|
الأسير الأول في التاريخ يحلّق فوق سماء بيت لحم
نشر بتاريخ: 24/12/2011 ( آخر تحديث: 24/12/2011 الساعة: 16:49 )
بيت لحم- معا- يطلّ المسيح عليه السلام الآن من الأعلى على مدينة الانبياء، ويضئ الشجرة في ساحة الميلاد، يتحرر اليسوع من الغياب، يشعل النصّ، وينزع المسامير من يديه لينفخ في الكون الضياء.
بيت لحم المبهورة بكنائسها وآبارها وخطوات أنبيائها، تصب الحليب الأبيض من مغارة الروح إلى الأطفال العائدين إلى أمهاتهم وبيوتهم بعد مذبحةٍ وملاحقة، لتكون هنا انطلاقة التاريخ ودهشة الحياة. المسيح يحلّق فوق سماء بيت لحم بنجمته الفضية، ويقترب قادماً من البحر والقدس بتعاليم النبوءة والشهداء، ويسكن كنيسةً ليس فيها سوى العسل الأحمر وأبجديات الضوء في الشمع وإنشاد الرعاة في الصلاة. يعود الأسير الأول في التاريخ حاملاً نزيفه الجسدي والروحي، يتّبع الينبوع وصوت الأجراس، يضيء غيوماً في الغياب وشمساً في التلال، يفيض ورداً وخبزاً ويمسح الوجع الإنساني عن وجه المدينة وعظام الأجداد. يلقي اليسوع أغلاله الثقيلة، ويفتح باب كل سجنٍ ومعسكرٍ بالحقيقة، معتمداً على يديه ورؤياه، ورائحة الزيتون في المكان الأول، وعلى حمامتين ترفرفان فوق الآيات لتكون الأرض عيد. الأسير الأول يصل هذا العام مع الحجيج إلى مدينة الميلاد، ليس معه سوى صوته النبوي وجناحين للسلام، يتفقّد اركان المدينة من الخضر إلى بيت جالا وحتى بيت ساحور، ويدقّ طويلاً على الأبواب الموصدة ليخرج الظلام من الأعشاب والأجساد والأحلام. يتفقّد المذود وصوت الذين ذبحوا في الحصار عام 2000، يغسل ملابسهم وقلوبهم ويعلّقها على ستة وأربعين عاموداً رخامياً في الكنيسة، يدعو الروح أن تعود وتنزف المطر المقدس بين الأرض والسماء. يتفقّد شعبه المسجون بين الجدران والمستوطنات والحواجز والأسلاك الشائكة، يتعالى أكثر وأكثر رافضاً أن يصلب مرّة أخرى، يهبط إلى أرض البراهين ويشرب الماء من البئر قائلاً: لن يفرغني ملوك تل أبيب من الولادة وتجديد الهداية والعبارة في المكان. هنا أرضي ومعبدي ومهدي وأمي وأقوالي الأولى، هنا حبة قمحي وملائكتي، فاتركوا يا بني إسرائيل أمي وسريري وفكّوا عني قيود المقبرة. هنا أبنائي وبناتي القابعين في الزنازين يخيطون لي مهداً وليس كفناً، يحتفلون بعودتي من الأعلى لأبصر مالا تبصرون، ولأعبد مالا تعبدون، الحب رهن بصيرتي والحق والمغفرة. أنا الأسير الذي عذبتموه طويلاً وغيرتم الهواء والجغرافيا والآيات في منفاه، عشتم بعدي وقبلي تبحثون عني من قريةٍ إلى قريةٍ ومن مجزرةٍ إلى مجزرة. أنا السماوي الطريد أنبعث من الرماد ضوءاً، أشفي المريض والجريح والأصمّ، ولا أرى إسرائيل سوى معسكراً تعشق الموت والحرب، لا قاتل يصغي إلى قتلي، كأن لا قيامةً لها ولا آخرة. حليب المدينة في روحي، أنا الأول وبعدي ترقد الميرمية في حقلي، وتجري الغزلان في تلالي، يشعّ الزيت في دمي، وليس لكم أيها الإسرائيليون في بلدي غير ما تركتموه من موتٍ وحرقٍ وخطايا وأساطير كافرة. بيت لحم الواقعة بين جبلين وبحرين وكنيستين، تتزيّن الآن بثوبها الفتّان، وتصعد إلى النور فكرةً وإلى القدس يقيناً، تستقبل ابن مريم وترفع الموت عن المقهورين والمظلومين وتصلّي: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض المحبة والحرية والمسرة والسلام. |