وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الزيارة الملكية المفاجئة .. ما ظهر منها وما بطن!

نشر بتاريخ: 23/11/2011 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:31 )
كتب ابراهيم ملحم- طارئة ومفاجئة وقصيرة،غير أنها كبيرة وعظيمة في معانيها،ودلالاتها،ونتائجها حسب توصيف المضيف لها،وهو الذي يقف مع شعبه العظيم أمام واحدة من أكثر التحديات صعوبه وخطورة،منذ انطلاق الرصاصة الاولى قبل نحو خمسة عقود..

ولعل أحد أبرز معاني الزيارة الملكية الخاطفة لرام الله يلخّصها المثل الشعبي " الصديق عند الضيق" بالنظر لتوقيتها،والقضايا،والموضوعات التي تناولتها والهواجس التي يتقاسمها الزعيمان ازاء ما يحدق ببلديها من مخاطر جراء الممارسات الاسرائيلية التي تمشي على الارض قولا،وفعلا،مبددة أية امال باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة،ومهددة استقلال الاردن باعتباره الوطن البديل للشعب الفلسطيني! .

ما بطَن من الزيارة الملكية في معانيها،ومغازيها،وموضوعاتها،أكثر بكثير مما قيل على ألسنة الناطقين باسم الضيف والمضيف،ذلك أن الشعب الفلسطيني الذي يحمي بنزف جراحه،ووجع معاناته،ورموش عيونه ،زهرة المدائن،وقبلة المسلمين الاولى،يقف اليوم أمام تحد هو الاكبر بعد أن تكشّف له عُقم الخيار التفاوضي غيرِ المتكيء الى مرجعيات دولية،بينما الارض تتسرب استيطانا وتهويدا لم يُبقِ اية امكانية لخيار الدولتين فيما الاطماع الاسرائيلية بدأت تتجه شرقا،الامر الذي أخرج العاهل الاردني عن مألوف هدوئه،وهو يرد على تلك التخرصات الاسرائيلية في حديثه لاحدى الصحف الامريكية الشهر الماضي.

واللافت أن زيارة الملك جاءت عشية لقاء المصالحة المرتقب في القاهرة غدا ،الذي يباركه الاردن ،والذي من شأن تجاوز العقبات الاخيرة في تفاصيله أن يطوي صفحة الانقسام،ويذهب بالشعب الفلسطيني الى صناديق الاقتراع في أيار القادم،لاختيار ممثليه على نحو يجعله أكثر صحة وعافية،وهو يستعد للتعامل مع خيارات وتحديات،واستحقاقات المرحلة المقبلة ،في ضوء الانحباس الذي تعيشه العملية السياسية،والتأييد الواسع النظاق الذي حظيت به القضية الفلسطينية في أرفع هيئة دولية،وما تبعها من تهديدات اسرائيلية اعتَبرت الرئيس محمود عباس كسلفهِ الشهيد عقبة في طريق السلام،وهي تهديدات يجري التعبير عنها بالتحريض المتواصل،واحتجاز اموال الضرائب،واطلاق العنان للتغول الاستيطاني،والتهديد بقطع العلاقات مع السلطة واستباحة الضفة الغربية بالكامل،وشن عدوان على غزة اذا ما شُكلت حكومة توافق وطني تطوي صفحة الانقسام الى الابد،وهو ما تتبدى نذره الاولى بالغارة التي شنتها الطائرات الاسرائيلية على غزة عشية اجتماع المصالحة المرتقب.

ما تستبطنُه الزيارة الملكية المفاجئة لرام الله من معان ودلالات ،تكتسب أهميتها من توقيتها ،ودعمها للموقف الفلسطيني المواجه للاحتلال ومراوغاته والذاهب لطي صفحة الانقسام والامه،في محاولة لدرء مخاطر اسرائيلية باتت تطرق اذان سامعيها على ضفتي النهر وتثير هواجسهم من تحديات جدية ،فان هي استباحت الضفة الغربية للنهر،فانها تستبيح الضفتين،الدولتين المستقلتين للشعبين الشقيقين معا، فهما كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

أحسب أن الاسباب التي حملت العاهل الاردني للوصول الى رام الله على عجل في زيارة مفاجئة، هي الاولى لجلالته منذ العام 2000،هي ذات الاسباب التي دفعت الرئيس محمود عباس للذهاب بخطوته الى نهايتها في ايلول الماضي،متجاوزا جميع محاولات ثنيه عن خطوته تلك -التي ثبت صحتها-بالترهيب تارة وطورا بالترغيب، وذلك لاستشعاره للاهمية القصوى التي ينطوي عليها استصدار قرار من المنتدى الاممي ،بالاعتراف بفلسطين دولة مستقلة بحدود عام سبعة وستين وعاصمتها القدس الشرقية،وهي ذات الاسباب التي دفعت جلالته للتعبير عن مخاوفه قبل أشهر من المخاطر التي ستترتب على توقف عملية السلام،وتضاؤل فرص حل الدولتين .