وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إلى نزار وأحلام التميمي خلق السجن لكم وخلقتم للحرية

نشر بتاريخ: 07/12/2011 ( آخر تحديث: 04/04/2012 الساعة: 09:25 )
-I-
نزار: أنا محاربٌ وأنتَ قاتلٌ،
وكلانا يعرفُ معنى الموتِ،
لكنّ واحداً منّا يعرفُ معنى الحَياة
***
لماذا المزاميرُ تجرحني في الليالي ؟
وطوقُ الحماماتِ في معصمي أحمرٌ
مثلُ دمعِ السؤالِ ؟
أنا خارجٌ من قيودي
إلى قمرٍ في الخُزامى ..
ليحملَني شالُ مِسْكِ الغزال .
ولن أسالَ السروَ عن زمنٍ أخذوا طِفْلَهُ،
فهو في بُرعمٍ خالصِ الثلجِ ،
أرجَعَني من هباءِ الغروبِ إلى شُرفةٍ في الشَّمال.
سأجتازُ هذي اللزوجةَ، في آخرِ الأمرِ،
أو أتركُ الذُّعْرَ في نَوْمِ مَنْ جرفوا وردةَ الجُلِّنارِ
إلى قبوِ تلكَ الليالي الطوال ..
يريدوننا خلفَ هذا الزمانِ،
وأنْ يدخلَ، الآنَ ، فينا الصليبُ
بلا هالةٍ أو قيامٍ ..
وقالوا : العشاءُ الأخيرُ على خشبِ الحربِ
فلتصعدوا للسلامِ ..
ولا تنزلوا عن مساميرِ رغبتِنا في الوئامِ ،
ومَنْ هبطوا قَبلَكم فَلَهُمْ قُبْلةٌ من يهوذا الذي
باعنا ما نريدُ ،
هو الواقعيُّ الحكيمُ الذي أدركَ الضَّعْفَ
في كفّة الاِحتكامِ ،
فلا تنزلوا عن سماواتِ صُلبانكم
أيها القومُ
كي لا تمرُّوا على دربِ آلامكم
من جديدٍ،
ولن تجدوا المجدلياتِ يَغْسلنَ أقدامَ أبنائِكِم ..
إنكم خيرُ مَنْ يعرفُ الريحَ
في روحِ هذي البلادِ
فإمّا لنا، سوف تبقى، وإمّا لنا ..
لا بياضَ على جَنْحِ هذا الغرابِ
ولا فحمةً في الجليد .
*
وهذي الزنازينُ قلعتُنا للصعودِ إلى رايةٍ في الشُّروقِِ ،
هي السَّاعةُ الآنَ أعراسُ مملكةِ الأرضِ،
وردٌ يسيلُ على رُكْبةِ الصخرِ،
قبَّرةٌ في الحريقِ المدوّي،
وتوتٌ يذوبُ على مرمرِ النَّحْر،
نحلٌ يغمّس شهوتَه بالرحيقِ،
وسربُ الفراشاتِ منشغلٌ بالطريقِ،
هنا نرجسٌ للمُعنَّى الحزينِ،
وَلَيْلَكةٌ في جفونِ الحنينِ،
وأزرارُ حَلْمتِها في العقيقِ،
هنا بهجةُ الطيرِ في قوسِ فرحتِهِ بالنهارِ،
وَرَقْصُ الشنانيرِ في زفّةِ العبقِ المُستَثارِ،
وقرنُ الغزالِ الذي ضمّخ القلبَ بالانكسارِ ،
.. وكم كنتُ أحلمُ أن أستريحَ على حجرٍ،
والرعاةُ يبثّون أحزانَهم للغزالةِ،
أمشي وأقصفُ عودَ الجفافِ،
وأمضي لأقطفَ ثلجَ العفافِ،
وأطفقُ في كسلٍ كالخرافِ،
وكم كنتُ أرغبُ في جَمْع لبلابِ ليمونةٍ للزفافِ،
وأنظرُ كالصَّقْرِ في ليلِ قريتنا من جديدٍ ..
فتبدو قناديلُها ذهباً ناعسَ اللونِ،
في ثوبِ ليلٍ خفيفٍ على عَبَقٍ في الضِّفافِ،
هنا أصرخُ، الآن،
إنّي أنا الحُرّ،
ما زلتُ في مهرجانِ المواسمِ متَّشِحاً بالقِطافِ،
فمَنْ قال إني أريدُ البطولةَ
أو موتَ مَنْ يتَّمُوني ؟
لقد دفعوني إلى الذبحِ،
هُمُ قتلوا بي، وقد قتلوني .. !
أريدُ، هنا، أن أكونَ،
ليُشْعِلَني إثمدُ العُرْسِ، وليُشْعِلُوني ..
وليرجعَ القاتلونَ إلى حيثُ ألقَتْ ..
بلا حَرْبَةٍ أو وعيدٍ ،
لقد سلبوا كلَّ شيءٍ لنا
إنما ظلّ فينا الهتافُ :
اذهبوا كيْ نرى غدَنا مثلَما كان أمسُ أجدادِنا،
أو أصيخوا إلى النارِ :
هلْ من مزيدٍ،
وهلْ من مزيد ؟!

-II-

أحلام: عندما نختارُ أنْ نحبَّ
نتّّجهُ نحوَ الحريّة
***
وجدوا هذا الثَّبْتَ الطينيَّ، البارحةَ، بأرضِ الكنعانيينَ، ويبدو أنّ امرأةً من نسلِ عناةٍ، كتبَتهُ في قبوٍ معزولٍ، قَبلَ مئاتِ الأعوامِ، بمعنى قبلَ حروبِ "مَجيدو" والطوفان .. وكانَ على الصلصالِ الأملسِ رسمُ قيودٍ أو قضبان :
أنا، ها أنا ذا ألِدُ الناسَ، وأجراني عامرةٌ بالتين، جَزَرْتُ الثيرانَ، وكان خواني ممتلئاً .. يُغري أبناءَ الأمراءِ، أنا العذراءُ أُضفّرُ أوراقَ الغارِ، وأعرفُ سيرَ كواكبِ أرضي، أحرُثُها، فتجيءُ سدودُ الغيمِ، نُسوري تأتيني من مَغْرِبِ شمسي، أطحنُ بينَ رَحَى الطاحونِ شَعيري، وأرشُّ عليهِ الطّلَّ، وأنثُرهُ تحتَ عَريرِ خيولي .. وجدوني قبلَ الخَلْقِ هنا، تحتَ عُقودِ الحَجَرِ المصقولِ، وفوقَ البيتِ تحومُ نُجومي، فأنا داليةُ الأرضِ فلا ترتَفعُ قطوفٌ فوقي .. الحربُ تُخالفُ رغبتيَ المحمومةََ ومشيئةَ قلبي، وَسَكبتُ لكلِّ المخلوقاتِ شرابَ قِرانِ الأزواجِ، بَكَيْنا من ضَنَكِ نحيبِ الصدرِ ليحمينا الربُّ، زَرَعْنا في كبدِ الأرضِ الأغصانَ الخضراءَ .. وقلنا : ابْعِدْ سيفكَ، واجعلْهُ محاريثَ الصخرِ، نبالُكَ لا تَرفعْها وتُصَعّدْها، اجْعَلْها مرودَ عينيكَ، وإنْ هذا البَرُّ تشقّقَ بالأُخدودِ سنضرعْ كي تُمطرَ سَمَناً وتسيلَ الوديانُ بشهدٍ مشهودٍ . لا تجعلْ جُدرانَك باردةً، وافتحْ كلَّ نوافذِكَ – الرجلُ المعزولُ يحدُّ البيتَ بسورٍ – أبْصِرْ أوحالَكَ، لا تَتَّبِعْ ما قالَ الأعمى، تلكَ خرافاتُ السَّبيِ، وكيف يُنجّمُ مَنْ لا يُبصر ؟ فلتهلكْ بالماءِ ...
سأبدأٌ، دونَكَ، عهدَ المَطْلعِ، وأنا الراضيةُ، وإنْ لم يجعلْني ربّي خالدةً لن أتألمَ، أو أنهشَ كالأفعى أو أطعنَ كالجمرةِ، بل أصرخُ من قِمَّتِي المحروسةِ : ما بالُ المجنونِ بليلى قد جُنَّ ؟
وهذا بعضُ جنوني !