وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بيت لحم- مثقفون وأكاديميون ونقابيون يناقشون المصالحة والانتخابات

نشر بتاريخ: 31/12/2011 ( آخر تحديث: 31/12/2011 الساعة: 20:25 )
بيت لحم- معا- عقد في رابطة الأكاديميين في بيت لحم، الجمعة، ندوة ناقشت المصالحة الفلسطينية الفلسطينية والانتخابات القادمة، وقد شارك في الندوة العديد من الأكاديميين والمثقفين والناشطين السياسيين والنقابيين في المحافظة.

وقد افتتح الدكتور نائل عبد الرحمن رئيس الرابطة الندوة بقوله، يشتد الحديث في هذه الأيام عن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وتحظى جلسات الحوار بين الفرقاء السياسيين بدفع قوي سواء من قبل أقطاب العمل السياسي الفلسطيني أو من القوى الإقليمية الحاضنة للحوار، ما عزز الثقة بأن هناك إرادة جادة لدى المتحاورين يمكن أن تطيح بكل عوامل الإعاقة والتخريب، يأتي ذلك في ظل متغيرات سياسية جوهرية تجتاح المنطقة العربية وتعصف بالمألوف، ثم طرح مجموعة من الأسئلة دارت حول مدى جدية الأطراف الفلسطينية المتورطة بالانقسام في إنهاء الحالة الراهنة، وهل ستحمل الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة الحل السحري لما يعانيه الشعب الفلسطيني من مشاكل وصعوبات، وما هو شكل الاتفاق الذي سيضمن عدم تكرار ما حدث، وكيف يمكن التوصل إلى حلول جذرية دون البحث في الأسباب الحقيقية للازمة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وهل ستكون طريق المصالحة مفروشة بالورود؟.

الأستاذ جورج حزبون عضو المجلس الوطني الفلسطيني أشار إلى أن المقلق اليوم هو أن تجري المصالحة بعيدا عن إدراك المتغيرات العالمية من حولنا، بما في ذلك الأحداث الكبيرة التي يشهدها محيطنا العربي في الوقت الذي تنشط فيه القوى الإمبريالية للتأثير في مجريات الأحداث عبر فتحها حوارات معمقة مع الإخوان المسلمين الذين تمكنوا من فرض أنفسهم بقوة على الحركة الشعبية العربية بينما يتضاءل اليسار الفلسطيني في برجه العاجي، وفيما انهارت حركة القوميين العرب في العراق وهي تواجه مأزقا قاتلا في سوريا، وفيما يتم العمل الحثيث من قبل القوى الاستعمارية والقوى المتحالفة معها لإبقاء الهيمنة على مصر، هذه الدولة العربية المركزية التي لا تستطيع الدول الطافية على السطح اليوم من الحلول مكانها مهما حاولت، وهذا يوصلنا إلى الحالة الفلسطينية الراهنة ذات الارتباطات بنتائج الحالة العربية، فالصراع على الساحة الفلسطينية اليوم يدور حول النفوذ والسيطرة أكثر منه حول اللقاء والمصالحة وهذا جوهر الخطورة.

وقد وافقه الناشط في مجال الحقوق المدنية المحامي فريد الأطرش حين عبر عن قناعته بأن ما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية لا يعدو عن كونه محاصصة وليست مصالحة، فعلى الأرض لا توحي الممارسات الفعلية للقوى الفلسطينية النافذة بأن هناك خطوات فعلية لإنهاء الانقسام الذي يترسخ عبر العديد من الخطوات من أبرزها استمرار الاعتقالات وإغلاق المؤسسات، وفيما يتم الحوار على مستوى القيادة نجد أن المصالحة تغيب عن جمهور المتخاصمين على الأرض.

أما الدكتور أسامة مناصرة أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة فقد أعرب عن شعور الجمهور الفلسطيني بالإهانة جراء ما تشهده الساحة الفلسطينية من مناورات بائسة تقودها نفس القوى التي قادت الانقسام، منطلقة من نفس المصالح التي دفعتها للتناحر المدمر والمؤلم، ما يشير إلى أن ما يوصف بأنه مصالحة إنما يشير إلى صفقة يتم إبرامها بين نفس الأطراف، ما يبرز الحاجة إلى ظهور قوى مؤثرة أخرى على الساحة الفلسطينية تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد تصويب المسار.

وأقر الإعلامي الدكتور سعيد عياد بأن الغائب الفعلي عما تشهده الساحة الفلسطينية من حراك هو المصالحة، ومؤكدا على انتهاء النظام السياسي الذي عرفناه والذي بدأت تحل محله القبلية العتيقة بكل سلبياتها وبأشد أشكالها التقليدية بؤسا ورجعية، ما يجعل من الملح ظهور تنظيمات وقوى سياسية جديدة، فالواقع القبلي والجهوي والمناطقي يعيد إنتاج نفسه في ظل غياب العمل الوطني السليم، والمصالحة المنشودة محكومة بالفشل لأن القوى السياسية تتمسك بمكتسباتها التي ترسخت على الأرض، وهنا يكمن المرض.

أما الناشط في مجال منظمات المجتمع المدني الأستاذ أكرم عطا الله فقد أقر بنهاية النظام السياسي الذي عرفناه سابقا، وما يجري اليوم في المنطقة هو صياغة جديدة للشكل والمضمون على صعيد العمل السياسي، ولأن التاريخ له تصريفات متنوعة وأحيانا غير متوقعة فهو مفتوح على كل الاحتمالات، فما يبدو وكأنه تمهيد لنتائج غير مرغوبة قد يفضي إلى العكس، فمثلا بعد هزيمة العام 67 تكونت واحدة من النتائج الإيجابية بتعزيز التواصل الجغرافي بين الضفة وقطاع غزة وبالتالي تمتين التكامل السياسي، هذا الحال الذي شهد أسوأ حالاته على إثر اتفاقيات اوسلو، وبالتالي فلا يجوز الحكم على الحالة القائمة جراء المقدمات والتوقعات المبنية على هذه التوقعات، وبالرغم من أن القوى الفلسطينية النافذة تبدو وكأنها مندفعة نحو المصالحة بقوة، فإن الجمهور الفلسطيني غير مقتنع بجدية هذه التوجهات، وهذا ما تعززه استطلاعات الرأي المختلفة، لأن الشكوك عميقة تحيط بنوايا المتحاورين، على اعتبار أن هذه الأطراف لم تظهر حتى هذه اللحظة نوايا صادقة باتجاه دفع أثمان حقيقية لتحقيق هذه المصالحة، فهل فتح مستعدة لتقبل انهيار السلطة في الضفة كنتيجة لاستجابتها لمطالب حركة حماس؟ وهل حماس مستعدة للتنازل عن حكم غزة كثمن لهذه المصالحة؟ والواضح أن ما يجري اليوم هو مجرد إدارة أزمة في انتظار ما ستنجلي عنه الأحداث من حولنا.

أما الأستاذ بسام جبر نائب مدير التربية والتعليم في محافظة بيت لحم، فقد شكك بنوايا الأطراف المختلفة تجاه المصالحة، وبالتالي فقد أبدى شكوكه في إمكانية إجراء الانتخابات مستندا في رأيه إلى الشواهد التاريخية التي أظهرت توجهات بعض القوى الإسلامية وبالذات حماس نحو غاياتها الحقيقية من وراء الانتخابات والتي تتمثل بالأساس في السيطرة على العمل السياسي الفلسطيني وشطب الآخر، فهي تبني سياساتها على الأحادية والإحلال لا التكامل والشراكة وهي تؤمن بانتخابات (المرة الوحيدة )التي توصلها للحكم.

فيما رأى الأستاذ وسام قمصية عضو المكتب الحركي المركزي للمعلمين في الضفة الغربية ضرورة إعطاء الثورات العربية حقها من الإشادة والدعم والتأييد على اعتبار أنها نهضة حقيقية، وان التدخل الأمريكي والإمبريالي فيها هو شيء طبيعي، وأشار إلى أن ما يجري على الساحة الفلسطينية مرتبط بشكل وثيق مع ما يجري من حولنا، فانتصار الإخوان المسلمين في الانتخابات الحرة التي شهدتها البلدان المتخلصة من أنظمتها البالية أعطى حركة حماس دفعة قوية لتحقيق مكتسبات على الساحة الفلسطينية، فيما الإخفاقات السياسية التي تعاني منها السلطة على صعيد المفاوضات وفي الأمم المتحدة دفع بحركة فتح إلى اللجوء إلى البيت الداخلي.

أما الروائي والكاتب الفلسطيني الأستاذ نافذ الرفاعي رئيس جمعية خريجي جامعة بيت لحم فقد وصف ما يجري على أنه نهاية للانقسام وبداية للاقتسام بين تيارات وقوى فلسطينية نافذة حاكمة، ففي غزة تتوجه حماس الحاكمة للالتقاء مع القوى المهيمنة في الضفة الغربية التي تتدثر بحركة فتح التي خسرت الحكم في غزة وتم استثناؤها من الحكم فعليا في الضفة لحساب قوى أخرى يقف على رأسها سلام فياض وياسر عبد ربه، ما عزز بالتالي الجهوية والقبلية والمناطقية لتحل محل القوى السياسية الحية، ما يتطلب بروز قوى جديدة وأصوات أكثر ارتباطا بالمصلحة الوطنية كالأكاديميين والمثقفين معربا عن قناعته بأن الانتخابات لن تغير الواقع المؤلم الذي يشهده المسرح السياسي الفلسطيني، لأن الانتخابات تعكس الواقع ولا تطوره.

أما الدكتور نبيل عديلي رئيس نقابة الصيادلة الأسبق فقد تساءل عما إذا كان من الممكن تصالح الإخوة الأعداء خاصة في ظل التراجع السياسي، الذي تعاني منه الساحة السياسية الفلسطينية، فبينما نتراجع سياسيا وعلى كل الصعد، تتقدم إسرائيل لتلتهم الأخضر واليابس، ولتفرض واقعا جديدا في كل يوم يخدم أطماعها ويفرض هيمنتها على المعادلة، مستغلة واقع الانقسام الذي رسخه أقطاب العمل السياسي الفلسطيني، والمسؤولون فعليا عن المأزق الذي تعيشه القضية، ولأن بوصلتنا اليوم تائهة، فإن إصلاح ما يمكن إصلاحه، يتطلب منا تحقيق المصالحة وإجراء الانتخابات النزيهة والديمقراطية ليقرر الشعب الفلسطيني من جديد هي الجهة أو الجهات التي سيخولها لقيادته.

أما يونس العصاوكيل وزارة الزراعة سابقا فقد حمل فصائل العمل الوطني والإسلامي مسؤولية المأزق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، وأشار إلى ظاهرة التفرد والإحلال التي تنتهجها حركة حماس تجاه الأطر والفصائل الأخرى وعدم إيمانها بالشراكة، وهي ظاهرة دخيلة جديدة على العمل السياسي الفلسطيني الذي تميز تاريخيا بالشراكة والعمل الجماعي، والذي مثلته الشراكة الفعلية عبر منظمة التحرير الفلسطينية التي تمكنت من بلورة صيغ معقولة للتوافق جنبت الساحة الفلسطينية مظاهر الانقلاب والتفسخ طوال عقود خلت، مشيرا إلى أن الانقسام إنما هو على مصالح وهمية وغير حقيقية طالما أن إسرائيل ما زالت تمثل لاعبا له اليد الطولى على الساحة.

أما الدكتور محمد فرحات أستاذ علم الاجتماع في جامعة القدس المفتوحة فقد رأى أن هناك اتفاق على إيجاد تسوية "ما" بشأن الاقتسام بين اللاعبين على المسرح الفلسطيني، بسبب تهيؤ الظروف لتحقيق مثل هكذا اقتسام، وقد أظهرت الشواهد على هذا المسرح أن الاقتسام أصلا يجري نتيجة لاتفاق حقيقي وتحالف موضوعي بين القوى الفاسدة في فتح والقوى الفاسدة في حماس، وأن المتاح أمام القوى والتوجهات المحترمة على الساحة هو التسلل وخلق حالة في المشهد القادم .

وفي نهاية الندوة أجمع الحاضرون على أن شعبنا الفلسطيني هو صاحب حق غير قابل للتنازل، وأن أي توجه للتقاسم بين تنظيمين سياسيين لا يمكن أن يكتب له النجاح، وأن العودة إلى الشراكة الوطنية هي الضمانة الحقيقية لحقيق المصالح الوطنية.