|
الكاتب الاسرائيلي يغئال سيرنا في بيت الطفله هدى غالية: لم أر حزنا كالذي رايته الى اي حد سنغرق في مستنقع الحرب المجنونة؟!
نشر بتاريخ: 18/09/2006 ( آخر تحديث: 18/09/2006 الساعة: 19:16 )
بيت لحم -معا- مرت هدى غالية خلال الاشهر الثلاث الاخيرة بالكثير من المحطات والوقفات في حياتها التي تغيرت بعد صراخها على شاطئ بيت لاهيا الذي هز الضمائر وادمى القلوب ونقل اسمها الذي ارتبط بشاطئ القتل والدم الى اصقاع العالم .
كانت هدى غالية قبل مجزرة بيت لاهيا طالبة في الصف الثاني عشر تسكن في بيتها المتواضع وغير المبطن "المقصور " مع اخوتها الاثنى عشر وابيها ووالدتها حميدة وزوجة والدها الثانية رأيسة الى ان ذهبوا جميعا يوم الجمعة بداية شهر حزيران الى شاطئ البحر للترفيه عن انفسهم دون ان يخطر ببالهم بان قذيفة اسرائيلية حولت في لحظة الشاطئ الجميل الى ميدان قتل وساحة موت محقق ستختصر افراد مجموعتهم من خمسة عشر شخصا الى ثمانية جميعهم جرحى ابسطهم من حيث الاصابة هدى التي انزرعت في ذاكرة العالم ووجدانه بصراخها الحاد ورائحة الموت العابقة وبهزها لجثمان والدها الملقى على شاطئ البحر بلا حراك هزت هدى ضمير كل انسان حي . وانتقلت هدى غالية من شاطئ البحر الى القاهرة برفقة اختيها اللتين يصغرانها سنا وخالتها واحد مسؤولي مكتب الرئيس ابو مازن لتلقي العلاج دون ان تفارقها صورة الموت المرسوم في لا وعيها والتي عادت اليها كلما اغمضت عينيها طلبا للنوم اصبح بعيد المنال حيث يعلو صراخها من جديد زكأنها تشاهد قذيفة الموت مجددا. واكملت هدى طريقها من القاهرة الى دولة ابو ظبي بدعوة من اميرها لزيارة قصره الفاخر الرابض على شواطئ الخليج العربي حيث استقبلها امير البلاد بحفاوة المضيف العربي وحنو الوالد الانسان مؤكدا لها بانه سيرسل في طلبها واخوتها الجرحى ليمضوا في كنفه عطلهم الصيفية القادمة . وعندما وصل الكاتب الاسرائيلي يوم السبت الى منزل عائلة هدى غالية انتظر وصول باص المدرسة الاصفر الذي ضم ثلاثين طالبا وطالبة من ضمنهم هدى التي انسلت بهدوء الى داخل منزلها مرتدية زيها المدرسي الازرق الفاتح ليتبعها بعد فترة قصيرة شقيقها الصغير الذي ترجل من باص المدرسة دون قدمين تعينانه على المسير ممتطيا كرسيه المتحرك ليفسح المجال امام سيارة الاسعاف التي احضرت شقيته الصغرى من احدى مستشفيات اسرائيل حيث تتلقى العلاج من اصابتها بالغة الخطورة وقبل ان ينتهي موكب جرحى عائلة غالية وصلت من بيت مجاور شقيقتهم الكبرى مقطوعة اليد ومفتوحة البطن وتعمل على نقل اثنين من ابنائها اصيبا في ذات اليوم الدامي وبنفس قذيفة الموت الى مستشفى سوروكا الاسرائيلي لتكمل مشهد عائلة غالية المنكوبة بموت نصفها وبقاء النصف الاخر دون يد اوقدم او بطن مفتوح فارغ الاحشاء . بعيد المجزرة توالت وعود الدعم والمساعدة من قبل اسماعيل هنية وابو مازن ووزير الدفاع الاسرائيلي عمير بيرتس على عائلة غالية التي نكبت قبل الحرب على لبنان التي ادخلت غزة ومصائب اهلها دائرة النسيان وابعدتهم عن العين والقلب معا الى ان تدخل امير ابو ظبي الذي نقل هدى وشقيقتيها الى امارته حيث خضعن للفحوصات الطبية على يد اطباء فرنسيين قبل ان يستقبلهن في قصره المنيف على شاطئ الخليج العربي الذي وصفته هدى ببساطتها وعفويتها قائلة " انه قصر كبير لو مشيت فيه لمدة خمس ساعات لن تصل الى نهايته مستذكرة قول صاحبه امير البلاد لها مستعد ان اعطيك ما تطلبين قصر بيت او اي شيئ تطلبينه يا هدى ". وتحدثت هدى للكاتب الاسرائيلي دون توقف او حتى نفس وكأنها شعرت بانها ستموت اذا توقفت فيما جلست عمتها التي فقدت هي الاخرى عائلتها في كارثه مشابه لما حدث على شاطئ البحر حين نزلت على رأس عائلتها التي كانت تعمل في حقل التوت التابع لهم يوم 4/1/2005 قذيفة اسرائيلية افقدتها ابنها وحفيدتها وابناء شقيق زوجها لتضيف تلك القذيفة القاتلة سبعه اشخاص من عائلة غالية الى قوائم الموت هم اربعة من ابنائها وحفيدها واثنان من ابناء شقيق زوج عمة هدى المنكوبة . وغطت اربع عشرة صورة لابناء العائلة المنكوبة الذين سقطو جراء اطلاق قذيفتين لا تبصران ردا على صاروخ اعمى يدعى قسام جدران الغرفة التي جلسنا فيها وقالت عمة هدى " قال لي اخي علي قبل يومين من مقتله توقفي يا اختي عن بكاء الاموات وعودي الى الحياة لانه عرف بانني احتفظ بملابس اولادي القتلى واضاف لا تمزقي قلبك ولا تبكي واتركي الحزن والالم لقد ضاع ابناؤك ولا يوجد ما نستطيع فعله وبعد يومين ذهب الى البحر ولم يعد ومات محتضنا اولاده الصرعى " تحدثت العمة وابتسمت وكأن مقلتيها عزت فيها الدموع من كثرة البكاء وحجم الكارثة العصية على الاستيعاب والصبر . اما هدى قالت لي في صوت تهدج من انحباس الدمع " من الصعب ان اروي ماذا حدث هناك فلن انسى ما جرى طيلة حياتي لقد نظرت الى الجانب هذا فوجدت افراد عائلتي قتلى ونظرت الى الجانب الاخر فوجت البقية بين قتيل وجريح ولم يتبق لي سوى الجرحى فأخي يجلس على كرسيه المتحرك واختي قطعت يدها لقد ضاعت العائلة نصفها مات والنصف الاخر مصاب دون قدم او يد او بطن ". وطلبت منا هدى الانتظار قبل دخول الغرفة المبنية من الطوب والمعتمة بسبب انقطاع الكهرباء والتي تضم بقايا عائلتها لانه حسب العادات يتوجب على صاحب المنزل ان يستكشفه قبل دخول الضيوف خشية من وجود نساء وفجأة فتح احد الابواب وسمحت لنا يد باشارة منها بالدخول الى الغرفة وشاهدناعلى وقع بصيص من الضوء قادم من شباك الغرفة هيام غالية ابنة السادسة عشرة لكنها لاتسطيع النهوض من السرير والى جانبها هديل ولطيفة ثمانية وتسعة اعوام مع شظايا القذيفة التي رفضت الخروج من رأسيهما وكذلك شقيقهما ادهم الذي فتت قذيفة الموت قدمه واختهم الكبرى اماني وهي ام لطفلين وقد فقدت ذراعها اضافة الى هدى " خنساء غزة " كما يحلو لسكان القطاع دعوتها ولا زالت تحت تأثير الصدمة وللحظة اعتقدت بان القذيفة ضربت المنزل ذاته . وبعد الاحاديث الكثيرة التي جرت في الخارج غرق المنزل في صمت رهيب وكأن الحزب قد سد منافذه ومنع اصوات الشارع من الولوج اليه ليتحول الى قبر الاحياء الاموات . س " هدى لقد عرض عليك امير ابو ظبي قصرا وخادمة وحياة رغيدة في ابوظبي ماذا قلت ؟ ج : لقد اردت العودة الى منزلي وعائلتي فقط لقد وعدني بارسال تذكرة طائرة لي ولكل العائلة في العطل الصيفية حتى نأتي اليه ونمضي العطلة في ابو ظبي . وتمضي هدى نهارها في تعلم اللغة العربية والحساب والانجليزي لكن ليلها عبارة عن صرخات توجهها في احلامها الى والدها وكأن النكبة وقعت الان . واختتم الكاتب الاسرائيلي الذي اصطحبه ابناء عمومة هدى الى مكان المذبحه مقاله قائلا " لقد تجولت بين مواقع المأسي الاسرائيلية والفلسطينية لكن تركيزا للحزن والاسى كالذي شاهدته في بيت غالية لم اره في اي مكان اخر وكأن الرب او الشيطان الذي كان في المكان اراد ان يجتمع هذا الكم من الحزن حتى غطى المكان وعلى شخص ما يكون يهوديا او عربيا ان يتوقف للحظة ويقول كفى والى متى والى اي حد سنغرق في مستنقع الحرب المجنونة . |