وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"إصلاح أنظمة التقاعد في فلسطين" كتاب لـ د. عاطف علاونة

نشر بتاريخ: 09/02/2012 ( آخر تحديث: 12/02/2012 الساعة: 14:58 )
بيت لحم -معا- صدر مؤخراً كتاب للإستاذ الدكتور عاطف علاونة بعنوان "إصلاح أنظمة التقاعد في فلسطين". ويعتبر هذا الكتاب مميزاً من الناحية الموضوعية، حيث يتناول واحدة من أهم الموضوعات الإجتماعية والإقتصادية والمالية والتي تؤثر بشكل مباشر على وضع الموازنة العامة الفلسطينية والعجز المتراكم فيها.

كما جاء الكتاب مميزاً من الناحية الزمنية والتوقيت حيث طرح في الوقت الذي فتح فيه النقاش حول السياسية المالية الفلسطينية وما ألت إليه خلال السنوات الماضية حيث كانت الممارسات التقاعدية الخاطئة إحدى مسببات ومكونات الأزمة المالية الحالية.

كما إن الكتاب مميز من الناحية الشخصية، حيث أن المؤلف هو الشخص الذي وقف على رأس هرم وزارة المالية الفلسطينية لما يزيد عن عشرة سنوات وقاد عملية إصلاح أنظمة التقاعد في فلسطين بحيث إكتسب وبجدارة لقب Pension Champion من قبل البنك الدولي والمؤسسات الدولية العاملة في مجال السياسات المالية والتقاعد .

يقع الكتاب في 325 صفحة من القطع المتوسط وضم خمسة فصول بالإضافة إلى المقدمة والملخص والتوصيات.

وقد تناول الفصل الأول أهمية أنظمة التقاعد على المستويين الفردي والكلي بإعتبار أن التقاعد يوفر راتبا تقاعديا لكبار السن وفي حالات العجز الصحي أو الوفاه، وعلاقته المباشرة بالسياسة المالية وسياسة التشغيل والبطالة وتوزيع الدخل بين الأجيال والتنمية الإقتصادية، بحيث ينجم عن نظام تقاعد مقدور عليه من قبل جميع الأطراف ويتمتع بالديمومة والإستدامة المالية القدرة على تمويل رزمة كبيرة من مكونات الحماية الإجتماعية و إعفاء الموازنة العامة من أعباء مالية متراكمة، يمكن إستخدامها لصالح التنمية الإقتصادية والإجتماعية.

كما وتطرق الفصل الأول إلى أنواع أنظمة التقاعد المعروفة في العالم بما لها وما عليها من إيجابيات وسلبيات، وكيف تم تطوير هذه الأنظمة خلال القرن الماضي في عشرات الدول المتقدمة والنامية لكي تستجيب لظروف هذه الدول الإقتصادية والمالية والإجتماعية والتحديات التي تواجها هذه الدول من خلال عدم تطبيق أنظمة تقاعد متوازنه، حيث يشير هذا الفصل إلى إنعكاسات أنظمة التقاعد على إقتصاديات كل من اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا، وإيرلندا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية.وغيرها من الدول.

أما الفصل الثاني فقد تناول أنظمة التقاعد في فلسطين عشية إتفاق أسلوا عام 1994، حيث أكد الفصل على أن فلسطين عرفت أنظمة التقاعد.عام 1959 في الضفة الغربية، وفي العام 1964 في قطاع غزة وذالك من خلال تطبيق القوانين الأردنية والمصرية المنظمة لعملية تقاعد موظفي القطاع العام. وإنحصر موضوع التقاعد بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص في بعض الترتيبات القاصرة التي كانت قد وردت في قوانين العمل في كل من الأردن ومصر. وإستمر الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة بالتعامل مع الأنظمة المذكورة دون إدخال تعديلات او تغيرات جوهرية على شكل وطبيعة ومكونات هذه الأنظمة إلى أن جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية وإستلمت المسؤولية عن الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1994.

وتطرق الفصل الثالث إلى مساعي إصلاح أنظمة التقاعد في فلسطين وتوحيد القوانين المنظمة لهذا القطاع أسوة ببقية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت قد شهدت تشوهات كبيرة خلال الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال رغبة وزارة المالية في توحيد أنظمة تقاعد القطاع العام أولاً، ومن ثم الانتقال إلى إصلاح أنظمة وترتيبات التقاعد ونهاية الخدمة في القطاع الخاص، وصولاً إلى نظام ضمان اجتماعي شامل ثانياً، حيث شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة مبادرات إصلاح مختلفة على المستوى المحلي وبدعم من مؤسسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي، أدت إلى نتائج مختلفة ساعدت ومع الأسف الشديد، في تعميق الفجوة بين الأنظمة بدلاً من ردمها وأدت إلى إبعاد إمكانية الإصلاح بدلاً من تقريبها، فأصبح لدينا في الضفة الغربية وقطاع غزة بداية العام 2011 أنظمة التقاعد التالية:

1. نظام التقاعد المدني للعاملين في القطاع العام لمن هم فوق سن 45 سنة.
2. نظام التأمين والمعاشات للعاملين في القطاع العام لمن هم فوق سن 45 سنة.
3. نظام تقاعد القطاع العام المنبثق عن قانون التقاعد الموحد رقم 7 لسنة 2005.
4. نظام التأمين والمعاشات لمنتسبي قوات الأمن الفلسطيني رقم 16 لسنة 2004.
5. نظام المكافآت والتقاعد لأعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين لسنة 2005.
6. إلحاق القطاع الخاص والأهلي بنظام التقاعد العام المنبثق عن قانون التقاعد الموحد رقم 7 لسنة 2005 وبشكل اختياري.

ويتابع الفصل بأنه لم تفلح جميع الجهود المبذولة حتى تاريخه في إقرار نظام تقاعد للعاملين في القطاع غير الحكومي يتمتع بمزايا قريبة من نظام تقاعد موظفي القطاع العام، بالرغم من وجود عدد ليس بقليل من المبادرات الهامة إلى خلق مثل هذا النظام، كتلك الصادرة عن مؤسسة بورتلاند وبنك فلسطين ومؤسسة مواطن وغيرها. وبقى القطاع غير الحكومي يعمل حتى تاريخه بموجب التشريعات الواردة في قانون العمل بالإضافة إلى ما يرد في اتفاقيات وعقود العمل الضرورية.

وقد أكد الفصل الرابع على وجود تباين كبير جداً في مكونات وأساسيات أنظمة التقاعد المعمول بها في فلسطين والمتمثلة في المشاركات والمساهمات والمنافع التقاعدية والامتيازات التقاعدية الأخرى. كما ونصت جميع هذه القوانين على ضرورة توفر أنظمة ولوائح عمل مختلفة ضرورية للبدء في سريان مفعول هذه القوانين وإدارة الأنظمة المنبثقة عنها.

السبب الرئيسي لاختلاف مكونات الأنظمة المذكورة يعود إلى غياب رؤية واضحة للسلطة الوطنية الفلسطينية حول موضوع الضمان الاجتماعي بشكل عام، والتقاعد بشكل خاص، من حيث أهمية دوره الاقتصادي الاجتماعي والمالي وبالتالي دور السلطة في إصلاح الأنظمة القائمة وإنشاء أنظمة جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما انعكس في انعدام إستراتيجية إصلاح واضحة تنبثق عنها سياسات وأهداف واضحة ومحددة متفق عليها، وقابلة للقياس، بل بالعكس فقد لوحظ وجود سياسات وأهداف مختلفة في صفوف السياسيين وأصحاب القرار حول إصلاح أنظمة التقاعد في الضفة الغربية وقطع غزة، مما أدى إلى تفريخ متزايد في أنظمة التقاعد سواء بالنسبة للقطاع العام و/أو بالنسبة للقطاع الخاص.

وقد ظهر تردد السلطة الوطنية الفلسطينية في موضوع إصلاح أنظمة التقاعد في فلسطين من خلال تعدد وكثرة القوانين والقرارات التي صدرت بهذا الخصوص والتي بلغ عددها 24 ثشريعا حتى تاريخة حيث ترتب على القوانين والمراسيم والقرارات المذكورة، التزامات وحقوق مالية وإدارية أدت إلى تعقيد الوضع في قطاع التقاعد وذلك من خلال المعطيات التالية:

1. اختلاف في معالجة العديد من المسائل محل بحث القانون أو القرار مما أدى إلى تعطيل تطبيق القوانين بالشكل الصحيح .
2. نشوء حقوق مالية مكتسبة لفئات عديدة وردت بصراحة في هذه القوانين مما زاد من أعباء الخزينة العامة.

3. تأكيد على عدم جدية السلطة في تطبيق وتنفيذ عملية الإصلاح.

4. إصرار على تفادي نصوص قانون التقاعد العام الخاصة بتشكيل وتسمية وتركيبة وآلية عمل هيئة التقاعد الفلسطينية وتسميتها بهيئة التأمين والمعاشات أحياناً، وهيئة التقاعد العام أحياناً أخرى.

5. تجريد هيئة التقاعد الفلسطينية من مسؤوليتها الإدارية الشاملة على جميع أنظمة التقاعد الخاصة بموظفي القطاع العام وتحويلها للقيام بكافة الأعمال الإدارية والفنية وإعداد الكشوف والمبالغ الواجبة الدفع دون أن تتحمل أية التزامات مالية واجبة الدفع لعدد من فئات المتقاعدين وإلزام وزارة المالية بدفع وتسديد هذه المبالغ.

6. إلغاء شمولية القطاع الخاص بقانون التقاعد الموحد عام 2005 ثم أعادته بعد سنتين عام 2007 دون التحقق من قدرة الهيئة على متابعة التنفيذ، ثم إعادة إلغاء شموليته في عام 2010.

7. إقرار قوانين وعدم متابعة تنفيذها بشكل كلي أو بشكل جزئي كما حصل بالنسبة للعاملين في الهيئات المحلية في الضفة الغربية، ومؤسسات العمل الأهلي والمجتمع المدني، حيث نص قانون التقاعد العام رقم 7 لسنة 2005 مادة رقم (2) على إلزامهم بالنظام الجديد، وبالرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على إقرار ونشر القانون إلا أنه لم يطبق ولا على مؤسسة واحدة من المؤسسات المذكورة. ليس هذا فحسب، بل أضيف إلى القائمة الملزمة بتطبيق القانون جميع العاملين في القطاع الخاص والذي يزيد عددهم عن 500 ألف شخص، كما وأن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تطبق حتى تاريخه أحد أعمدة النظام الجديد (الإصلاح) الوارد في المادة رقم 11 بند رقم 2 المادة رقم 17 والذي يطلق عليه نظام المساهمات المحددة (DC)، مما ولد قناعه لدى الموظفين بعدم جدية هذه القوانيين وإعتمادهم على التدخلات الفئوية لإلغائها.

أما الفصل الخامس فقد تطرق إلى تقيم مخرجات أنظمة التقاعد من حيث المبادئ المتعارف عليها دولياً والمتمثلة في التوازن، القدرة على الديمومة والإستمرارية والإدارة الفعالة، ومعيار الحماية الإجتماعية، حيث توصل الفصل إلى أن الوضع التقاعدي في الضفة الغربية وقطاع غزة في نهاية العام 2010 هو أسوأ بكثير مما كان عليه عشية إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 من ناحية الأعباء المالية المترتبة على الأنظمة والحقوق المالية للأعداد المتزايدة من المشتركين والمتقاعدين، حيث كان الحديث في العام 1994 عن إصلاح وتوحيد الأوضاع بالنسبة إلى 22 ألف موظفاً، وأصبحنا اليوم نتحدث عن إصلاح وتوفيق أوضاع حوالي 180 ألف موظف في القطاع العام بالإضافة إلى مئات الآلاف من العاملين في القطاع غير الحكومي، وبمستحقات مالية لمشتركي الأنظمة الحالية فقط للعشرين سنة القادمة تفوق 3.5 مليار دولار أي ما يعادل 66% من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 90% من حجم الموازنة العامة. أرقام أصبحت قريبة جداً من أرقام الدول الأخرى بالرغم من حداثة عمر السلطة الذي لا يتعدى 16 سنة. ناهيك عن موازنة التقاعد التي تدفع من قبل الموازنة العامة والتي بلغت عام 2010 حوالي 200 مليون دولار.

يتابع الفصل الخامس قائلاً: ومع إضافة القطاع غير الحكومي يعجز المرء عن تصور حجم المشاكل والأعباء المالية والإدارية التي سوف يسببها ضم جميع العاملين في القطاعات غير الحكومية إلى نظام التقاعد العام كما هو مطروح منذ فترة والتي يمكن أن تصل إلى 10 مليار دولار أي ما يعادل 250%من الموازنة وحوالي 200% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤكد وينذر بفشل العملية بل وانهيار تام في قطاع التقاعد في القطاعين العام وغير الحكومي، وهو ما لا يرغبه أحد ولا نتمنى حدوثه بالنسبة للسلطة الوطنية الفلسطينية لما سوف ينجم عنه من أعباء مالية تصل إلى مليارات الدولارات، وما سوف يسببه هذا من اهتزاز في الاستقرار والأمن الاجتماعي والاقتصادي في فلسطين، وبخاصة بعد أن خطت فلسطين خلال السنوات العشر الماضية خطوات ممتازة في مجال تحسين إدارة المال العام وإعادة اكتساب ثقة المستثمرين من الداخل والخارج وبخاصة ثقة المؤسسات الدولية والدول المانحة.
وبما إن حجم الضرر الكلي والجزئي المتوقع لفشل وانهيار هذه العملية هو كبير ويفوق القدرات المحلية، يتقدم الكتاب بالتوصيات الفورية التالية:

1. إصدار الحكومة لوثيقة ملزمة حول رؤية السلطة الوطنية الفلسطينية لمفهوم التقاعد وأهمية وتحديد إستراتيجية الإصلاح وأهدافها لكل من القطاع العام والقطاع غير الحكومي بعد التشاور مع جميع الأطراف المحلية والدولية والخبراء وأصحاب العلاقة، وتحديد دور الدولة في هذه العملية الطويلة والشاقة، وعدم ترك الموضوع ليعالج من قبل شخص واحد أو مجموعة أشخاص من هنا وهناك، وبشكل يخالف سياسة الشراكة مع القطاع الخاص التي اعتمدتها الحكومة الثالثة عشر.

2. إلتزام الحكومة بتحويل مستحقات هيئة التقاعد الفلسطينية الشهرية ووضع برنامج لتوفير الالتزامات المترتبة على الأعضاء المشتركين عن الفترات السابقة.

3. توحيد إدارة أنظمة التقاعد في هيئة التقاعد الفلسطينية وتزويدها بكل ما تحتاج من أنظمة ولوائح وهياكل وموارد بشرية وأساليب إدارية وتكنولوجية فعالة تمكنها من إدارة الأنظمة بكفاءة وفعالية والتوقف عن تحويلها إلى معد قوائم للمتقاعدين، وتمكينها من الإشراف الفعلي على الأنظمة وتطبيق القوانين بشكل انتقائي.

4. تشكيل لجنة وطنية مستقلة لتقديم خطة لإصلاح أنظمة التقاعد في كل من القطاع العام والقطاع غير الحكومي مع الأخذ بعين الاعتبار إستراتيجية الحماية الاجتماعية للحكومة الثالثة عشر والأعباء المالية لعملية الإصلاح.

5. تحويل وتمكين مؤسسات القطاع الخاص إدارة أموال المشتركين والمتقاعدين أسوة بما هو معمول به في أغلبية دول العالم في الوقت الحاضر ووفقاً للنموذج المعتمد في الجهاز المصرفي الفلسطيني.

6. عدم اعتماد مبدأ شمولية تقديم جميع أنواع الخدمات الاجتماعية ضمن تشريع ومؤسسة واحدة واعتماد مبدأ الفصل بين الأنظمة المختلفة (قطاع حكومي، قطاع غير حكومي، تأمين صحي، بطالة...) ومبدأ التدرج الزمني في تنفيذ عملية الإصلاح.

7. تشكيل وحدة مستقلة تابعة لرئيس الوزراء مباشرة تتولى عملية تنفيذ عملية الإصلاح بحذافيرها وفقاً لما يقرر من قبل الحكومة.

ويختم المؤلف كتابه بالعبارة التالية

لقد أن الأوان بل وأصبح متأخراً وأخشى أن يكون متأخر جداً لوقف النزيف اليومي في أنظمة التقاعد والبدء في معالجة مهنية شافية تؤدي إلى وقف نزاع المريض وتساعد في شفائه وتضعه على سكة التحسن والتطور والنمو. أن الشعب الفلسطيني يستحق ذلك، وعلى حكومته أن تعمل على إنجاز هذا الاستحقاق، قبل فوات الأوان.