وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رغم اجراءات الاحتلال لاعاقة وصولهم: عشرات الاف المواطنين يحيون الذكرى الثانية للشهيد ياسر عرفات في رام الله

نشر بتاريخ: 11/11/2006 ( آخر تحديث: 11/11/2006 الساعة: 15:18 )
رام الله- معا- شارك عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينين في حفل تأبين الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي تصادف اليوم ذكرى رحيله الثانية.

وبرغم إجراءات الاحتلال التي أعاقت وصول الآلاف من المواطنين الى مقر المقاطعة في رام الله حيث مكان الاحتفال الا ان الآف المواطنين تمكنوا من المشاركة مع لفيف من الشخصيات الوطنية والدينية في الاحتفال التأبيني الذي تخللته العديد من الكلمات.

وقال الرئيس محمود عباس في كلمته إن أي برنامج لا يعتمد البرنامج الوطني الذي حظي باجماع شعبي وتأييد دولي وعربي لن يكون من شأنه سوى تقديم الذرائع لاسرائيل لكي تواصل عدوانها ولمنع قيام الدولة الفلسطينية، مشددا على أنه منذ الانتخابات الرئاسية والتشريعية وهو يبذل الجهود لكي ينهي التعارضات القائمة في برامج القوى المختلفة.

وقال الرئيس:" أبشر ابناء شعبنا بتحقيقنا تقدما كبيرا على طريق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، متوقعا أن ترى النور قبل نهاية هذا الشهر".

كما استذكر الرئيس عباس في كلمته مناقب ومحطات في تاريخ الراحل ياسر عرفات، معلنا تأسيس وقيام مؤسسة الشهيد ياسر عرفات الخيرية التي ستعنى بادارة مجمع الشهيد وتعنى أيضا بجمع تراثه والقيام بأعمال خيرية في مجالات الاعمار والتربية.

وقال الرئيس عباس:" إننا لن نحيد قيد أنملة عن مبادئ ياسر عرفات وأهدافه، وإن السلام المنشود هو السلام الذي وقع عليه ياسر عرفات، إنه سلام الشجعان، السلام الذي يعيد لنا حقوقنا".

كما شددت الكلمات الأخرى التي ألقيت في الحفل على الوفاء للرئيس الراحل وضرورة السير على نهجه، بالاضافة الى تعداد مناقبه واستذكار ابرز اللمحات والمحطات التاريخية في حياة أبو عمار وتاريخ الثورة الفلسطينية.

وفيما يلي نص كلمة الرئيس ابو مازن في مهرجان التابين:

بسم الله الرحمن الرحيم
"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" صدق الله العظيم


يا جماهير شعبنا الفلسطيني الصامد في الوطن والمخيمات والشتات
يا أبطال فلسطين في سجون الاحتلال ومعتقلاته
يا جماهير أمتنا العربية
يا أصدقاء شعبنا في العالم
أيها الأخوات، أيها الأخوة
نلتقي اليوم في المقاطعة، في عرين وقلعة وعنوان الصمود العظيم لقائد ثورتنا وشعبنا، القائد التاريخي الرئيس الشهيد ياسر عرفات، الذي كرَّس حياته من أجل عزة وكرامة شعبه، ودفع حياته من أجل حرية فلسطين واستقلالها.

نلتقي اليوم في الذكرى الثانية لاستشهاد ياسر عرفات، لنُجدِّد العهد والقسم لشعبنا الفلسطيني، بأن طريق الحرية والاستقلال الذي شقه الرئيس الراحل، هو طريقنا، وبأن عهد ياسر عرفات هو عهدنا، وأن قَسَمه هو قسمنا. لأن قدرنا أن نحمل الرسالة، وأن نُؤدي الأمانة التي من أجلها ضحى شعبنا جيلاً بعد جيل، وقدَّم قوافل الشهداء على مذبح حرية الشعب واستقلال الوطن.

إن شعلة الحرية التي أضاءَها ياسر عرفات، في الأول من يناير 1965 بانطلاقة حركتكم الرائدة حركة "فتح"، ستبقى مرفوعة وستبقى مُشتعلة، لأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء مهما تمادى الاحتلال في عدوانه وحصاره واستيطانه وجداره العنصري.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة
اليوم، ودماء شهدائنا في بيت حانون لم تجف بعد، دماءُ لأطفالٍ ولنساءٍ أبرياء، الذين سقطوا في مذبحة همجية إسرائيلية جديدة ومتجددة، حيث لا يمر يوم دون أن تَرتكب قوات الاحتلال الإسرائيلية جريمةَ قتل وجريمةَ تدمير لبيوتنا وأرضنا وحقولنا واقتصادنا الوطني، وتفرض حصاراً وعقاباً جماعياً بمئات الحواجز والجدران التي حولت مدننا وقرانا ومخيماتنا إلى سجونٍ ومعسكراتِ اعتقال، مما يشل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية في عموم الأراضي الفلسطينية.

لقد رأى العالم ما اقترفته قوات الاحتلال ودباباته وجرافاته وصواريخه وقنابله المُحرمةُ دولياً من قتل جماعي لأهلنا في بيت حانون على مدى أسبوع كامل، ونسأل العالم هنا أيُ قانون وأيُ عدالة وأيُ حق يُبيح لإسرائيل أن تقتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وحتى رجال الإسعاف؟ وأن تقطع الماء والكهرباء، وتمنع وصول المواد الغذائية لثلاثين ألف فلسطيني محاصرين بالدبابات والرصاص في بيت حانون؟ وأيُ قانون دولي وشرعية دولية تُعطيهم حق قصفِ البيوت الآمنة واغتيال الأطفال في أحضان أمهاتهم وترويعِ شعبِ بأسره؟.

إنني من هذا المكان الطاهر الذي ترفرف فوقه روح ياسر عرفات أقول باسم شعبنا الفلسطيني: إن الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية يجب أن ينتهي.

والاستيطان باطل من أساسه وغيرُ شرعي من بدايته ويجب أن يزول عن أرضنا، وأن القدس الشريف هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، وإن ضمها وتطويقها بالجدار العنصري والمستوطنات والقلاع الإسمنتية كلُها وقائعٌ مصطنعة فرضها الاحتلال بالقوة الغاشمة، وهي حتما بإذن اللهً إلى زوال.

لن يتحقق الأمن والسلام في ظل الاحتلال والاستيطان وضم القدس الشريف لإسرائيل، وهنا اسمحوا لي أن أضع النقاط على الحروف وأقولَ بكل وضوح، إن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن شبر واحد من أرضه وفي المقدمة القدس الشريف، وعلى إسرائيل إن كانت تريد السلام أن تُطبق قرارات الشرعية الدولية وتنسحب من الأراضي الفلسطينية والعربية إلى خط الرابع من حزيران- يونيو عام 1967، وأن تعترف بحقوقنا الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرف.

لقد حان الوقت لحكومة إسرائيل أن تُدرك بأن استمرار احتلالها واستيطانها لأرضنا هو أمر مستحيل وأن القوة العسكرية - مهما طغت - لن تكسر إرادة الصمود في شعبنا ولن تجبره على الركوع والرضوخ والاستسلام، فالزمن ليس في صالح الاحتلال ومحاولاتِه لفرض الأمر الواقع، فقد انتهى عهد الاحتلال واضطهادُ شعب لشعب آخر، والاستيلاء على أرضه ووطنه بالقوة في كل أنحاء العالم، لكنه لازال رابضاً على أرضنا، وسنبقى صامدين صابرين في وطننا متمسكين بحقنا، حتى ننال حريتنا واستقلالنا وتقريرَ مصيرنا، مهما طال الزمن.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة
لقد اخترنا طريق السلام والمفاوضات وقبِلْنَا قرارات الشرعية الدولية، ورؤية الرئيس بوش لحل الدولتين، وفي إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وخطة خارطة الطريق، بما فيها المبادرة العربية، وبادرنا إلى التهدئة من جانب واحد، ورحبنا بدور فاعل للجنة الرباعية الدولية، إلا أن حكومة إسرائيل تُضيِّع الفرص، وتتهرب من الجلوس على طاولة المفاوضات، وتُمعن في احتلالها واستيطانها وحصارها وتوغلاتها في أرضنا، وما حدث في بيت حانون مثال حي على الموقف والسياسة الإسرائيلية تجاه شعبنا، وتجاه الأمن والسلام في الشرق الأوسط، وما جرى في بيت حانون يجري مثله يومياً في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية دون تمييز، يجب أن نتذكر أن إسرائيل ترتكب جرائمها وحماقاتها في كل مكان في فلسطين.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة نُعبِّر جميعنُا اليوم عن الوفاء للرئيس الشهيد ياسر عرفات، الذي كرَّس حياته كلها من أجل وطنه فلسطين، فقد عاش النكبة وذاق مرارة اللجوء والتشرد وتمرد على الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا في عام النكبة عام 1948، واستطاع في سنوات البناء الثوري أن يكون القدوة والطليعة والقائد الرائد، الذي يبني الخلايا الثورية ويبني البؤر والقواعد الارتكازية، ويصنع أسطورة معركة الكرامة الخالدة في عام 68، ويقود قوات الثورة في حرب أكتوبر- تشرين الأول1973، وانتزع عام 1974 بصلابته وإخلاصه لشعبه من مؤتمر القمة العربية في الرباط، قرار القمة التاريخي بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فلا أحد ينطق باسم الشعب الفلسطيني غير منظمة التحرير.

فانتهى بذلك وإلى الأبد زمن الضياع، وبدأ زمن الرقم الفلسطيني الصعب يفرضُ حضورَه على المستويين العربي والدولي، وسجل أبو عمار في خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية عام 1974 حدثاً لا زالت تتردد أصداؤه، منتزعاً من الجمعية العامة الاعتراف بمنظمة التحرير وبحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة وغير القابلة للتصرف.

وفي عام 1982 قاد أبو عمار معركة مواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان، فكان الصمود البطولي في بيروت لمدة 88 يوماً، أعقبها استقبال الرؤساء والملوك العرب له في مطار الرباط في أكتوبر عام 82، تعبيراً عن تقديرهم لياسر عرفات الذي صمد هذا الصمود المشرف في بيروت أمام الآلة الحربية الإسرائيلية.

وقد أصدرت هذه القمة القرار العربي التاريخي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 67، وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية.

لقد توهم قادة إسرائيل بأن إخراج منظمة التحرير وقواتها من لبنان سيقضي على النضال الفلسطيني، ولم يدر في خَلَدهم أن هذا الشعب خلاق في مقاومته، فكانت الانتفاضة البطلة، انتفاضة أطفال الحجارة التي أبرزت قيادات جديدة شابة داخل الوطن، أدارت النضال ضمن إطار القيادة المُوحدة للانتفاضة التي أشرف عليها ووجهها الرئيس الشهيد، فكانت الانتفاضة بما قدمته من نموذج في النضال الجماهيري، رافعةً لقضيتنا على المستوى الدولي والعربي والإقليمي.

وكان انعقاد مجلسنا الوطني عام 1988 في الجزائر، ليزفَّ فيه ياسر عرفات إعلان الاستقلال الوطني وقيام دولة فلسطين المستقلة على أرض فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف.

ونذكر أنه فور هذا الإعلان أكثر من 80 دولة بادرت إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفتحت لها ممثليات حتى زاد العدد على 120 دولة. وفي عام 1993 فُتحت لشهيدنا وقائدنا أبواب البيت الأبيض، حيث رعى الرئيس الأمريكي كلينتون حفل التوقيع على اتفاق أوسلو، وتبادل أبو عمار مع اسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل وثائق الاعتراف المتبادل، بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل. وفي تموز- يوليو 1994 يدخل ياسر عرفات ظافراً ومرفوع الرأس إلى قطاع غزة ليقيم فيها أول سلطة وطنية فلسطينية لتشكل النواة الصلبة لدولة فلسطين المستقلة الفادمة بإذن الله.

لقد تمسك ياسر عرفات بالحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتةٍ وغيرِ منقوصة: بالقدس الشريف والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وبحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194.

لقد ظل ثابتاً راسخاً على مبادئه ومبادئ شعبه في الحرية والاستقلال. ونقول اليوم إننا لن نحيد قيد أنملة عن مبادئ ياسر عرفات وأهدافه. وإن السلام المنشود هو السلام الذي وقع عليه ياسر عرفات، إنه سلام الشجعان، السلام الذي يُعيد لنا حقوقنا.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة
أتوجه باسم شعبنا الصامد في وجه الاحتلال والعدوان والاستيطان والجدار في أرض الوطن، إلى أهلنا اللاجئين في المخيمات، وفي الشتات وفي أنحاء العالم كافة لأقول لهم: إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، هو حق كفلته الشرعية الدولية، وإن قضية اللاجئين هي قضية وطن وهوية، ولهذا فإننا رفضنا و نرفض اليوم كل مشاريع التوطين. ونحيي نضال شعبنا وصموده أينما وجد وتضحياتِه التي أسقطت كل الرهانات على ضياعه وضياع قضيته.

أيتها الأخوات، أيها الأخوة
من هنا من هذا المكان أيضاً الذي حوصر فيه ياسر عرفات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أتوجه إلى المناضلين الأبطال في سجون الاحتلال ومعتقلاته وزنازينه، وأقول باسم شعبنا وباسمكم، أيها الأحرار، إن السلام مستحيل وعشرة آلاف فلسطيني رهائن، ومن ضمنهم الوزراء والنواب ورؤساء البلديات، وقادة محتجزون وأعضاء في القيادات الفلسطينية، ويجب أن يستمر النضال من أجل إطلاق سبيلهم من لدى المحتلين الإسرائيليين، وأقول لأحبتنا الأبطال وسواعدنا القوية وروادنا في سبيل الحرية والاستقلال، إنكم شغلنا الشاغل وإنكم همنا الرئيس، وقضيتكم في طليعة ما نثيره يومياً لتحريك الضمير العالمي، ولن يهدأ لنا بال حتى تنعموا بالحرية في وطنكم الحر المستقل وبين أهلكم وذويكم.

إن حريتكم هي من حرية الشعب والوطن، فتحية لكم أيها الصامدون الأحرار وراء قضبان السجون والمعتقلات الإسرائيلية.

أيتها الأخوات والإخوة
إن الحصار الظالم الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على المقاطعة وعلى الرئيس الشهيد ياسر عرفات، ترافق مع المرض الغامض، حيث عجز الأطباء الفلسطينيون والأردنيون والمصريون والتونسيون عن تشخيصه ومعرفة أسبابه، مما أدى إلى نقل الرئيس الشهيد على وجه السرعة إلى فرنسا لتلقي العلاج بمبادرة كريمة من الرئيس شيراك،وهنا نحيي الرئيس شيراك على هذه المبادرة التي لن ينساها شعبنا أبداً، ولكن جهود الأطباء الفرنسيين لم تفلح في إنقاذ حياته ومعرفة سر هذا المرض الغامض.

وكنا قد قررنا في حينه أمام هذه الملابسات الخطيرة وعلامات الاستفهام والتساؤلات، تشكيل لجنة عليا من الأطباء وذوي الاختصاص ومن شخصيات سياسية لا زالت تواصل البحث والمتابعة على كل المستويات لكشف الملابسات التي أحاطت بمرض الرئيس واستشهاده، وأكرر من هنا دعوتي لكافة الجهات الطبية ذات العلاقة إلى التعاون الكامل مع اللجنة العليا، حتى يعرف شعبنا والعالم كله حقيقة ما تعرض له الرئيس أبو عمار في حصاره الطويل، وما سر هذا المرض الغامض الذي أودى بحياته!

أيتها الأخوات، أيها الأخوة
إن إعلان الاستقلال، وقيام دولة فلسطين المستقلة، الذي أعلنه الرئيس الشهيد ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، وكذلك برنامج الإجماع الوطني، قد حظي بالاعتراف والترحيب الفلسطيني والعربي والدولي وهو البرنامج الوطني نفسه الذي انتخبني شعبنا الفلسطيني على أساسه، لتحقيق أهداف شعبنا في استعادة الأرض، واقتلاع الاستيطان، وقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس إلى جانب دولة إسرائيل.

إن هذا البرنامج الوطني قد أسقط كل الحجج والذرائع الإسرائيلية لمنع قيام دولتنا المستقلة، وبفضل هذا البرنامج أقمنا السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تعرضت لمحاولات إضعافها وتهميش دور مؤسساتها منذ اغتيال اسحق رابين وحتى اليوم.

وأقول هنا إن الطرف الآخر هو الذي وضع العراقيل في وجه السلطة الوطنية لتنمو وتحقق برنامجها وذاتها، وأود هنا أن أكون واضحاً وصريحاً وأقول: إن أي برنامج آخر، لا يعتمد البرنامج الوطني الذي حظي بالإجماع الشعبي والتأييد العربي والدولي، لن يكون من شأنه سوى تقديم الذرائع لإسرائيل، لمنع قيام الدولة الفلسطينية ولرفض الانسحاب من أرضنا، وكذلك تمكين إسرائيل من مواصلة عدوانها للقضاء على السلطة الوطنية، التي تشكل إنجازاً تاريخياً لشعبنا على طريق إقامة دولتنا المستقلة.

إنني أيها الأخوات والأخوة ومنذ انتخابي رئيساً للسلطة، وكذلك منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، أعمل ليل نهار، لوضع حدٍ للتعارضات الموجودة وهي شرعية وذلك من أجل إيجاد الحلول والقواسم المشتركة للحفاظ على الوحدة الوطنية. ومع كل حرصنا على تجربتنا الديمقراطية الفريدة، التي أردناها نقيضاً لواقع الاحتلال والاستيطان، فإننا نضع أمام الجميع، وأمام كل الغيورين على شعبنا ووطننا، حقيقةَ أن وضعنا كسلطة وحكومة ومجلس تشريعي وواقعنا الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني، كل ذلك يفرض علينا أن نتحلى بالمسؤولية الوطنية العالية، ونلتقي في إطار وحدتنا الوطنية على قواسم برنامجنا الوطني، فليس بيننا خلاف أو تناقض على ثوابتنا الوطنية. وإنني أدعو كافة الأشقاء والأصدقاء إلى دعم شعبنا وسلطتنا الوطنية، ورفع الحصار والمقاطعة الظالمة التي فرضت منذ ثمانية شهور وتحرم شعبنا من قوت يومه وتحرمنا من التقدم الاقتصادي، وإرغام حكومة إسرائيل للجلوس على طاولة المفاوضات لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولتنا الفلسطينية، وإن الرهان على خلافات وصراعات فلسطينية داخلية هو رهان خاسر، فوحدة شعبنا وفصائلنا ستظل الصخرة التي تتحطم عليها كل الرهانات وكل الأطماع وكل المؤامرات.

ليس أمام فصائلنا وقوانا غير الوحدة، والمزيد من الوحدة على أساس برنامجنا الوطني، برنامج الاستقلال والحرية، برنامج الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وأود في هذا اليوم، أن أؤكد لكم أن قيام حكومة وحدة وطنية تحظى بإجماع وتأييد وطني شامل أصبحت قريبة التحقيق، رغم المخاض العسير، وما تحملناه من اتهامات ظالمة، حاولت تصوير صبرنا على أنه ضعف، ومرونتنا الإيجابية وكأنها تخاذل، وحِرْصنا على وحدة الصف والشعب بكل قواه وكأنه تعلق بالأوهام.

إن المصلحة الوطنية تفرض على الجميع التحلي بالمسؤولية والارتفاع فوق المصالح الفئوية الضيقة من أجل تعزيز وحدتنا الوطنية وقرارنا الوطني المستقل، بعيداً عن المحاور والتجاذبات الإقليمية والدولية، مؤكدين في الوقت ذاته حرصنا على إقامة أوثق العلاقات مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، ومع مختلف دول العالم على قاعدة مصلحتنا الوطنية.

وللتوضيح أكثر، أُبشر شعبنا، بأننا حققنا تقدماً كبيراً على طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية، تستطيع فك الحصار، وتفتح الآفاق نحو حل سياسي يُنهي الاحتلال إلى الأبد، وأتوقع، بمشيئة الله وبإذن الله، أن ترى هذه الحكومة النور قبل نهاية هذا الشهر.

أخواتي إخواني،
لقد حافظ ياسر عرفات على شرف السلاح الفلسطيني كسلاح نظيف وطاهر لا يعمل إلا في سبيل حماية الوطن والدفاع عن حقوق شعبه، ولا يكون أداةً للفوضى والفلتان والتعدي على مصالح المواطنين.

وسأحرص على وصية ياسر عرفات، وسأواصل العمل بأقصى جهد ممكن للقضاء على الفوضى، فوضى السلاح والفلتان، ومن أجل سيادة القانون والنظام العام، وأقول لكم أن الدم الفلسطيني خط أحمر ومحرم على الفلسطينيين، ولن أسمح لأحد أن يُراهن على ذلك.

اسمحوا لي أيها الأخوة أن أتوجه بهذه الكلمات إلى أخي رفيق الدرب وقائد المسيرة، لأُعاهده عهد الرجال للرجال، وبقسم الوفاء لذكراه، وللرسالة التي حملها حيث واصل الليل بالنهار من أجل أدائها.

ستظل يا ياسر عرفات يا أخي أبو عمار حياً فينا.
نستمد من مسيرتك الكبرى وقيادتك الملهمة ودأْبك وصدق التزامك ما يملؤنا عزماً وتصميماً على المُضي قُدماً نحو تحقيق أهدافنا الوطنية وإكمال مشروعنا الوطني .
. الذي طالما حلمت به وعملت من أجله.

وإنني بهذه المناسبة وفي يوم الوحدة الوطنية والنهوض الوطني، أعلن عن تأسيس وقيام (مؤسسة الشهيد ياسر عرفات الخيرية) التي ستعنى بإدارة مجمّعِ الشهيد ومتحفهِ، وتُعنى بجمع تراثه، والقيام بأعمال خيرية في مجالات الأعمار والتربية والثقافة.

وأخيراً، أتوجه بتحية وفاء لقوافل شهدائنا الأبرار وجرحانا البواسل، الذين رووا بدمائهم الزكية على مدى تاريخ نضالنا الطويل، تراب الوطن، وأناروا لنا الدرب على طريق تحقيق أهدافنا وآمالنا في الاستقلال والحرية، -رحمهم الله عز وجل- جميعاً، وأنعم على جرحانا بالشفاء العاجل، وعلى معاقينا بالصبر والقوة، لمواصلة نشاطهم الفاعل في بناء مؤسسات الوطن، ومسيرتهم العملية في الحياة.

كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه اسم من أسماء فلسطين الناهض من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة إلى فكرة الدولة، ولكل واحد منا شيء منه.
رحمك الله يا أبا عمار وأسكنك فسيح جناته.

بسم الله الرحمن الرحيم
"إنَّ الذيَن آمنوا وعَمِلُوا الصالحاتِ يهَدِيهِمْ رَبُّهُم بإيَمانِهِمْ تجري من تَحْتِهِمُ الأنهارُ في جناتِ النعيمِ، دَعْوَاهُم فيها: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ، وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ، وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين"
صدق الله العظيم

رحمك الله يا أبو عمار وأسكنك فسيح جناته

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته