|
د. سلمان محمد سلمان :ضاع حتى الآن ما يعادل 300 مليون ساعة دراسية على طلاب المدارس الحكومية
نشر بتاريخ: 25/10/2006 ( آخر تحديث: 25/10/2006 الساعة: 11:54 )
قلقيلية - معا - ضاع حتى الآن حوالي نصف الفصل الأول من العام الدراسي. وهذا يعادل 300 مليون ساعة طالب دراسية. ضاعت هذه الفترة هباءا دون أي إنجاز أخلاقي او مادي. ويبدو أنها ضاعت دون اهتمام منظمي الإضراب أو الحكومة فبئس موقف الطرفين.
هل هذا آخر ما تفتق عنه الذكاء الفلسطيني الذي تفاخر دائما بتميزه التعليمي. هل هذا ما وصلنا إليه بعد ان مارسنا الديموقراطية "وأثبتنا أننا شعب حضاري". ألا سحقا لهذه الحضارة. سؤال أول للمضربين: هل قمتم بهذا الإضراب بعد تفكير في الأسباب والنتائج أم أنكم سرتم كالقطيع وحسب المثل "معاهم معاهم عليهم عليهم". هل استمرار الإضراب يحقق دفع الرواتب أصلا. وهل يعالج الوضع الفلسطيني بإضراب شامل مانع ماحق حارق مرة واحدة ودون خطوات تصعيدية وبعد قضاء عطلة صيفية طويلة أصلا. أليس واضحا للجميع ان عجز الحكومة عن الدفع سببه الحصار. وان رفع الحصار يتطلب تنازلا سياسيا او تنازلا عن الموقع لمتنازل سياسي. ألا يعني ذلك أنكم تمارسون السياسية بحجة الإضراب. بل سياسة حزبية مصلحية ضيقة أيضا وبإضراب يهدم تعليم أطفالكم وبدون أي إنجاز محتمل. إضراب شامل لكل مؤسسات الحكومة. أليس هناك فرق للتعامل كرزمة واحدة. هل تأخر الخدمات يؤذي بنفس الدرجة. الصحة لا تحتمل الإضراب للحالات الطارئة لأن موت المريض لا يحتمل المراجعة. لكن إضراب الصحة غير تراكمي فإذا مر اليوم بخير كأن الإضراب يبدأ من جديد. أما إضراب التعليم فهو تراكمي. لا يبدو مدمرا تعطيل يوم لكن تراكمه لا يقبل التصحيح إذا تجاوز حدا حرجا. إضراب التعليم كل يوم يجمع نقصا في تراكم الفترة التعليمية وكل يوم جديد يؤدي لفقدان جديد. الم تفكروا في أطفالكم المشردين منذ خمسة اشهر. والي اللجنة المشرفة على الإضراب: نسمع كل فترة تصريحات ممثلي اتحاد المعلمين النارية ولا نسمع منها إلا التهديد بالخراب. هل أصبحت مهمة اتحاد المعلمين وضع الإنذارات والشروط بمستوى تهديدات زعماء الدول العظمى. عندما اسمع تصريحات مسئولي الإضراب يخطر على بالي إنذار الرئيس بوش للرئيس العراقي: أترك البلد او الدمار. وهكذا تكون مطالب اتحاد المعلمين: الدفع الكامل او الإضراب الكامل ولا حلول وسطية. فالحلول الوسط فقط مع الاحتلال أما بين الأخوة فالجذرية هي الطريق. يا لهذه الجذرية. فنحن نعيش الأصولية بكل تجلياتها. أم ربما المسالة غير ذلك وان البضاعة تتطلب الدفع المسبق لأنها ثمينة او غير ذلك. هل أصبحت المسألة صفقة بيع لا يثق فيها الطرفان بالتسليم قبل الدفع وما نوع هذه العلاقة. ولكن إذا كان الأمر كذلك لماذا تقوم الحكومة بالدفع إطلاقا. أليس طبيعيا بهذا المنطق ان ترد الحكومة بشرط الدوام الكامل او منع الدفع الكامل. هل هذه هي الطريق. هل فكر الاتحاد بالدمار الذي يجلبه على الشعب بإجماله. وهل أدركوا ان تدمير التعليم التراكمي سيدفع الطلبة ثمنه سنوات من التجهيل. أم ان نبراسهم سنوات الانتفاضة الاولى عندما أغلق الاحتلال المدارس وتم سلق فصل دراسي. هل يعتبرون مساوئ الاحتلال مرجعية يقتدى بها. رغم هذا فذلك كان ارحم لان الاحتلال أغلق المدارس لكن الناس قامت بالتعليم الشعبي. لقد تطرق اتحاد المعلمين لاستعارة اللجوء للتعليم الشعبي لحل تأخير الدوام. هل هذا لغز. كيف نمنع المدرسين من العمل نهارا مقابل اجر مؤجل ليقوموا بالتطوع غير المنظم في المساء دون اجر. أي تهريج هذا وكيف أستطيع كمواطن التعاطف مع توجه من هذا النوع. والى من يداومون في المدارس رغم دعوة الإضراب: إنكم أشجع الناس حقا ومع ان منكم جزءا مؤكدا يداوم تضامنا حزبيا مع الحكومة إلا ان هناك أعدادا كبيرة يداومون من منطق مصلحة وطنية حقيقية دون مكاسب حزبية ويتحملون طعن المضربين بالتزامهم ولا يجدون من الحزب الحاكم من ينتبه لتميزهم. ولا يقبضون رواتبهم حالهم مثل المضربين. ويتحملون كل ذلك بروح وطنية نبيلة فحيا الله عمق انتمائكم. طبعا هناك أعداد كبيرة من المعلمين المضربين أيضا لا يرغبون الإضراب ويفضلون الدوام. لكن نصيبهم ان مدارسهم لا تدوام بالأغلب فيصبح دوامهم شكليا وغير منتج وهم يعلنون أنهم يفضلون الدوام. ومن أرقام المضربين نجد ان نسبة المدرسين المداومين تصل الى 50% من إجمالي المعلمين. يعني ان كل المضربين لأسباب حزبية او لسبب عدم جدوى دوامهم لا يمثلون نسبة تحكم تستحق الالتزام العام. فوق هذا ما معنى الدعوة لتوسيع الإضراب للخاصة والوكالة. هل هو التضامن في الخير أم لتحقيق الأذى بأكبر قدر ممكن لضمان شطب العام الدراسي للجميع. ماذا يعني إغلاق الآفاق بهذا الشكل وهل هذا سلوك مسئول حقا أم أنها المناكفة. هل هذه هي الطريق لتحصيل الحقوق او حتى لإسقاط الحكومة. إذا كان الغرض تحصيل الحقوق فما يتم لن يحقق شيئا بل سيراكم الخسائر. وان كان الهدف إسقاط الحكومة فهو لن يحقق إسقاطها بل سيزيد حدة الصراع فقط. ان ما يحصل لا يمكن تفسيره إلا بسلوك غير حضاري يعتمد على غرائز العدوان والاختلاف البدائية. والى الحكومة هل من المعقول التعامل مع الأمر بهذا العجز . ولماذا لا يتم تمييز إضراب التعليم لخطورته التراكمية. رواتب المعلمين تصل حوالي 25 مليون دولار شهريا. أليس ممكنا توفير 70% منها بشكل مؤكد ومنتظم مع العلم ان الحكومة تدفع الآن 60% منها ضمن دفعات ال 1500 شيكل. ألا يمكن وضع اتفاق واضح لحسم الأمر مع المعلمين وإيجاد تسوية. أم ان من الممنوع تجزئة الإضراب بسبب الخوف من استخدام التهديد لتنفيذه (وهذا ما ذكره أحد المسئولين). بل أضاف بان الدفع لا يجدي فمهما دفعت سيستمر الإضراب. هذا مؤشر خطير لدور الحكومة ومسئوليتها ولكنه لا يعفيها من العمل على تجاوز المرحلة بمنطق وإبداع آخر. وصلت الحكومة لنتيجة ان فك الإضراب غير ممكن إلا سياسيا ولذلك فهي تعالجه سياسيا فقط. ومع ان ذلك مفهوم من المنظور الشامل إلا ان التعامل معه بهذا الشكل تفصيليا ودون مراعاة لتأثيرات الإضراب اليومية يحقق الظلم للمضربين غير المسيسين مرة لأنه لا يراعي حقوقهم النقابية. ويظلم المداومين مرتين: لأنه لا يكافئ التزامهم ودوامهم بأي شئ ولا يراعي حرصهم الحقيقي على مصالح الناس التفصيلية. ولأنه يهمل أهمية كسرهم للإضراب لأسباب وطنية إنسانية مما قبل السياسة ولا يحترم جهدهم المميز لتوفير حل لمشكلة الإضراب تقوم على اساس انتماء الجميع للوطن قبل الخلاف السياسي. عندما تتعامل الحكومة مع الإضراب كرزمة وبأجندة سياسية فقط فهي تحقق أهم شروط من خطط للإضراب وتلعب في ملعبهم وبوسائلهم. وهذا خطأ حتى من الناحية الحزبية البحتة. وهو بالتأكيد عجز لأنه لا يراعي تفاصيل وتنوع التدمير الناتج عن الإضراب ولا يراعي تحقيق العدل في المعالجة ويرسخ قيمة الضغط السياسي الممارس لتحقيق التنازل السياسي وكأنه يوجه الناس ان لا مخرج لهم إلا التنازل او الجوع. ان مهمة الحكومة عدم السماح بحصول هذا الاستقطاب وعليها العمل بكل الجهد لإقناع الناس ان الصمود هو الطريق الوحيد للعيش الكريم معنويا او ماديا وان الضغط المادي سوف يجد حلا وسيكون أسهل معالجة عندما يتم إنهاء الإضراب المسيس. أما ترسيخ الشعور لدي الجمهور بان المسألة حسمت ولا بديل لها وهي إما التنازل السياسي او الجوع الدائم فهذا ما يرغب من فرضوا الحصار إيصالنا إليه وهو يحقق هدف الحصار بمجرد البدء بالتعامل معه بهذه العقلية. يبدو ان حماس تقع في خطأ بمعالجتها ولعل وصفا لأحد المعلقين يصلح للحالة: حماس لا تظلم الناس ولا تسرقهم لكنها لا تعمل شيئا عمليا لمنع الظلم الذي يقع عليهم. وهي حرمت المنتفعين والفاسدين من التحكم بأموال ونفوذ لكنها تكاد تحرم معهم الشعب من العيش. وحماس تمسكت ببطولة بمبادئ الثوابت لكنها من شدة التمسك تكاد تخنق الثوابت وتفقدها الغرض من التمسك بها وهو تحقيق الصمود الدائم والوصول أخيرا للنصر والتحرير. أليس كذلك. أخيرا نتوجه لفتح والفصائل خارج الحكومة والشعب بمختلف توجهاته: يكفي. وعلينا جميعا إخراج التعليم من دائرة الصراع ولا يعقل ان نقبل استمرار دفع أبنائنا الثمن. ألا يكفي أننا لا نعمل لمستقبلهم. فلنحافظ كحد أدنى على أقل حقوق حاضرهم. د. سلمان محمد سلمان - أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية - قلقيلية - فلسطين |