|
ثورة مصر - عملية قلب مفتوح على الهواء مباشرة ومن دون تخدير
نشر بتاريخ: 07/04/2011 ( آخر تحديث: 07/04/2011 الساعة: 17:16 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير - هبطت الطائرة بمطار القاهرة ، وكان حب الفضول سيّد الموقف ، ماذا سنرى في مصر حين نزورها ؟ كيف ميدان التحرير ؟ هل تغيّر الحجر ام تغيّر البشر ؟ ذهب مبارك فمن الذي ذهب معه ؟ وما الذي بقي منه ؟
وما ان دخلنا قاهرة المعزّ ، حتى ابتلعتنا شوارعها مثلما يبتلع النهر اوراق الشجر ، وغمرتنا بناياتها التي تضاهي مباني باريس بشال الود الناعم ، وقبل ان نذوب في طريق صلاح سالم ، شربت عيوننا من نوافذ السيارة حتى ارتوت ، نفس المباني ، ذات الوجوه الفرعونية العظيمة ، الحافلات التي تجمع المسافرين على قارعة الطريق . اليافطات باللهجة المصرية العامية ، دعابات سوّاق الاجرة ، رجال شرطة السير الذين لوعّتهم شموس النيل ، كلاب الفنادق تشم ولا تنبح ، ابتسامات الضيوف وحفاوة المستضيف ، ورد الطريق ، اشجار الكورنيش ، فناجين القهوة ، قوارب النيل ، اذان العصر في المسجد الحسين ، طيبة الناس في السيدة زينب ، الاربعاء السبت ، بائع الفل النظيف ، حجم الرغيف ، عبوس الموظف ، ابتسامة حارس الفندق ورنين الحروف في عبارة " نوّرت مصر " ، فرغبنا ان نصرخ نحن جذلا وطربا ونقول لهم : بل انتم نوّرتم مصر ونوّرتم كل الامة يا سدنة النيل ورجال المستحيل . وبعد ان اطمئنينا لانطباعاتنا الاولى ، نظافة الشوارع ، الامن ، الامان ، الوجه البشوش ، توفر احتياجات الناس في الاسواق ، سيارات الاجرة ، جاء دور الاسئلة الصعبة !!! ما الذي تغيّر في مصر ؟ تركنا الرئيس ابو مازن يحمل هموم السياسة ، و"هربنا " من القصر نبحث عن اجابات ، كان حافظ البرغوثي اول من وصل الى ميدان التحرير ، وقال بلهفة المثقف تعالوا نزور مقهى ريش ، ونحتسي الشاي مع المثقفين المصريين ، وفي الطريق قرأنا الصحف المصرية ، القومية منها والفيسبوكية ، فوجدنا مصر جديدة بكل معنى الكلمة ، وعنوان باللون الاحمر في احدى الصف ( يجب ملاحقة ذيول النظام السابق ) ، ومئات العناوين التي تحمل سمة المرحلة الجديدة . فعرفنا ان الشوارع والمباني وشرايين الحياة لم تتغير ، ولكن الصحافة في مصر تغيّرت كثيرا ، بل تغيّرت حتى انقلاب الصورة بالكامل ، قرأنا الصحف بلهفة ، وكان الانطباع ان هناك تصميم منقطع النظير عند الصحافة المصرية للتغيير ، لهفة للابداع ، توجس من الماضي ، امل في المستقبل ، وبين طيبة المصري البسيط ، وشعارات المثقف الثورية ، تبقى الكرة في ملعب السياسيين والحزبيين والجيش والمجلس العسكري . من ناحيتنا كفلسطينيين ، اردنا ان نعرف اكثر ، وكان لقاء الرئيس مع امين عام جامعة الدول العربية ، فوجدناه هو نفسه ، عمرو موسى بأقواله وافعاله ، مع ملاحظة انه رفع من سقف احلامه لتتناسب واحجام المرحلة القادمة وامالها واحلامها . ثم التقى الرئيس بوزير الخارجية ورئيس الوزراء ورئيس المخابرات وقيادة المجلس العسكري ، وحين سؤالنا الطيب عبد الرحيم ، هل تغيّرت مصر ؟ اجاب بكل ثقة ، تغيّرت من الداخل وتقوم بترتيب بيتها ، ولكنها هي نفس مصر القومية التي تعتبر فلسطين قضيتها الاولى اقليميا . وأضاف ردا على سؤالنا : ليس هناك تفاهم فقط ، بل هناك تطابق في وجهات النظر فيما يتعلق بفلسطين والموقف من الاحتلال واقامة الدولة ومبادرة الرئيس للمصالحة ... وزاد على ذلك عمرو موسى قوله : انا مستعد للذهاب مع ابو مازن الى غزة . وخلال لقاء الرئيس بالشخصيات المستقلة ، قال ابو مازن : اذا كانت تتوجس حماس من زيارتي الى غزة ، ليقوموا بتكليف قائد منهم في الضفة ليجلس معي ونتفق على كل شئ ، ليعطيني اسماء الوزراء المقترحين لحكومة الوحدة ونعلن للناس موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فورا . انا جاهز لتسليم الحكم لاي شخص اخر ينتخبه الشعب وفورا وبضمانة كل العرب والاجانب . وبغض النظر عن الملف الفلسطيني ، فان مصر هي نفسها ، ولكنها تقوم باستبدال نظام الحكم بطريقة سلمية هادئة وامام العالم وامام 100 مليون مصري ، ما يشبه ان يقوم الانسان بعملية قلب مفتوح على الهواء ومن دون تخدير ، انها عملية " مذهلة " لم تحدث وربما لن تحدث في التاريخ المعاصر بهذا الشكل ، ان مصر تغيّر قلبها امام الناس وبتعاون من الجميع ، وبايمان كبير بحتمية الانتصار في هذه المهمة ، بل ان الذين كانوا يعتقدون ان مصر ستصبح مثل تركيا ، او مثل ايران ، او مثل كوريا ، انما هم واهمون في عالم افتراضي لا يعطي الاحجام الطبيعية للاشياء ، فمصر هي مصر ، ولن تكون مثل اية دولة اخرى ، لانها ستكون فقط مصر ، مصر الجديدة بكل قديمها من تحتموس وتوت عنخمون ومرورا بكليوبترا ومحمد علي باشا وعرابي وسعد زغلول والخديوي عبور القنال ووصولا الى ميدان التحرير الذي تحول الى " البيت العربي الابيض " لكل العرب ، مصر التي التي يحميها جيشها ، ويحميها اولادها ويحميها الله من شر ما خلق ،ومن شر غاسق اذا وقب ، ومن شر النفاثات في العقد ... |