وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

موائد الإفطار.. لحظات صعبة يستذكر فيها الصائمون احبة غيبهم الموت او يقبعون خلف زنازين السجن

نشر بتاريخ: 04/10/2006 ( آخر تحديث: 04/10/2006 الساعة: 15:19 )
غزة-معا- تفتح لحظات الافطار الهموم على اتساعها وتنكأ جراحا غائرة في النفس الصابرة المؤمنة بقضاء لله وقدره .. حيث تكون تلك اللحظات مناسبة لتذكر احبة غيبهم الموت او غابوا خلف زنازين السجن .

أسر تتحدث بكل أسى عن ألم برمضان يلم بهم فقط دون غيرهم فبعضهم يفتقد ابناً وبعضهم زوجاً وبعضهم رب منزل وبعضهم الآخر ابنة أو زوجة أو اختا أو اما.

والبعض كان الفقدان قريباً منهم ولأول مرة في شهر يتعلم فيه الجلوس وحيداً إلى مائدة الإفطار في حين يخلو المقعد الأمامي من الحاضر الغائب إما شهيداً أو أسيراً أو جريحاً أو مفقوداً لا يعلم أين الأرض التي تجمعه، أما آخرون فيتجرعون مرارة الحرمان والغياب لسنين متوالية دون أن يبدو بالأفق حلاً لمعاناتهم سوى الاجتماع مع الفقيد الشهيد بالجنة أو الانتظار علّ صفقة تبادل للأسرى يحالف بها الحظ أحد أبناء هذه العائلات.

عائلات فلسطينية يفوق عددها أربعة عشر ألفاً، منها قرابة أربعة آلاف أسرة شهيد إما طفل او شاب أو رب أسرة لم يعد لهم أمل بعودة اللقاء على الأرض فيأملون بلقاء قريب في الآخرة، وقرابة عشرة آلاف أسرة أسير منها أسرة 150 أسيرة فلسطينية بينهن أمهات وزوجات يعيشون هؤلاء على أمل اللقاء علّ صفقة تبادل للأسرى تفرج عن الإفراج عن هؤلاء الأسيرات وبعض الأسرى لا سيما المرضى منهم وممن قضى محكوميات عالية غاب فيها عن مائدة الإفطار ما يربو عن 20 عاماً.
جريح يرفض الإفطار...

من غزة حيث أصبح قعيد كرسي قال الجريح نائل والذي فاقت قصة معاناته كل خيال بشري:" أرفض الإفطار لم أعلم باستشهاد والدتي وشقيقتي سوى أول يوم برمضان".

الجريح نائل الناطور" 14" عاماً فقط يرفض الإفطار برمضان ويصر على الصيام رغم جراحه ويفتقد بالفعل إلى والدته التي يتعلّم ولأول مرة العيش دونها، ويقول:" افتقد لطعام أمي ولروح رمضان التي تبثها بالمنزل ولا أشعر حقاً برمضان".

جدير بالذكر أن والدته وشقيقه وشقيقته استشهدوا جميعاً أثناء هروبهم من منزلهم الكائن في حي الجنينة بمحافظة رفح جنوبي قطاع غزة وكانوا في الطريق منتصف ليلة الرابع من آب / أغسطس المنصرم هاربين من منزلهم خوفاً من أن يطاله صاروخ إسرائيلي فطالهم جميعاً مما أسفر عن استشهادهم وإصابته هو ببتر في ساقه ونجاه شقيقه ووالده فقط.

عائلة الشهيد تأمل باللقاء...

زوجة الشهيد ابراهيم حمدان الملقب بالخميني والذي استشهد في الثالث من تشرين أول/ أكتوبر 2004 أثناء آخر اجتياح إسرائيلي لمخيم جباليا في أيلول/ سبتمبر 2004 تتعلّم حتى اليوم سبتمبر 2006 كيفية العيش دونه وكيفية ترتيب أوضاع وامور أسرتها المكونة من سبعة أطفال بغياب رب الأسرة والأب الحاني.

وتقول:" أفتقد لروحه المرحة وعطفه وقربه اليومي بجانبي ولم أعد أتذوق لرمضان أو ليوم آخر طعماً أو نكهة فقد كان حريصاً على السحور ويساعدني في وجبة الإفطار ويجمع شمل أسرته بقربه ويتعطف على الجميع عدا عن مناسك صلاة التراويح والفجر بالمسجد وصلة الرحم التي داوم عليها، حتى اليوم لا استطيع تخيل أنه غاب عني للأبد".

وبغزة يحاول الأقربون من عائلات الشهداء ملء فراغ عائلة الشهيد والبقاء بقربهم لا سيما برمضان والحرص على تناول وجبات الإفطار معهم والترفيه عن أطفال الشهداء بالزيارات وبفوانيس رمضان الملونة.

والدة أسير قلبها معلق بالمقعد الفارغ...

والدة الأسير شريف صيام " 25" عاماً من غزة تبذل قصارى جهدها وتتمنى ان يطول يوم بقائها بقرب نظيراتها من الأمهات اللواتي ينتظرن أية فرصة لإلقاء التحية على أبنائهن الأسرى خلف قضبان الاحتلال عبر شاشات الفضائيات التي تتابع اعتصامهن الأسبوعي كل اثنين حيث تحرص على القدوم أو عبر التحدث عنهم لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة.

وتقول:" هذا سابع رمضان أقضيه دون ان أرى فلذة كبدي الأكبر بجانبي وتمر أيام أشعر بها بالمرض وأتصبر بقليل من الصبر وكثير من الصلاة والدعاء ولكن لم أعد احتمل المزيد من السنين" .

وتشير إلى أنها رأته الأسبوع الماضي وقد تغيرت هيأته وتبدلت صحته معتقدة أنه معتلا مما يزيد في وحدتها خاصة في شهر رمضان حيث تكثر من الصلاة والدعاء آملة من الله الإفراج عنه.

أما والدة الأسير حسين اللوح فتعتقد أن منعها عن زيارة نجلها في سجن نفحة بمثابة أكبر أذى معنوي لها كونها لم تره منذ سبع سنوات ثلاث قضاها في رام الله حيث كان احد أفراد حرس الرئيس الراحل ياسر عرفات وأربعة قضاها في السجن حيث تم اعتقاله أثناء عودته من رام الله إلى غزة.

وتقول:" رمضان بائس بالنسبة لي فهذا سابع رمضان يقضيه ابني الأسير حسين بعيداً عني وعن أشقائه ويزيد من معاناتي استشهاد ابني الأصغر منه في حادثة في غزة قبل سنوات وهذا يشعرني بأن رمضان غابت نكهته الجميلة أثناء وجودهم بالسابق بجابني وبجانب والدهم المسن".

"جيبيلنا يا ماما الشورما اللي كان بابا يجيبها والألعاب " ،" كان بابا ياخدني معاه على الجامع ".

بهذه الكلمات بدأ الطفل أنس يلح على والدته زوجة الشهيد نافز أبو حسين مذكرا بوالده في أول أيام شهر رمضان المبارك الذي يصادف ثاني أيامه الذكرى السنوية الأولى على الاستشهاد .

و تبكي زوجة الشهيد نافز المعروفة " بأم أنس " قائلة " لقد رأيته في منامي شهيدا قبل استشهاده و قد صعدت روحه الطاهرة السماء و الحمد لله ".

وتروي زوجة الشهيد أبو حسين أن ذكراه لا تفارقها وأنها كثيرا ما تراه في منامها وتشعر أنه على رأس عائلتها ويظلل عليها وعلى أطفالها الثلاثة وأن هذه الرؤى الكثيرة هي من فضل الله على من ابتلى صبرهم وإيمانهم وتضيف أن من مظاهر رحمة الله أن نجلها أنس تمنى أن يرى والده والا به ياتيه في المنام و يقبله في الجامع ثم يصحبه إلى المنزل كما روت عن نجلها .

واستذكرت زوجة أبو حسين الطعام الذي كان يحب تناوله مضيفة أنها تحب القيام بطبخ " المسقعة " وشوربة العدس لتشعر بأنه لا يزال في وسط عائلتها في هذه الأجواء الرمضانية المباركة كما أنها تتنهد بحرقة وتبكي من الداخل كلما مرعلى خاطرها أو سألها عنه الأبناء واستذكره الأهل والأصدقاء .

وتتذكر زوجة الشهيد أبو أنس الذي يعمل في احدى ورش الخراطة بغزة أنها بكت كثيرا يوم استشهاده عندما سمعت بأن وسائل الاعلام أعلنت عن استشهاد المواطن رواد فرحات آنذاك واستشهاد آخر مجهول الهوية في قصف صاروخي لسيارتين في حي الزيتون بغزة في يوم السبت الذي وافق 24 /9/2005م مضيفة أن الشهيد نافز كان هو ذلك الشهيد مضيفة أن الصراح ملأ جميع أرجاء المنزل حيث تملك أم أنس احدى الشقق في منزل عائلة الشهيد.

وتعبر زوجة الشهيد عن سعادتها بأنه مر عام على استشهاد زوجها إلا أن أحد أصدقائه أهدى روحه عمرة و قام ابن عمته بالقيام بالحج نيابة عنه لتحتسب عن الله له وتضيف أن من علامات السعادة الممتزجة بالحزن على الفراق التي ظهرت في حياتها بعد استشهاده هي محاولات نجلها تقليد حركاته و كلامه .

يبقى السؤال الذي يفرض نفسه إلى متى سيظل الفلسطينيون يعانون الألم و الحزن و القهر تحت الاحتلال و العالم العربي و الاسلامي و المجتمع الدولي دون حراك و كأن شيئا لم يكن ؟