وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إجماع على ضرورة ردم الفجوة بين الشعار والتطبيق تجاه واقع المرأة

نشر بتاريخ: 03/12/2011 ( آخر تحديث: 03/12/2011 الساعة: 21:27 )
رام الله –معا- اوصى المشاركون في مؤتمر حول حقوق المرأة: الفجوة بين الشعار والتطبيق، بضرورة العمل وفق آليات تنفيذية وبرامج ملموسة على جسر الفجوة التي ما زالت تفصل بين النظرية والشعار من جهة وواقع الأحزاب والحركات السياسية، وبخاصة فصائل اليسار الفلسطيني من ناحية دور المراة في هذه الأحزاب ومكانتها في الهيئات القيادية، ومدى تطبيق هذه الفصائل لشعاراتها وبرامجها حول مكانة المرأة ودورها.

جاء ذلك خلال "مؤتمر حقوق المرأة" الذي نظمه اتحاد المؤسسات الاهلية للتنمية "تنمية"، وبدعم من مؤسسة روزا لوكسمبرغ، وذلك في مدينة رام الله بحضور حشد واسع من المؤسسات والمنظمات النسوية، ونخبة من قيادات الفصائل اليسارية، ومهتمين بالشأن النسوي ومنظمات المجتمع المدني.

وقال محمد سلامة مدير اتحاد المؤسسات الفلسطينية للتنمية، ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر أن المؤتمر جاء تتويجا لسلسلة من الورشات واللقاءات الميدانية التي أجراها فريق البحث مع عشرات الكوادر النسائية في محافظات الضفة كافة.

واشار إلى أن الهدف من عقد هذا المؤتمر لا يقتصر على تشخيص الواقع الذي يعرفه الجميع ويدركون أسبابه، بل الخروج باقتراحات وتوصيات ملموسة بغية متابعتها وعرضها على الأحزاب والفصائل، آملا أن يتحول المؤتمر إلى تقليد سنوي يمكن من خلاله متابعة الإنجازات والإخفاقات على هذا الصعيد.

وشهدت الجلسة الأولى التي ادارتها عفاف غطاشة الناشطة النسوية والقيادية في حزب الشعب الفلسطينين عرضا لورقتي عمل قدمتهما ريما نزال عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، والكاتب مهند عبد الحميد، وقام كل منهما باستعراض عشرات الشهادات والمقابلات التي قدكتها الكوادر النسوية وعدد من الباحثين والكتاب والمهتمين، وعقبت على الورقتين الدكتورة ايلين كتاب.

وأوضحت ريما نزال في قراءتها ان وجهات النظر بين كوادر اليسار النسائية من مختلف المحافظات، وتقاطعت وتلاقت حول تشخيص اسباب نشوء واتساع حالة التناقض الحاصلة بين النظرية والتطبيق، على صعيد القضايا الاجتماعية بشكل عام وقضية المرأة بشكل خاص.

وأضافت أن المشاركات في الورش أجمعن على تأثر الاحزاب اليسارية بالثقافة المجتمعية التقليدية السائدة، وان اعضاءها يحملون الفكر التقليدي دون اعتراض او مجابهة، كما رأت المشاركات ان هناك سيطرة على هيئات الأحزاب من منطلقات أبوية (ذكورية)، ووجود اشكال من التمييز بين الرفيقات والرفاق في توزيع المهام.

كما طرحت المشاركات في ورشات العمل مشكلة غياب التوازن بين الأبعاد الاجتماعية والوطنية في برامج احزاب اليسار، إلى غياب البعد الاجتماعي بشكل خاص عن المهام اليومية لتلك الاحزاب، لصالح تغليب الأبعاد السياسية والوطنية، الامر الذي يحول دون وضوح التمايز في هوية الحزب اليساري وموقفه الاجتماعي الخاص في دفاعه عن مصالح الطبقات الفقيرة، فضلا عن تدني الوعي لدى الكوادر النسائية في احزاب اليسار، الامر الذي يؤثر على وعيهن وتواصل منظماتهن النسائية وتماسكها.

واعتبرت بعض المشاركات، بحسب ورقة نزال، بأن التعديلات التي اجريت على الأنظمة الداخلية والبرنامجية للاحزاب اليسارية المتمثلة باستبدال مبدأ "الالتزام بالماركسية" الى "الاسترشاد" بالنظرية كان له الأثر الكبير على تبهيت الهوية الفكرية المميزة للاحزاب اليسارية.

كما أن الشرذمة في احزاب اليسار أضعفها، وأدى الى تراجع دورها ومكانتها وحجمها في إطار الخارطة السياسية، فيما ابرزت بعض المشاركات الفجوة القائمة بين الهيئات القيادية في الاحزاب اليسارية وقواعدها وبين عضوات الحزب الواحد.

ونقلت الورقة عن المشاركات ضرورة الجمع ما بين الأعضاء الرجال والنساء في الانشطة الاجتماعية، وتعزيز تمسك اليسار بفكره والحفاظ على تمايزه، جنبا الى جنب مع مراجعة اليسار لبرامجه وشعاراته وتطوير قدرته على التواصل مع المجتمع والتوجه اليه بالتوعية بفكر اليسار.

من جانبه استعرض الكاتب مهند عبد الحميد في قراءته الأبعاد الفكرية والثقافية والاجتماعية لآراء المشاركات، مبرزا أن غالبية الاراء تجمع على نقد التجربة وتشخيص عديد مظاهر الخلل، وذلك أمر إيجابي بحد ذاته، ويدفع عجلة التغيير إلى الأمام.

وركز على أن المشلكة لا تكمن في الفكر والتحليل والبرامج النظرية، وغنما في التطبيق وبخاصة في تصدي هذه القوى والفصائل للتحولات الرجعية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، فعلى الرغم من توفر وثائق ومبادىء متطورة في برامج الأحزاب بل وفي ميثاق المنظمة ووثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي،، إلا أن ما نشهده هو تعزز الرصيد السياسي والاجتماعي للعائلة الممتدة والتمركزات العشائرية والجهوية والقبلية والتقاليد الغابرة، إلى التعصب الديني والانغلاق وثقافة إقصاء الآخر ومعارضة التعدد الديني والثقافي والسياسي، وكل ذلك على حساب الأحزاب والنقابات والاتحادات، والديمقراطية والبرامج التي تطرح مساواة المرأة والعدالة الاجتماعية.

وعرض عبد الحميد لمحات من تطور الفكر التنويري عالميا وعربيا، ثم الردة التي شهدها هذا العالم وانعكاسها على الحالة الفلسطينية، مشيرا إلى المفارقة المؤسفة لغياب فكر نسائي تحرري فلسطيني رغم وجود عدد كبير من النساء الديمقراطيات والمناضلات الجماهيريات.

وأكدت الدكتورة ايلين كتاب على جوهر ما ورد في الورقتين مبرزة تراجع الجانب الاجتماعي في عمل الأحزاب والفصائل اليسارية وتهميشه لصالح الوطني والسياسي.

قادة الفصائل اليسارية
الجلسة الثانية التي ادارتها ختام السعافين القيادية في الجبهة الشعبية خصصت لأمناء وقادة الأحزاب والفصائل اليسارية، وتحدث فيها كل من النائب قيس عبد الكريم عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية وعبد الرحيم ملوح نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، وزهيرة كمال الأمين العام لحزب (فدا) وبسام الصالحي الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، وعقب على الكلمات الدكتور نادر سعيد مدير مركز العالم العربي للبحوث.

فقد اقر الصالحي بتراجع دور قوى اليسار على المستوى الشعبي وفي الدور الاجتماعي الذي تلعبه هذه القوى، وأكد على ضرورة صياغة برامج اقتصادية واجتماعية مرتبطة بفكر اليسار وهويته، وأشار إلى أن مؤسسات منظمة التحرير يغلب عليها الطابع البيروقراطي وتخضع لنظام المحاصصة، وأكد أن قضية المرأة هي قضية المجتمع بأسرهن ولن تعالج كقضية منفردة وإنما في إطار معالجة شاملة لقضايا المجتمع، وقال أن التراجع لا يقتصر على قضية المرأة بل يشمل جوانب مهمة أخرى كقضايا الثقافة، وقال أن نجاح اليسار يستدعي بناء تحالفات واسعة تكون لها الأغلبية في المجتمع.

بدورها قالت كمال، وهي أول أمينة عامة لحزب فلسطيني، أن الأحزاب كانت تتفادى القضايا الإشكالية، وتحدثت بشكل موسع عن تجربة حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني فدا، حيث جرى انتخاب سيدة لموقع الأمين العامن وتعزيز مواقع النساء والشباب في المواقع القيادية للحزب، وشددت على اهمية وحدة اليسار، وتحالف قواه في الانتخابات وفي سائر المعارك الوطنية والاجتماعية الأمر الذي من دونه يستحيل تحقيق نتائج ملموسة لتحقيق اي من أهدافه وشعاراته.

وقال عبد الرحيم ملوح نائب الأمين العام للجبهة الشعبية أن مشكلة فصائل اليسار لا تقتصر على وضع المرأة ومكانتها، بل تشمل العديد من جوانب الحياة الفلسطينية، حيث تشهد الحياة السياسية الفلسطينية تراجعا حادا لليسار في مختلف المجالات بسبب سيطرة حركتي فتح وحماس، وأضاف أن قضية المرأة ليست المدخل لمعالجة قضايا اليسار، مشيرا إلى المجتمع الفلسطيني شهد تراجعا في قيم الحرية والتعددية والديمقراطية وحقوق المرأة، ولفت إلى اثر العامل الذاتي حيث أن نسبة مشاركة التساء في النضال السياسي والوطني هي ادنى بكثير من نسبة مشاركة الرجال مدللا على ذلك بنسبة النساء الأسيرات من مجموع الأسرى وأعرب عن اعتقاده بأن مبدأ (الكوتا) يكرس حالة التمييز ضد المرأة.

وقال قيس عبد الكريم (أبو ليلى) أن موقف اليسار تجاه حقوق المرأة هو موقف ثابت ومبدئي حيث ان اليسار يدعو للمساواة الكاملة دون اي التباس، واضاف أن موقع المرأة في المجتمع والنظام السياسي، وفي المؤسسات وعملية صنع القرار، اهم بكثير من موقع المرأة في قيادة الأحزاب داعيا إلى عدم طمس الفرق بين مواقف الأحزاب اليسارية ومواقف الأحزاب اليمينية والليبرالية.

واضاف ان النضال من أجل حقوق المرأة وتمكينها هو جزء لا يتجزأ من النضال الديمقراطي والادجتماعي لتقدم المجتمع بكل فئاته وشرائحه، محذرا من اثر النزعة "النسوية" التي ترى أن نضال المرأة ينبغي له أن يكون بمعزل عن نضال الرجل، بل ياتي في مواجهته، كما قدم أبو ليلى عرضا نظريا تاريخيا عن نشأة المجتمع الأبوي الذكوري نتيجة ظهور الملكية الخاصة.

وفي تعقيبه على مداخلات قادة الأحزاب قال الدكتور نادر سعيد أن كل المذاهب والفلسفات تقود إلى هدف واحد كبير هو الإنسانية التي لا تمييز فيها بين رجل وامرأة ولا بين اي انسان وآخر، وقال أن المسألة الرئيسية هي العلاقة بين الحيز الخاص الذي يشمل العائلة والحيز العام الذي يخص الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصاد والثقافة، واضاف مهما كان وزن اليسار ونسبته في المجتمع، فإن دوره حيوي واساسي وفعال، في حين أن هناك خجلا لدى قوى اليسار تجاه العديد من القضايا الحيوية.

نقاشات وتوصيات
أما الجلسة الثالثة التي أدارها الإعلامي نهاد أبوغوش القيادي في الجبهة الديمقراطية، فشهدت مداخلات لكل من عايدة توما رئيسة صحيفة الاتحاد الحيفاوية وعضو المكتب في السياسي للحزب الشيوعي الإسرائيلي، وساما عويضة مديرة مركز الدراسات النسوية، والدكتور إياد البرغوثي مدير مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان.

وعرض البرغوثي جانبا من المعطيات والإحصائيات التي تظهر موقف المجتمع من المرأة وحقوقها، والتغير الثقافي، وتراجع دور اليسار وأحزابه في القضايا الكبيرة التي تواجه المجتمع كقضايا التربية والتعليم، مبرزا بعض المفارقات المقلقة كتأييد غالبية المجتمع لمنع الاختلاط، ومعارضة نسبة مهمة لانخراط المرأة في العمل السياسي فضلا عن تأييد الغالبية لفرض الحجاب وتأييد نسبة لا يستهان بها لفرض النقاب على المرأة.

ودعت توما إلى إبداء مزيد من الوضوح والصراحة في الموقف من قضايا العلمانية، وقضايا مطروحة كالنقاب والحجاب، وقالت أن فرصة إمساك الأحزاب اليسارية بالسلطة أو خسارتها لهذه السلطة أمر غير وارد، ما يستدعي موقفا جريئا وواضحا من هذه الأحزاب تجاه القضايا المطروحة، واكدت أن قضية المرأة هي قضية مجتمع، وأن آليات الضغط الاجتماعي، ودور الرجال والنساء في إعادة تطوير موازين القوى وإعادة بنائها من جديد هي عملية مشتركة للنساء والرجال معا، فليست كل النساء واعيات للقهر ولا كلهن يمتلكن البدائل، وهنا ياتي دور الحزب اليساري في حمل قضية المرأة.

وعرضت الناشطة النسائية ساما عويضة الجذور التاريخية والاجتماعية لاضطهاد المرأة، واسترشدت بمقولات ماركس أن تقدم اي مجتمع يقاس بمدى تقدم المرأة، وأن النضال من اجل حقوق النساء هي مهمة الرجال والنساء معا مليست مهمة النساء فقط، واضافت أن تحرير المرأة لا يتوقف فقط على دخولها ميدان العمل الاقتصادين وإنما كذلك في إيجاد بنية اجتماعية تساعدها في الرعاية والعمل المنزلي، ونوهت عويضة إلى الدور التاريخي لليسار في الارتقاء بدور المرأة السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومساهمته في تعليم عدد كبير من النساء والمساهمة في خروج المرأة من الحيز العائلي الضيق إلى الحيز العام.

واختتمت الورشة بمجموعة من المداخلات والاقتراحات التي قدمها كل من النقابي محمد أبو شمعة، وندى طوير، وعلا الجولاني ووفاء البحر، وعفاف غطاشة، وسمر الأغبر، وحيدر أبوغوش، وأمل خريشة، وسوسن شنار، وسمر صلاح الدين، وأحمد القاسم، ونبيل سمارة، ومليحة صوالحة، ونبيل دويكات، واختتم محمد سلامة المؤتمر بالإعلان عن تشكيل لجنة لمتابعة التوصيات والقرارات