|
هل تحلّ مشكلة مسلسل محمود درويش على فنجان قهوة ؟
نشر بتاريخ: 04/08/2011 ( آخر تحديث: 04/08/2011 الساعة: 18:35 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير - لم اشاهد اية حلقة من مسلسل حضور الغياب عن حياة محمود درويش ، لكنني شاهدت العاصفة التي ولدها هذا المسلسل ، وحين سمعت ان نحو 2000 من المثقفين والمهتمين وقّعوا عريضة ضد المسلسل ، وانا من الذين يؤيدون بشدة تخليد اعمال مبدعينا وابطالنا من خلال مسلسلات وافلام ، ولا اعرف سبب صعوبة التنسيق لانجاح مثل هذه الاعمال مع عوائل ومؤسسات الذين رحلوا عن الدنيا وتركونا . فقد حاولت معا قبل سنوات تخليد الراحل عرفات من خلال مسلسل الا الامور كانت اصعب مما تخيلنا فرفعنا الراية البيضاء وتوقفنا عن العمل .
وقد هالني حجم رد الفعل حول مسلسل محمود درويش ، لكن الاهم في شهر رمضان بالنسبة لنا نحن معشر المدخنين كان فنجان القهوة . القهوة تلك " المعبودة السمراء" التي لا نعرف كيف اصبحت من عاداتنا اليومية . رغم انها لا تزرع هنا ، والاولى أننا نحن الفلسطينيين والعرب ان ندمن على البندورة مثلا او التفاح او البامية او العنب او السفرجل او التين والفجل والبقدونس ... فالقهوة ليست من سكان بلادنا ، وانما تأتينا من 70 بلدا اخر تنمو فيها . ويقال أن البن الأخضر هو ثاني أكثر السلع تداولا في العالم بعد النفط الخام وان القهوة هي واحدة من المشروبات الأكثر شعبية في جميع أنحاء العالم.وسواء كان الاثيوبيون او غيرهم من الافارقة اول من اكتشفها فقد لعبت القهوة دورا هاما في كثير من المجتمعات على مر التاريخ. فقد كانت تستخدم في أفريقيا واليمن في الاحتفالات الدينية. ونتيجة لذلك، حظرت الكنيسة الاثيوبية استهلاكها المدني حتى عهد الامبراطور منليك الثاني من اثيوبيا.وقد تم حظرها في العهد العثماني في تركيا في القرن السابع عشر لأسباب سياسية، حيث ارتبطت بالأنشطة السياسية المتمردة في أوروبا. وانا اذكر كيف كنت لا اطيق طعمها ، فهي تحمل المرار وان كانت ملقمة بالسكر ، لكنها دخلت الى برنامجي اليومي مثل غيري من كثرة ما يقدمها الناس ، ثم اكتشفنا انها ارخص واسهل ضيافة ممكنة ، وان سيدات المنازل يفضلنها على غيرها ... ثم انتقلت للمقاهي والمطاعم والقصور والحارات وصولا الى الزنازين لتصبح حقا مشروعا لكل ادمي يريدها .وبصراحة لم اسمع ان ايا من الحيوانات يستطيب طعمها . كتب عنها الروائي الصحافي السياسي البرازيلي جورج امادو وعن الكاكاو ، وعن طريقها كتب تاريخ نضال بلد بأكلمه من خلال رواياته الشعبية التي جمعت الصعلكة بالادب الرفيع ... ثم جاء محمود درويش وقال انها القهوة . هي هذا الصمت الصباحي الباكر المتأني، وانها الشئ الوحيد الذي تقف فيه وحدك مع ماء تختاره بكسل و عزلة في سلام مبتكر مع النفس والأشياء وتسكبه على مهل في إناء نحاسي صغير و داكن و سري اللمعان ، أصفر مائل إلى البني ثم تضعه على نار خفيفة ، آه لو كانت نار الحطب.......... وقال ان القهوة هي مفتاح النهار ، هي أن تصنعها بيديك لا أن تأتيك على طبق لأن حامل الطبق هو حامل الكلام . والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت، الفجر نقيض الكلام ورائحة القهوة تتشرب الأصوات ولو كانت تحية رقيقة مثل صباح الخير وتفسد.... ولأن القهوة فنجان القهوة الأول هي مرآة اليد واليد التي تصنع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها وهكذا فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار. أعرف قهوتي وقهوة أمي وقهوة أصدقائي أعرفها من بعيد وأعرف الفوارق بينها .. لا قهوة تشبه قهوة أخرى ليس هناك مذاق اسمه مذاق القهوة فالقهوة ليست مفهوما وليست مادة واحدة وليست مطلقا . ولكل شخص قهوته الخاصة الخاصة إلى حد أقيس معه درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية بمذاق قهوته، ثمة قهوة لها مذاق الكزبرة وذلك يعني أن مطبخ السيدة ليس مرتبا ، وثمة قهوة لها مذاق الخروب ذلك يعني أن صاحب البيت بخيل . وثمة قهوة لها رائحة العطر ذلك يعني أن السيدة شديدة الاهتمام بمظاهر الأشياء . وثمة قهوة لها ملمس الطحلب في الفم ذلك يعني أن صاحبها يساري طفولي . وثمة قهوة لها مذاق القدم من فرط ما تألب البن في الماء الساخن ذلك يعني أن صاحبها يميني متطرف . وثمة قهوة لها مذاق الهال الطاغي ذلك يعني أن السيدة محدثة النعمة. لا قهوة تشبه قهوة أخرى لكل بيت قهوته ولكل يد قهوتها لأنه لا نفس تشبه نفسا أخرى ، وأنا أعرف القهوة من بعيد تسير في خط مستقيم في البداية ثم تتعرج وتتلوى وتتأود وتتلوى وتتأوه وتلتف على سفوح ومنحدرات تتشبث بسنديانة أو بلوطة وتتغلب لتهبط الوادي وتلتفت إلى ما وراء وتتفتت حنينا إلى صعود الجبل وتصعد حين تتشتت في خيوط الناي الراحل إلى بيتها الأول. رائحة القهوة عودة وإعادة إلى الشيء الأول لأنها تتحدر من سلالة المكان الأول، هي رحلة بدأت من آلاف السنين وما زالت تعود ، القهوة مكان . القهوة مسام تسرب الداخل إلى الخارج ، وانفصال يوحد ما لا يتوحد إلا فيها هي رائحة القهوة ، هي ضد الفطام ، ثدي يرضع الرجال بعيدا ، صباح مولود من مذاق مر . حليب الرجولة والقهوة جغرافيا. |