وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هيبة الشخص من هيبة النص!

نشر بتاريخ: 02/02/2012 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:27 )
كتب ابراهيم ملحم- كالاجنحة المتكسرة ترفرف قلوبنا ، وتزوغ ابصارنا ،ونحن نسمع مرغمين، ما يجري امام عيوننا من حجم التكسير الذي يطال اواخر الكلم المتدحرج على السنة بعض الائمة، ممن يستسهلون اعتلاء منابر الخطابة والوعظ ،عندما ينادى للصلاة من يوم الجمعة.

فلا تكاد تخلو جملة من الخطبة المكتوبة او المرتجلة ،من جر في موضع النصب،او نصب في موضع الرفع ،او رفع في موضع الجر او النصب، ما يدفع العارفين بجوامع الكلم للعض على شفاههم، وهم ينصتون مضطرين للنصوص المتكسرة الخارجة من اعنتها ،وهي تطرق اسماعهم دون ان يكون لهم القدرة على تصويبها ،اوالامساك بتلابيب اعرابها ،في جمعة لا لغو .. ولا لغة فيها !

تعتمد وزارة الاوقاف اسلوب التدوير لخطبائها على المساجد، في برنامج تحاول من خلاله تنويع الخطباء بعد ان تقدم لهم احيانا نصوصا جاهزة او افكارا يتناولونها في خطبهم الجامعة.

الاسبوع الماضي كنت كمن يهرب من الدلف الى المزراب ،عندما حاولت تغيير المسجد الذي لم اطق فيه صبرا،لحجم التكسير الذي اصاب اللغة والفتاوى التي ما انزل الله بها من سلطات،وشطحات صاحب الفضيلة في التحليل السياسي الساذج والمستفز،فما ان وصلت المسجد الجديد حتى وجدت نفس الخطيب ،يعتلي المنبر الذي هربت منه،لاكظم غيظي، واستغفر ربي ، وانا استمع مكرها لفوضى الكلام، الذي يشق طريقه لاذان الانام ،دون ان ينبس احد ببنت شفة ،اعتراضا على ما يفجر اسماعهم ويعكر عليهم صلاتهم .

فحضور الخطيب وهيبة الخطابة ،مستمدة من شكله ، وجودة وانضباط نصه ،فالخطيب الذي لا يميز بين علامات الاعراب لايليق به اعتلاء المنابر، وكذلك الذي ياتي الى المسجد برث الثياب ،لاينبغي له ان يتلو على الناس قوله تعالى" خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ".

ليس هذا فحسب بل تجد الخطباء بالوانهم، وافكارهم الشخصية ،يتجرأؤن على الفتوى في كل شيء ، ويوظفون ايات قرانية، واحاديث نبوية في غير موضعها لتدعيم فتاواهم النابعة من ارائهم واهوائهم .

امام الخطيب لا مكان للراي الاخر ،فهو يستبد بالمكان ،يسكت المعترضين باسم الدين ،ويزجر المتذمرين من ركاكة نصه وغياب الحكمة من دعوته بالقران الكريم،انه مستبد حتى استشيخ ، يستغل صمت الحضور،وانضباطهم،واحترامهم، للحظة الجامعة ،ليعلي صوته ،ويشطح بالفتاوى التي ما انزل الله بها من سلطان ،حتى ينفضّ الناس من حوله .

وما ان ينهي فتاواه حتى نراه محللا سياسيا ،وخبيرا عسكريا، ومرشدا تربويا ،وتكفيريا، وسلفيا جهاديا حينا، وسلفيا تكفيريا احيانا اخرى، وتحريريا ،وفتحاويا او حمساويا، يفتي بالجغرافيا وبالتاريخ ... يرغي و يزبد، يبرق ويرعد ،في سماء صافية، يطيل ما شاء له ان يطيل، ويطنب في الحديث دون قيد ،كل هذا في المسجد.. يعنف الحضور حينا، ويكفرهم احيانا وفق هواه . قال الله عز وجل " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن .وقال سبحانه " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله بعثني مبشرا ولم يبعثني معنفا".

فسحر البيان يقتضي احترام الكلام في المكان والزمان ....ليس هذا فقط بل ترى بعض الخطباء يرتدون زيا تحسبه خارجا من قندهار او كابول باعتبار زيا اسلاميا اصيلا وهو ما ينال من هيبة الشخص، ويفقده ثقة المستمعين به .. فالداعية ينبغي ان يجمع بين اناقة الملبس ،واناقة الكلام دون ان يتحلل من رصانة اللغة الفصحى وعلامات الاعراب.

ذات موسم من مواسم الحج المباركة،استمعت في رحاب الحرم المكي الشريف،الى خطيب جذبني باناقة حديثة، وجمال ملبسه، ووسامة طلعته ،وهيبة حضرته ،فقد بدا فضيلته بهي الطلعة، واثق الصوت، حاضر البديهة ،متواضعا عالما في امور الدين والحياة، يجذب المستمع اليه،فما ان انهى درسه حتى تقدمت منه لاعبر له عن تقديري لما جاء في درسه المفيد،والذي تعلمت منه الكثير ، وبعد ان عرفته على نفسي سالته عن سر اناقته في الملبس، وفي الكلام فقال: هي من الله سبحانه وتعالى ان منّ علي بالعلم ،وما زلت طالبا في الصف الاول، معتبرا تواضع العالم، وسعة اطلاعه، جواز السفر الى قلوب الناس، اما اناقة الملبس ،فقد رد على سؤالي شعرا احببته وحفظته:

حسن ثيابك ما استطعت فانها ... زين الرجال بها تعز وتكرم.

ودع التخشّن في الثياب تواضعا ... فالله يعلم ما تُسر وتكتم.

فرثاث ثوبك لايزيدك رفعة .. عند الاله وانت عبد مجرم .

وجميل ثوبك لا يضيرك .....طالما تطع الاله وتتقي ما يحرم

احسب انه ملف من اخطر الملفات التي يجب ان تفتح للنقاش ،ومثلما يخضع المهنيون من اطباء ومهندسين الى امتحان مستوى ،حتى يحصلوا على رخصة طبيب او مهندس، فعلى الخطباء ان يخضعوا لامتحان لغة،واناقة، واداء في القول والفعل، والشكل وان تصرف لهم وزارة الاوقاف بدل اناقة او تفرض عليهم زيا انيقا موحدا، يشبه زي الوزير الذي لا تعوزه اناقة القول والملبس .

وعلى وزارة الاوقاف تحفيز الخطباء المتميزين ،وعدم مساواتهم بغيرهم ،لتشجيعهم على توسيع معلوماتهم،والاعداد الجيد لخطبهم، فبعض الخطباء لاتقدر خطبته بثمن، وينبغي اكرامهم بما هو اكثر من العشرين دينارا،والبعض الاخر لا تساوي خطبته النصف دينار، ولا باس باعطائه عشر امثالها مكافأة له على صمته حتى لا يقطع رزقه !