|
زياد كلوت: ما الذي دفعني لكشف المستور عما يدور في فلسطين؟
نشر بتاريخ: 15/05/2011 ( آخر تحديث: 16/05/2011 الساعة: 18:33 )
القدس - معا - في فلسطين حان الوقت للمصالحة الوطنية، عشية إحياء الذكرى الثالثة والستين للنكبة - اجتثاث الفلسطينيين من أراضيهم وإقامة دولة إسرائيل- هذه لحظة مأمولة طال انتظارها. عندما نشرت الجزيرة والغارديان في وقت مبكر من هذا العام 1600 وثيقة حول ما يسمى عملية السلام، دب الرعب في أوساط الفلسطينيين والعالم العربي... وجاءت تلك الوثائق التي عرفت بوثائق فلسطين لتوضح ما كان يدور وراء الكواليس من حوارات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على مدى عشرة أعوام امتدت من 1999 إلى 2010. وقد أوضحت الوثائق العواقب المأساوية لعملية سياسية ظالمة مدمرة كانت قائمة على الافتراض بأن باستطاعة الفلسطينيين بالفعل أن يتفاوضوا على حقوقهم وأن يحققوا تقرير المصير في الوقت الذي يعانون الأمرين جراء الاحتلال الإسرائيلي.
وقد جرى تداول اسمي باعتبار أنني واحد من المصادر التي قد تكون وراء تسريب تلك الوثائق. وهنا أود أن أوضح مدى مشاركتي في كشف تلك الوثائق والدوافع التي حركتني. لطالما عملت من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني، ومن أجل وحدته وبكل ما أوتيت من قوة. بدأت تجربتي الخاصة مع "عملية السلام" في رام الله في كانون الأول من العام 2008 بعد أن عينت مستشارا في وحدة دعم المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتحديد مسؤولا عن ملف اللاجئين. كان ذلك بعد بضعة أسابيع من مؤتمر أنابوليس والذي اتفق خلاله على إقامة دولة فلسطينية مع نهاية عام 2008. لم يمض على عملي في ذلك المنصب أكثر من 11 شهرا حتى قدمت استقالتي في تشرين الثاني نوفمبر من ذلك العام. ومع حلول كانون الأول ديسمبر 2008 وبدل إقامة دولة في فلسطين، شاهدت عبر قنوات التلفزة مقتل ما ينوف عن 1400 فلسطينيا في غزة على يد الجيش الإسرائيلي. وقد أوضحت بالتفصيل الدوافع التي بسببها استقلت من وظيفتي في وحدة دعم المفاوضات وكذلك تقييمي ل"عملية السلام" وذلك في كتاب الاستقالة الذي قدمته للمفاوضين الفلسطينيين في التاسع من تشرين الثاني نوفمبر 2008. "مفاوضات السلام" كانت مهزلة مضللة حيث كانت إسرائيل تفرض شروطها بانحياز بتأييد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فبدل أن تؤدي إلى حل عادل للصراع عن طريق التفاوض، ما تمخض عن مواصلة عملية أوسلو كان تعزيز سياسة اعزل الإسرائيلية وتبرير إحكام القبضة الأمنية على السكان الفلسطينيين وتقطيع أوصالهم. وبدل الحفاظ على الأرض التي كانت ستقام عليها الدولة، أجازت عملية أوسلو تكثيف عملية استعمار المناطق الفلسطينية. وبدل تعزيز التماسك الوطني، كانت العملية التي شاركت فيها وإن كانت مشاركة قصيرة، أداة في صنع الانقسام وتعزيزه بين الفلسطينيين. وفي آخر تطورات شهدتها العملية تحولت إلى مغامرة فظيعة تسببت بمعاناة كانت هي الأشد على الفلسطينيين في قطاع غزة. وأخيرا وليس آخرا، فإن تلك المفاوضات استثنت في أهم جوانبها الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني ألا وهم اللاجئون البالغ عددهم سبعة ملايين. ومن خلال خبرتي على مدى 11 شهرا عملت فيها في رام الله، توصلت إلى نتيجة قاطعة مفادها أن منظمة التحرير بتركيبتها الحالية ليست في حال يؤهلها لتمثيل حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني. والمحزن أن الفلسطينيين لم يكونوا على إطلاع على مصير حقوقهم الفردية والجماعية من خلال المفاوضات، ولم يحملوا قادتهم السياسيين المسئولية عن قراراتهم وعن تخاذلهم. وبعد أن قدمت استقالتي تبلورت لديّ القناعة بأن من واجبي أن أطلع الجمهور على ما يجري. بعد حرب غزة بفترة وجيزة بدأت أكتب عن تجربتي في رام الله. خلصت في كتابي بعنوان (لن تقوم دولة فلسطينية) إلى أن "عملية السلام كانت مسرحية هزلية يقصد منها تعطيل المصالحة الفلسطينية على حساب إراقة الدماء في غزة." وبضمير خالص واستقلالية تامة وافقت بعد ذلك على الإدلاء ببعض المعلومات للجزيرة وخصوصا ما يتعلق بمصير حقوق اللاجئين الفلسطينيين حسب ما كان يدور في حوارات عام 2008. وقد أدلت مصادر أخرى بمعلومات مشابهة رغم أنني لا أعرف هويتها. وما يبرر إطلاع الجمهور العربي والغربي على تلك التطورات التي آلت إليها "عملية السلام" هو أنها تصب في المصلحة العامة للشعب الفلسطيني. ولم يساورني ولا يساورني الآن أدنى شك بأنني كنت أمام التزام أدبي، وقانوني، وسياسي يحتم عليّ أن أمضي قدما. وأنا اليوم اشعر بالراحة بعد أن وصلت تلك المعلومات التي اطلعت عليها عن كثب إلى الفلسطينيين في المناطق المحتلة، وفي إسرائيل، وفي الشتات. وبطريقة أو بأخرى، فقد عادت الحقوق الفلسطينية لتكون في أيدي أصحابها وأصبح الناس في موضع يخولهم اتخاذ قرارات مستنيرة حول مستقبل كفاحهم. كما أن من دواعي سروري أن تلك المعلومات أصبحت في متناول الجهات الدولية المحايدة حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولن يكون بمقدور العالم بعد الآن أن يتجاهل حقيقة أن الفلسطينيين كانوا صادقين في التزامهم بالسلام، لكن مواصلة "عملية السلام" شيئا عقيما بسبب الشروط الحصرية التي انفردت بها القوة المحتلة والتي لا تفضي إلاّ إلى تسويات لا يمكن قبولها في أي مكان على وجه الأرض. وأخيرا فإنني مطمئن لأن شعب فلسطين بغالبيته يدرك أن المصالحة بين جميع أطيافه يجب أت تكون الخطوة الأولى نحو التحرر الوطني. فالفلسطينيون في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، وفي داخل إسرائيل، وفي الشتات يجمعهم مستقبل مشترك. وعليه فإن السبيل إلى تقرير المصير يتطلب مشاركة الجميع من خلال إطار سياسي متجدد. زياد كلوت: عمل في مدينة رام لله كمستشار قانونيّ لدى منظمة التحرير الفلسطينية، ولد زياد كلوت عام 1977. تتحدّر عائلة والدته من فلسطين. هو فرنسي، عاش في باريس ومصر وفلسطين والخليج. هو محامٍ حائز شهادة من جامعة «البانتيون أساس باريس 2» - قسم العلوم السياسيّة. وكانت وكالة "معا" الاخبارية وضمن متابعتها لحملة "الجزيرة" الاعلامية ضد السلطة وكشف الوثائق التي وصفتها بالمستورة، علمت "معا" من مصادر كبيرة في السلطة أنها توجه أصابع الاتهام لموظفيّن سابقيّن في مكتب الدكتور صائب عريقات، في 25 كانون ثاني الماضي، وهما كايتين سويشر وزياد كلوت العاملان السابقان في وحدة دعم المفاوضات. |