|
الميلاد انني أراه ..انني أراه !
نشر بتاريخ: 25/12/2011 ( آخر تحديث: 04/04/2012 الساعة: 09:25 )
نَظرَ العرّافُ في كأسِ النار؛ ثمة مَنْ يبتسم في قَعْرها، قال! والأوارُ يلمع على شفتيه :
سيولدُ هنا، بعد الحطام والشظايا، وسيكون له عَرْشٌ ساحر، وستصل عرباتُه إلى الثلوج . في حضوره تتفوّقون على أنفسكم، وإنْ نظر إليكم ستتمّ المعجزة ، وسيضحك لكم الزمان ! ستكون خيولُه بلا عدد؛ جلودُها ماءٌ وأجنحتُها غامضة، وستبدو أشجارُه ترياقاً للقلوب . لقد حملته في أحشائها لينتقمَ لها، لكنّه تجاوز الرمادَ، وتمرّس بالمعرفة والجموح، حتى دقّ عُنقَ الخرافة . لا مجد بلا معاناة .. وبكى العرّافُ حتى ابتلّت عينه البيضاء ! ثم صرخ: المسكين ! العظيم ! إنها حياةٌ مُوحشة، يَسْتَعْبِدنُا بِمَجْده، ويتركنا أحراراً إلاّ من ذكراه الساطعة .. إنتظروه .. إن أُمَّهُ تصرخُ من آلام المخاض . سيتناول أعداؤه العَشاءَ في الجحيم، ولن تكون شمسٌ في السماء، سيكون شمسَ آلأرضين . سيُغطّي الأرضَ بدمهم، ويتبعهم إلى آخر الحشرجات . ستعلو صواريه، وينزل بالغيث حيثما يشاء، وسيفقأ عينَ الثور . ستشكره البواشق، ويمحي عُرفَ الديك الزائل، وتتلاشى صور أعدائه كالهواء . ويذوب المعدن من الصراخ.ستحترق الأبواق، ستفيض الوديان والحُفر والأخاديد بالعفونة والديدان وثياب الحديد، إلى أن تتجشّأَ الفراخ، ثم تدبَّ النار والطهارة، وتمطرَ غيومُ الصيف سبعة أيامٍ بلياليها . ربما لم تلده أُمّه، بل خرج من مرْجَل العويل والقهر . سيجفّ على قميصه النُعمان، ويتقشّر فوق دفقات العَرقِ تحت الظهيرة . سيدخل المدينةَ العصّية، كما دخلوا مدائن الأساطير . سيلاعب السَبْعَ في الكمان . سيحمل إليه أبناءُ رعاة الماعز والبرابرةُ صناديقَهم، ويفرحون بالعفو. سيعضّ قلبَه عطرُ الزهرة ذات الخُصلاتِ الفاحمة . والشكُّ هو الذي يكشف أسرارَ القلوب، لكنَِّ الوقتَ قد تأخّرَ ، وهو ليس هشّاً ولا نبيّاً، لكنه ينسى، كعادةالبشر، أن ثمةَ خَوَنةً في البيت . سيصل إلى المجهول والبعيد، ويتحدّث عنه التائهون في الأصقاع، وينسجون حوله الهالاتِ الني يريدونها . سترقص له الغزلانُ في الغيوم، ويعذّبه بطنُ الأنثى، ويحلم بحليب الياسمين . سينثرون الأرزَ لياقةً تحت أسواره، ويشرق بالحِبْر الأبيض، وتسبح على جدرانه الغاباتُ والأحلام. وحينما يبلغ القمةَ سيرى وُعورةً لا تبلغها أو تقطعها إلاّ الآلهة، فيضطر أنْ يسلك طريقَ النحل. سيرتجف ويقشَعرّ، هذا القوي العنيد، ولن ينحني، لأنه بعيدٌ عن العار وشهوة الخشب. ولن يتعجرف كالمُهر الأَرْعَن. لن يخذله جسده، ولن تتجرأ عليه الأيام ، وسيبقى عابداً زاهداً بسيطاً .. وباسلاً إلى أنْ يشيبَ الأحفاد ، ويحملوا خارطةَ الروح. ولأنَّ الإفتراء ضعفٌ، والرؤيا بشرى، فلا بأس أن تضحكوا أيّها المتوحّشون، لأنكم لن تجدوا حتى الدمع، بعد حين . وبعد حين بعيد، ستبهت أعراس الانتصارات، وستبلى الذكريات، وتتفتّح حواسٌ جديدة، تعبّ من عالمِها الحديثِ صيحةَ الكسل الطويلة، ولن ينتبهوا إلى التمثال والشعلة والنشيد إلاّ في المناسبة، كل عام . فاتبعوا حُلمَكم المخبّأ في العاجِ والأدهمِ الشجاع! وتلقّوا الطعنةَ النجلاء التي ستفتح كُوةَ النهار . ويبدو أنَّ فذاذته تكمن في أَنّهُ أنقذنا من أنفسنا . إنه مكافح سماوي، وإنني أراه ؛ في فرط الرُّمّان، وعلى سواحل الماكرات الّليّنة، وفي ريق الخلاسيّات، وفي كأس النار. والحالمون يُرْهِقون مَنْ يصّدقون أحلامَهم، فاحذروا، إنكم تدخلون دوامةَ البؤس والبكاء، لتخرجوا أكثر كرامةً .. وإنني أراه .. إنني أراه * * * كيف هويت من السماء وأنتَ فوق النجوم ؟ لَيتَعَظَّم اسمك يا راكبَ السحاب ، ويا مانح الأرض حِنَّاءَها ! اهبطْ وَقِفْ في الأعالي ! واحضن شقيقتك المذبوحة، الساكبة نُواحَها على المرتفعات ، وتسحّ على أخيها الذبيح .. إهْبِطْ .. وَتَغنّى بخلوده النضير ليسترجع روحَه من التراب، ويطفىء نورَ حياة أعدائه ، ويُطلق أهلّتَه اللامعات .. إهبط .. لكي يعود من جديد، فقد رأيتك تخرج من نقوش أوغاريت، وتطير في الأعالي .. فتبعتك، لكى تَرى ما يُرى : كَثُرت الأنواءُ في الجبال، وغاب صوتُ العصفور العذب، ومزّعوا كساءَ الحقول ، وانقطع الندى .. ولا أمطار على الأرض، بل حرقها الجفاف والجراد ! ولم يعد السرج الذهبي في البراري ، التي كانت خضراء كالكحل والمحيط .. تشققت أكبادُ الخيول، وتكسّرت أجنحة النسور ، وولّت البواشق هاربةً في البعيد .. وحزّ الرجالُ لحومهم يندبون البطل، ويسكبون الدمعَ على ابن الآلهة عَنَاة .. يا بعل ! اسكب السلام في كبد الأرض ارمِ السلاح، واجعله محراثاً .. بعد أن ينقشعوا عن حدودنا .. فالحرب تخالف مشيئة إيلياء المتحضّرة .. وَأَكْثر من الصلوات والعمل لكي تمطر السماء، وتغسل ما تبقى من دم وسمّ على الصخور والتراب، بعد أن اصطدموا كالثيران الوحشية ، وتناهشوا كالأفاعي ، وترافسوا كالجياد الهاجمة .. واجعل كفوفَ المحاربين مثل تلال القمح، واغسل أقدامَ أهلك التي غطست بدم الحرّاس، والنجيعَ الذي تجمّد على رداء العرائس ,. وَقُل لهم؛ لا تشمخوا ! لأنني بقوة الحق ، سأصبغ شيبْكم بحُمْرة الدماء .. وقُلْ لهم ؛ في السّلم أعطيكم غزارة الأمطار، وأرسل أصواتكم في السحاب .. فتأمنوا على قوافلكم الراجعة إلى كهوفكم المهجورة .. ومهما أَطَلْتُم الجلوس على عرش الزيتون، فإن أقدمكم لن تبلغ الوطأة ولن يبلغ رأسكم التاج يوماً .. بل سيشطركم السيفُ ، وتذرّون بالغرابل ، وتحرقكم النار ، وتطحنون بين الرّحى ، وتنثركم الريحُ الصرصر في العتمات .. ولن يصدّق أحدٌ من الغرباء ، أن للثور صوتَ الغزال ، وللعقاب تغريدَ الحساسين .. وقُلْ لهم؛ أيها الأشباحُ! اذهبوا من هنا ، أو امسكوا مقبضَ المحراث، أو يدَ المنجل ، أو شبّابةَ القطعان .. واتركوا لغةَ الموت والدخان ، مرّةً ..وإلى الأبد ! وإنْ عدتم .. عُدنا |