|
المدرسة الإبراهيمية في قلب الخليل 100 عام رحلة صمود في وجه المحتل
نشر بتاريخ: 12/05/2011 ( آخر تحديث: 12/05/2011 الساعة: 18:55 )
الخليل-معا- بالقرب من الحرم الإبراهيمي الشريف أنشئت أول مدرسة ثانوية وهي "المدرسة الإبراهيمية" والتي تأسست عام 1911.
المدرسة من طابقين ويحتوي الطابق الأول على مكتبة المدرسة والمسرح وغرف صفية للطلاب وفيها درج داخلي يوصل للطابق الثاني ويحتوي على غرف صفية وغرف المعلمين والمدير، ويطل شبابيك المدرسة على بركة السلطان. قام بتشييدها مدير البوليس العثماني شوقي أفندي كمقر للسرايا ولكن دائرة المعارف طلبت تحويلها إلى مدرسة للذكور وللإناث وإنشاء مبنى جديد للسرايا وكانت من طابق واحد، وقد قامت الحكومة العثمانية بناء مدارس إضافية في مدينة الخليل، فبنت أربع مدارس، ثلاث منها مدارس ابتدائية، والرابعة ثانوية عرفت بالرشدية "الإبراهيمية"، واستقبلت الطلاب في عام 1913، وكان عدد الطلاب آنذاك (387). كان يدرّس الطلاب في المدارس الابتدائية معلم واحد، في حين كان في "الرشدية الإبراهيمية" معلمان يلقب كل واحد منهم (خوجى) أي أستاذ وكان لكل منهم لقب معلم أول ومعلم ثان والى جانبهم مُبصِر أي "مفتش". بلغ عدد طلاب الإبراهيمية عام 1923 حوالي (486) طالب في 13 صفاً وفي عام 1947 وصل العدد إلى (629) طالب. والآن يصل عدد طلاب الإبراهيمية ما يقارب "400" طالب. بلغ عدد المعلمين فيها عام 1925 (16 معلماً) وكان كل معلم مسؤول عن صف ويقوم بتدريس جميع المواد باستثناء "الدين، والانجليزي"، وكان من أوائل المدرسين في المدرسة الإبراهيمية وفي مدينة الخليل: شريف ذهني، ومحمد خليل المفتي، والشيخ موسى الحموري، والشيخ خير الدين الشريف "مبصراً"، وعلي شعث، ومراد مصطفى الدباغ عام 1923م. أما في عام 1945 فكان مدير المدرسة عبد الفتاح الحموري ومن المعلمين عبد الفتاح الدويك وفخري الحموري، ووديع خوري، وخالد العسيلي، ومخلص عمرو، وصالح غوشة، ومحمد الجيعاني، ورشاد الناظر، ومحمد رشاد الشريف. وفي زمن الانتداب البريطاني، أضيف للمدرسة طابق ثان، وتم تغيير اسمها إلى "المدرسة الثانوية"، وكان لها بابان شمالي للذكور، وجنوبي للإناث، والصف المدرسي كبير فيها على عكس المدرسة الابتدائية، واحتوت على مقاعد مدرسية بخلاف الابتدائية، التي كان الطلاب يجلبون البساط من بيوتهم للجلوس عليه. كما تم إنشاء سكن داخلي للمدرسة سمي "المنزل" للوافدين إليها من القرى المجاورة وبيت لحم وكذلك من بئر السبع، وتم تقديم وجبات غذائية للطلاب واستمر ذلك حتى عام 1947، كما كان للمدرسة مسجد خاص تقام فيه الشعائر الدينية في عهد الحكومة العثمانية. وكان لها كذلك اهتمام خاص بالتدريب الفني سواء في النجارة، أو البناء أو عمل المكانس والمماسح الأرضية، حيث كان التدريب يتم بعد انتهاء الدوام المدرسي. تناوب على إدارة المدرسة من عام 1970: إبراهيم الكركي، إبراهيم عياد، فريد شاور، نبيل الفلاح، محمد أبو سنينة، علاء أبو رميلة، بلال أبو سنينة، زياد قرجة، عطا الفروخ، وصالح أبو سليمة. محافظ الخليل كامل حميد قال: تتعرض المدرسة إلى ظلم كبير بعد مرور 100 عام من عمرها، حيث تواجه صعوبات كبيرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يمنع ترميم المدرسة ويمنع إدخال حتى بلاطة واحده إلا بموافقتهم، مما يعيق الترميم والإصلاح رغم تضافر الجهود، وان تم فبدرجة بطيئة جداً، وأحياناً يتم التنسيق مع الصليب الأحمر والتواجد الدولي والارتباط المدني لإقناع الجانب الإسرائيلي لتسهيل وصول مواد البناء او الطلاب والمعلمين، كما حدث حين تدخل الجميع للتنسيق مع الجهات الإسرائيلية لحفر بئر في المدرسة لتوفير احتياجاتها من الماء. وتحدث حميد عن إجراءات الاحتلال الصهيوني ووجود المستوطنين الذين يخلقون ظروفاً صعبة وسيئة للمنطقة بأكملها أدى إلى خنق المدرسة ومحيطها بالحواجز، وكذلك المضايقات التي يتعرض لها الطلبة والمعلمين والعاملين فيها، مما يعكر الجو الدراسي فيها وفي المدارس المحيطة. وأشار إلى استعداد المحافظة لتقديم جميع الإمكانيات والمساعدة ضمن الإمكانيات المتاحة رغم جميع الصعوبات والمعيقات الإسرائيلية. من جانبها أكدت مديرة التربية والتعليم نسرين عمرو على دعم المدرسة بكل ما تحتاجه من معلمين أو إداريين لإكمال النصاب والتشكيلات فيها مهما كانت الظروف، وإدراجها ضمن المشاريع التطويرية، رغم قلة عدد الطلاب فيها، لدعمهم ومساندتهم لما يتعرضون له بشكل يومي من اعتداءات وتفتيش على البوابات الالكترونية. وأكدت عمرو على ان دعم صمود المدارس في البلدة القديمة القريبة من الإبراهيمية واستمرار الدراسة فيها بشكل يومي، هو من أهم أولويات المديرية، بالإضافة إلى الاهتمام بالحالة النفسية للطلاب، وتوفير مرشد تربوي دائم في المدرسة ومساعدة قسم الإرشاد من قبل أخصائيين نفسيين من المؤسسات الحكومية والخاصة للتخفيف عن الأعباء والصدمات التي يتعرض لها الطلاب، خاصة تفتيشهم وتفتيش حقائبهم وما ينتج عنها من صدمة للطلاب وخوف داخل المدرسة. وأضافت أنه يتم اقتحام المدرسة من قبل المستوطنين بمساعدة جيش الاحتلال، بشكل اعتيادي في فترات متقاربة خلال العام الدراسي، وإغلاق المدرسة في الأعياد اليهودية، بأمر عسكري لإقامة الاحتفالات في ملعب المدرسة المُصادر. وأشادت عمرو بالمعلمين العاملين بالمدرسة لملازمة الطلاب عبر الحواجز المنتشرة لتوفير السلامة وحمايتهم خشية عليهم من اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال، وكان آخرهم الطالب كرم دعنا من مدرسة المتنبي الذي اعتقله جيش الاحتلال وابعد عن وبيته ومدرسة رغم أنه في الصف السادس. ومن منزلة المطل على الحرم الإبراهيمي الشريف وعلى المدرسة الإبراهيمية، عاد الشيخ ربحي القصراوي "التميمي" نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي إلى ذكرياته الأولى في المدرسة الإبراهيمية وعرض شهادته للصف الأول عام 1956 وكذلك تذكرة لمعلميه الذي درسوه واعتبرهم علماء أجلاء في تقديم المعلومة، لما تركوه من أثر كبير على حياته واهتمامهم بتربية الطلاب تربية صحيحة وكذلك تعليمهم وتزويدهم بجميع المعارف. واستذكر منهم المعلم داري البكري معلم التربية الإسلامية، ونجيب الخطيب معلم اللغة العربية، والمرحوم وجيه الخطيب، وجمال الجنيدي، ومدير المدرسة عبد الله كاتبة بدر. كما أشار القصراوي إلى أن عدد طلاب الصف الأول كان 70 طالباً وأان طالب الإبراهيمية الذي يكمل الصف الرابع الأساسي كان يجيد القراءة والكتابة لاهتمام المعلمين بالطلبة واعتبارهم أبنائهم ويحرصون عليهم كل الحرص سواء في فترة الدراسة الصباحية أو بعد الظهر، واعتبر المدرسة الإبراهيمية جامعة لجميع فئات المجتمع من مدينة الخليل وقراها، حيث كان يأتي إليها الطلبة من جميع حارات الخليل وهي: حارة بني دار، حارة المحتسبين، القلعة، الخدمة، قيطون، القزازيين، السواكنة، خلة حادور، الشيخ، الدراويش، المشارقة التحتا والفوقا، العقابة. وأضاف: إن المدرسة الإبراهيمية تاريخ أمة، وحضارة شعب، من خلال الجو الدراسي الذي كان يتبع فيها من التربية على العطف، والحنان بين الطلاب باعتبارهم عائلة واحدة ولا فرق بينهم، وكذلك أهمية التعليم وربط علاقة متينة بين طلاب المدرسة والمعلمين، وهي صاحبة تاريخ عريق خرّجت العلماء والأدباء. وتمنى الشيخ القصراوي أن ُترفع القيود عن المدرسة وان تزال الحواجز عنها وتمنى كذلك على المعلمين أن يستمروا بتأدية رسالتهم رغم المعاناة اليومية واعتبار الطلبة أبنائهم، وتمنى على الطلبة احترام المعلمين واحترام العلم الذي يقدم لهم، وطالب بمساعدة المدرسة بشتى المجالات لأنها تتعرض لهجمة شرسة من قبل الاحتلال والمستوطنين باعتداءات يوميه تدمي القلب. من جانبه قال مدير المدرسة صالح أبو سليمة: أنا أحد خريجي هذه المدرسة، وعملت فيها 27 عاماً من سكرتير إلى معلم إلى مدير، وقد سميّت المدرسة بعدة تسميات منها "المعارف الأهلية" و"الرشدية الثانوية" و"الخليل للبنين" و"المدرسة الإبراهيمية الأساسية" تيمناً بالحرم الإبراهيمي الشريف خلال الأربعينات من القرن الماضي. وأضاف: بدأت معاناة المدرسة منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين والضفة الغربية واختنقت المدرسة بعد منع استخدام ملعبها المجاور عام 1975 وتم استبداله بملعب داخلي مساحته 200م لا يتسع لطلبة المدرسة والبالغ عددهم 400 طالب، ولا يمكن إقامة أي نشاط رياضي أو عمل برامج للطلبة. وعرض أبو سليمة التحديات والضغوطات التي تعترض المدرسة بسبب الحواجز العسكرية المحيطة بها، والتي أدت إلى قيام بعض الطلبة بسلوك أزقة ودخول بيوت مجاورة للوصول إلى المدرسة، ومن يسلك الطريق العادية يتعرض للتفتيش الجسدي والالكتروني، عدا عن منع وصول السيارات للمدرسة مما يضطر إدارة المدرسة لنقل لوازمها المدرسية بالأيدي عبر الحاجز، عدا عن الاستفزازات اليومية من قبل المستوطنين، ومرور سياراتهم أمام المدرسة بسرعة كبيرة مما يؤدي إلى تعرض حياة طلابنا للخطر. وأضاف: أغلقت المدرسة 101 يوم بحجة الاعتداء على المستوطنين، وكان التدريس يتم على الحواجز والطرقات المؤدية لها. إبراهيم عياد، عمل في المدرسة 12 عام حيث كان قبلها يعمل في دار المعلمين (العروب)، وأوضح انه تم نقله من قبل الاحتلال الإسرائيلي كعقوبة له، لكن سرعان ما تحولت العقوبة إلى انجازات كبيرة للمدرسة من خلال التحديات التي واجهت المدرسة، وأضاف: أبرز هذه التحديات يتمثل في صغر حجم ملعب المدرسة، حيث قسمه الاحتلال إلى قسمين استولى على القسم الثاني لاستخدامه في أعيادهم ومناسباتهم، وعاد واستولى على الجزء الأول باعتباره أملاك غائبين، على حد زعمهم. أما بركة السلطان القريبة من المدرسة فتعتبر مستنقع للمياه، وخلال فترة الربيع تكثر الحشرات الضارة والسامة باعتبارها مستنقع بجانب المدرسة مما يؤثر على صحة الطلاب حتى قامت البلدية بسحب المياه منها وتجفيفها. في حين كانت سطوح المدرسة من الشيد، ومع مرور الزمن أصبح يتساقط، وأعيد ترميمه خشية على الطلبة والمعلمين من خلال التنسيق مع الجهات المختصة. كما أشاد عياد بالمعلمين في المدرسة وخبرتهم وقدرتهم على تحمل الصعاب فكل منهم يحمل في طياته رسالة وأمانة ينقلها للطلاب، وكذلك تقديمهم حصص إضافية يوم الجمعة لمعالجة الطلبة ضعيفي التحصيل. المعلم المتقاعد محمد أبو صباح فتخرج من المدرسة عام 1970، وذكر أنه كان يأتي للمدرسة طلاب من جميع القرى المحيطة بمدينة الخليل للدراسة، والتعرف على أصدقاء وبناء علاقات من مناطق مختلفة، وان المدرسة تعتبر مركز وقلب المدينة، ولكنها تمر بحالة من الاستهداف اليومي المستمر من قبل سلطات الاحتلال، سوء في الدخول إليها او الخروج منها، حيث لا تتوفر المواصلات وعلى الطالب أن يسير 12 كم2، بعد أن كان يسير نصف كم2 للوصول إلى المدرسة. وأشاد بالطلاب والمعلمين وإصرارهم على فتح أبواب المدرسة رغم الحصار والخنق الذي يحيط بها. وقال: "طلاب الإبراهيمية أصحاب تصميم وإرادة لا تلين، رغم صغر سنهم، وهم أصحاب شأن كبير في قدومهم وصبرهم كل صباح عبر البوابات الالكترونية وما يتعرضون له من المستوطنين". الطالب فارس دعنا في الصف التاسع الأساسي ذكر بأنه يواجه كل صباح ثلاث حواجز، وكل حاجز لا علاقة له بالآخر، وعلى كل حاجز يتعرض للتفتيش والإهانة، يقول: "أحياناً يتم إيقافنا (صلبنا) لساعات طويلة على الحاجز، وإذا لم يتم إيقافنا من قبل الجيش، فلا نسلم من اعتداءات المستوطنين علينا، الذين يقومون برمي القذارة والحجارة علينا دون تدخل جيش الاحتلال لمنعهم، والموجود أصلاً لحمايتهم". وأضاف دعنا: "المستوطنون يتسلون بنا" من خلال شكواهم المتكررة على الطلبة بالاعتداء عليهم هذا بحد ذاته يعمل على إرباكنا في الذهاب للمدرسة، كما يتم اعتقال الطلاب من داخل المدرسة أحياناً، نحن لا نشعر بالأمان أينما وجدنا، ولكن حبنا للمدرسة والعلم الذي هو سلاحنا الوحيد لقهر المحتل والصمود أمام انتهاكاته هو الذي يدفعنا للقدوم إلى المدرسة ومواجهة ما نواجهه من صعاب يومية". واعتبر دعنا مدرسة من أهم مدارس الوطن لتاريخها العريق وصمودها أمام الإخطارات وثبات المعلمين والطلاب من خلال دعم التربية والأهل، وأكد على أهمية دعم ذلك باستمرار التعليم في المدرسة. كما طالب بأن تعمل الجهات المختصة باسترجاع ملعب المدرسة، وتمنى أن يكون للطلاب حصة رياضية أسوة بزملائهم في المدارس الأخرى وممارسة نشاطاتهم المتعددة، كما طالب بإصلاح ملعب المدرسة الحالي. من جانبه عبّر عماد حمدان مدير عام لجنة إعمار الخليل عن اعتزازه بالإبراهيمية وحرص لجنة الإعمار عليها، واعتبارها من أولويات عملهم لوقوعها في قلب المدينة وذلك من خلال ترميمها وصيانتها بشكل كامل، رغم عمل صيانة جزئية للمدرسة من فترة لأخرى وبرغم تعقيدات سلطات الاحتلال. وعبر معلمي المدرسة عن بالغ شكرهم وتقديرهم لجيران المدرسة لما يقدمون من تسهيلات لهم في الوصول للمدرسة، كما عبروا عن تصميمهم بالمضي قدماً بالوصول إلى المدرسة من اجل إرسال الرسالة التي كلفوا بها رغم جميع الظروف التي تحيط بهم، وتوثيق جميع الانتهاكات التي يتعرضون لها يوميا. |