفة في ظروفها وتقنياتها الزراعية. وكان المزارع ينفق وقتاً أطول في الاعتناء بمزرعته ، دون الحاجة إلى مواد كيماوية وأسمدة وبذور مهجنة، وكان يدخل في دورة زراعية. أما اليوم، فلم يعمل المزارع غير وقت قصير، وربما يدير شؤون حقله عبر الهاتف، ولا يصل أرضه إلا في المناسبات.

وتحدث عن التغيرات في أذواق المستهلكين، وعادات المزارعين، وتوقيت المواسم الزراعية. وأشار إلى تجربة محافظة جنين التي كانت تصدر البطيخ في الماضي القريب، لكنها اليوم تستورده.