وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

البلد " المُنصِف " رئيسها !!

نشر بتاريخ: 19/12/2011 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:29 )
كتب ابراهيم ملحم- هل هي المصادفة البحتة،ام هي المقادير التي جرت في اعنّتها لتقود طبيبا،ومفكرا،ومثقفا يساريا،منحازا لاوجاع الناس واحلامهم وعاني ما عانوا من ظلام السجن،وظلم النفي،والتشرد في البلاد،بعد ان حرمه نظام الاستبداد من حقه بالحصول على جواز سفر .. اقول هل هي المصادفة التي جاءت بهذا المعارض العنيد الى سدة الحكم بعد ان ظل لسنين طويلة سجينا او طريدا؟!.

وبمقدار ما كانت الثورة التونسية التي يحيي التونسيون اليوم الذكرى الاولى لشهدائها،وفي مقدمتهم مشعل شرارتها ،وصانع ايقونتها،محمد البوعزيزي، ملهمة للشعوب الثائرة على الظلم،والاستبداد،بمقدار ما كانت تلك الثورة المدهشة نموذجا في الانجاز،والنجاح،بدفن نظام الاستبداد،واقامة دولة الانصاف والعدالة ،والحرية ،على انقاضه برئيس حمل واحدة من اكثر المعاني الواجب توفرها في الحاكم وهي الانصاف .

حتى التيار الاسلامي الطالع من اول صناديق اقتراع بعد الثورة ،على خلاف تيارات مشابهة له في بلاد الثورات،فقد اظهر قدرا عاليا من التسامح، والتواضع، والتشارك مع الاخر،بتقاسمه السلطة مع اليساريين،والليبراليين الذين نالوا من الظلم والقهر،والاستبداد ،والابعاد ،ما ناله الاسلاميون ،ليقدم نموذجا جديرا بالاحتذاء في التعايش،بين الليبرالي،والاسلامي،بين الديني،والعلماني،بين اتحاد الشغل،وحزب النهضة.

تظل الثورة التونسية وهي تحتفل اليوم بالذكرى الاولى لانطلاقتها،والتي اعزها الله بها ،واذل طاغيتها بنزع الحكم منه،بعد ان سامهم سوء العذاب وصادر حرياتهم ،وقهر ارادتهم،ستظل مهمازا للثائرين ،السائرين على دروب الحرية الحالمين ببناء الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، التي تسودها قيم الحرية والعدالة الاجتماعية .

ولعل الخطوة التي اقدم عليها الرئيس الجديد"المنصف والمرزوق"بعرض القصور الرئاسية للبيع وتخصيص،ثمنها للفقراء ،تشكل اولى الخطوات على تلك الدرب الطويلة نحو الحرية، والعدالة، ومحاربة جيوب البطالة ،في البلد الذي قدم التضحيات لبلوغ الاستقلال من الاستعمار الاجنبي،مثلما قدمها بعد ثلاثة عقود لنيل حريته من الاستبداد الوطني .

وهكذا فان التونسيين ،وبعد عام على اسقاط نظام الاستبداد الذي علا وطغى في البلاد، واكثر فيها الفساد ،يعبرون اليوم بعربة البوعزيزي بوابة الحرية التي دخلوها على جسر من التعب والمعاناة ،وهي بوابة لم يستطيعوا ولوجها طيلة سنوات الاستبداد الثلاثين الماضية ليعبروا من خلالها الى فضاء الدولة العادلة،التي يراسها زعيم منصف لشعبه،مقدمين الى الامة العربية ،والاسلامية،والانسانية جمعاء،نموذجا قل نظيره في التعايش بين المختلفين فكرا ،ورايا مثلما يقدموا ايضا نموذجا في الثورة المدهشة،وفي الحكم الرشيد،للدولة المدنية الحديثة.

ولئن نجحت الثورة التونسية بعد عام على انطلاقتها في انجاب زعيم منصف اسما،ومعنى،وسلوكا،وفكرا ونهجا،فان الامل يظل معقودا بان تنجب بلاد الثورات التي مازالت تعاني المخاض الدامي في شوارعها زعيما، يشبه مواطنيه ،ويحمل جيناتهم ،وينحاز الى معاناتهم،والامهم، ويشاركهم احلامهم، وامالهم،وتطلعاتهم،ويصغي الى وجيب قلوبهم،وجيوب فقرهم،ووجع معاناتهم،ولايحتاج الى ثلاثين عاما حتى يفهمهم !