وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

وزارة الاسرى تسلط الضوء على التجربة الثقافية للحركة الأسيرة

نشر بتاريخ: 22/06/2011 ( آخر تحديث: 22/06/2011 الساعة: 13:43 )
رام الله- معا- سلطت وزارة الأسرى في تقريرها الضوء على التجربة الثقافية والإبداعية للحركة الوطنية الأسيرة التي تفجرت من واقع الاعتقال وانطلقت في تعبيراتها المجروحة وأشكالها الأدبية والفكرية المختلفة لتشكل شهادات ووثائق عن صمود الإنسان الأسير ومعاركه الأكثر شدة وصعوبة مع السجان وشروط الحياة القاسية في سجون الاحتلال.

وقال التقرير أن الصوت الإنساني ظل معزولا ومقموعا سنوات طويلة قبل أن يسمعه أحد أو يدون مضمونه أي كاتب أو مؤسسة للنشر، وذلك بفعل حالة القمع والاستهداف الوطني والإنساني الذي واجهه الأسرى على يد سلطات السجون ما بين سنوات 1967-1976.

ولا يستغرب أحد أن إجراءات إدارة السجون كانت تستهدف ملاحقة كل ورقة وقلم ودفتر يحصل عليه الأسير، وكثير من الأسرى جرى الاعتداء عليه وعقابهم بسبب إلقاء القبض على أنبوبة قلم معهم أو محاولاتهم كتابة رسالة على (ورق المرجرين) أو حتى إنشاد أغنية في ساعات الليل المظلم هناك خلف القضبان.

لقد اتبعت إدارات القمع في المراحل الأولى من التجربة الاعتقالية كل الأساليب الممكنة لأجل تحقيق هدفها في تطويع المناضل الأسير لإخضاعه تمهيدا لشطبه وطنيا وإنسانيا، فسياسة الاستنزاف العصبي المرهق وسياسة التجويع النفسي والمادي والحرمان المطلق من كل الضروريات الأولية لحياة بشرية معقولة ، وسياسة الإسقاط الوطني والاستهداف الأمني، و سياسة التجهيل و المحو الثقافي و غيرها حفرت علامات دامغة في أذهان و على أجساد المعتقلين

لا يمكن دراسة التجربة الإبداعية للحركة الأسيرة بمعزل عن تلك الظروف القاسية التي عاشها الأسرى في مراحل مختلفة من الاعتقال، ومواجهتهم لسياسة صياغة نفسية المعتقل وتطويعه وفق مقاسات إدارة السجون وأجهزتها الرسمية عندما أعلن الحظر التام على الثقافة الوطنية الإنسانية بل على كل وسيلة ثقافية وفرض حصار ثقافي على الأسرى، وكانت الثقافية الإعتقالية هدفا للمطاردة والملاحقة والتفتيشات والمصادرة فضاعت وصودرت العديد من الإبداعات والكتابات التي سطرها الأسرى داخل السجون.

الكبسولة:
يعتبر إضراب عام 1976 في سجن عسقلان والذي استمر 45 يوما بداية مرحلة جديدة في التاريخ الثقافي للحركة الأسيرة، حيث كان مطلب إدخال الكتب والدفاتر والأقلام عن طريق الصليب الأحمر والأهالي مطلبا رئيسيا في هذا الإضراب، وبفعل الإضراب والمواجهة أسقط الأسرى الحصار الثقافي وسياسة إجبارهم على العمل في مرافق الإنتاج الاسرائيلي ، وبدأت تتبلور المؤسسة الاعتقالية بأبعادها التنظيمية والثقافية ، فعقدت الجلسات الثقافية وصدرت المجلات الثقافية العامة والخاصة، وأصبح عنوان التعبئة الفكرية والثقافية والتعليمية من الاستراتيجيات الوطنية للحركة الأسيرة حيث تحولت السجون الى مدارس وأكاديميات.

ومع كل انجاز يحققه الأسرى في هذا المجال بفعل نضالاتهم لم تسلم إدارة السجون بالواقع، بل استمرت الملاحقة والاستهداف ووجد الأسرى أنفسهم أمام إشكالية إخراج إبداعاتهم الى الخارج كي ترى النور ، ولم يتاح ذلك إلا عبر الكبسولات، وهي ورق شفاف جدا يقوم الأسرى بكتابة إبداعاتهم عليها نحط صغير جدا وكبسلتها بشكل بيضاوي وتهريبها بعدة طرق إما بواسطة الفم، او بواسطة بلعها، وبكل ما يعني ذلك من مخاطرة ومغامرة ومشاق كبيرة، وكثيرا ما تعرض الأسرى للضرب والعقوبات عندما يلقي القبض على الكبسولات التي بحوزتهم.

ولحماية الكبسولة، اشتبك الأسرى كثيرا مع شرطة السجون ودفعوا ثمنا غاليا في سبيل أن تصل الكبسولات الى الخارج أو الى السجون الأخرى بما تحتوي من مواد ثقافية وتعاميم تنظيمية وتعليمات اعتقالية عديدة، وربما تكون بداية الثمانينات هو التاريخ الذي بدأ يقرأ فيه الناس ما كتبه الأسرى من شعر وقصة وخواطر ومسرحيات وعندما نشرت هذه الأعمال في الخارج، بدأ تسليط الضوء على جزء آخر من أدب المقاومة الفلسطينية وهو الأدب الإعتقالي.

وكان الاهتمام بهذا الأدب ليس في المستوى المطلوب، الى أن تطور وبدأت بعض الصحف والمجلات تتناوله وتنشره، و إضافة الى تسليط الضوء عليه من عدد من الكتاب والباحثين واذكر هنا الدكتور حسن عبد الله الذي أصدر مجموعة من الكتب التي ركزت على التجربة الثقافية للأسرى بكافة أشكالها الأدبية.

إبداعات تحدت القيد:
تفجرت مواهب وطاقات ثقافية كثيرة من واقع الاعتقال، واشتهرت الكثير من القصائد التي تحولت الى أناشيد وأغان خالدة كقصيدة عسقلان لمحمد أبو لبن ويا نقب كوني إرادة لصلاح عبد ربه وقصيدة الشبك للمرحوم راجح السلفيتي وقصيدة فضاء الأغنيات للمتوكل طه، إضافة الى العديد من الأعمال الأدبية لسامي كيلاني ووسيم الكردي وحسن عبد الله وفاضل يونس وهشام أبو ضاحي ومحمود الغرباوي وعبد الناصر صالح وعزات الغزاوي ومؤيد عبد الصمد وجبر وشاح وعايشة عودة وبشير خيري و جابر بطة وهشام عبد الرازق وأحمد أبو غوش وغيرهم.

وبدأنا نشهد في السنوات الأخيرة العديد من النتاجات الثقافية للأسرى تحتاج الى من يهتم بها وينشرها ويجري عليها الأبحاث والنقاشات، وهي تؤرخ مراحل مختلفة من تجربة الأسرى، وتنطق بالصوت الإنساني المقهور، وتسجل بطولات وآلام وأحلام بالحرية، وفي نفس الوقت تمثل شهادات دامغة عن الانتهاكات الاسرائيلية الوحشية وما يتعرض له الأسرى من ممارسات تعسفية من تعذيب وإهمال طبي وحرمان وعزل وقمع يومي، وتسطر بطولات فردية وجماعية تشكل بمجملها حكاية وسيرة الحركة الوطنية الأسيرة.

وتعتبر النتاجات الثقافية و الفكرية للأسرى جزءا أصيلا من التاريخ الوطني والكفاحي للشعب الفلسطيني تحتاج الى الاهتمام المؤسسي الرسمي والأهلي حتى لا تضيع ولا يطويها النسيان، وكان مركز أبو جهاد لدراسات الحركة الأسيرة خطوة رائعة وهامة في هذا الاتجاه على طريق توثيق وأرشقه أعمال الأسرى وإبداعاتهم داخل السجون، وكذلك فإن مشروع وزارة الثقافية بنشر أدب السجون وإصدار سلسلة من الكتب حول ذلك خطوة أخرى على طريق إعطاء ثقافة الأسر دورا أساسيا في مقاومة النسيان والاحتلال وتوثيق التجارب الإنسانية لأسرانا وأسيراتنا في سجون الاحتلال.

ولم تتوان وزارة الأسرى في زيادة الوعي حول التجارب الثقافية والإنسانية للأسرى من خلال جائزة الحرية التي تعلنها سنويا، وإقامة نشاطات تكريمية للأسرى المبدعين ثقافيا وفنيا وفكريا.

وربما يكون المشروع المشترك بين وزارة الثقافية ووزارة الأسرى الذي قدم لمجلس الوزراء لتأسيس مركز أبحاث متخصص يهتم بدراسات الحركة الأسيرة وتجاربها وطباعتها ونشرها، مشروعا هاما إذا ما أقر في المستقبل لحماية التراث الوطني والثقافي والإنساني للأسرى الصامدين في السجون.

إن تدريس مساق الحركة الأسيرة في جامعة القدس المفتوحة لأول مرة يحتاج الى تعميمه لكافة الجامعات والمدارس ليكون منهاجا ثابتا يدرس لأجيالنا وطلبتنا وجزء من المنهاج التعليمي الفلسطيني.