وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هجرة آمنة وهي تعود الى بيت نوبا

نشر بتاريخ: 26/02/2012 ( آخر تحديث: 04/04/2012 الساعة: 09:27 )
-I-

سألقاكِ بعد قليل هناك
صنوبرةً قطّعوا رأسها
قرب مقبرة القريتين،
وما كان أحلاكِ!
قد هدّموا بيت أمَّكِ
حتى أشاعوا الحرائقَ في كل دربٍ،
ولم يبق إلاّ الخروج المرير إلى الشرق،
كي تهدأ الحرب ثانيةً،
مثلما أوجس الجَدُّ،
ثم يعودون إلى بيتهم،
غير أن المسيرة قد وقعت في القتاد.
عادوا، ولكنْ إلى حُلم ماكرٍ،
ظلّ رَهنْا بمن لعبوا بالشرايين
كي يجعلوها نياشينهم في البلاد.
وعادوا، ولكن إلى حُلم حاذقٍ
روّض الثائرين على رقصات السياسة
فانقلبوا خائبين إلى بيْعةٍ في المزاد .
وعادوا ولكن إلى صفقات التجارة بالشهداء،
وبالوهْم يرسم خارطةً من جديد،
يمكّن فيها الجراد،
ويُعطي لمن يسرقون الدماء منازل
في الريح فوق العباد .
عادوا، ولكنْ إلى غيْبةٍ سوف تمتدُّ
حتى نُعيدَ الحروِفَ إلى لغةِ الأرض،
أو نترك الشمسَ غارقة في السواد.

-II-
ومن بيت نوبا عِشاءً،
سيمشي الأبُ والأمُ بالدمع،
والصبيةُ الغامضون إلى جهةٍ في الظلام.
وما كان في الدار مركبةٌ أو أتانٌ،
ولكنّ أكتافهم تحملُ الروحَ
في سبحات اندفاعاتها للأمام.
وحافيةً كانت الأرضُ،
والشوك دامٍ،
وهذا النتوء على الصخر لا يرعوي،
إنما ظلمةٌ في النجوم،
وفي الليل وسوسةٌ للمخاوف،
والليل لا يسمع الخطوات
أو الظلّ،
هذا المدى للرّدى والسُّدى،
والعِدا يرقبون الجماعات في سيرها
نحو خيمتهم في القَتَام.

وآمنةٌ وحدَها
مع غوائلها في الطريق،
ولم تعرف الخوف إلاّ هنا،
الآن،
في زَوغَان المسافات،
كانت ضفائرُها دفقتان من الشهد،
مريولها لعبتان من الورد،
خطوتها فرحة دون وَعْد،
ولكنّها الآن في مُبْهم الوقت
قد كبرت ألف عام .
وحين استوى صُبحها مُكفّهراً،
وقاربت النَّهرَ خَافَت !
فكيف لها أن تمرّ عن الماء،
والموج لم يك لعبتها في السلام ؟
وهيّا اقطعي النهر،
سِيري على خَشب طائشٍ،
واقفزي فوق موجاته العابراتِ،
أو جَنّحي فوق صفحته كالحمام.
ولكن آمنةً لا جناحين في صدرها،
وهي خائفةٌ مثلما يفعل العابرون
فلم تمشِ،
ظلّت مجمّدة في السديم،
وما سمعت أمَّها وهي تندهها
أو تصيحُ، اعبُري ..
فاعْبُري دون أن تقفي للزؤام.
حافية، قد تكلّست الدمعاتُ على رمشها،
وحدَها،
والضفائرُ قد فلتت من مشابكها،
رُعْبها من أبيها يُعلّمها
أن عُمْراً من الظلمات سيأخذها
للسبايا،
فإما تَليْن
وإما سيكسرها الانتقام .

***
بغير هدى تخبط البنتُ في
البرَّ، والعوسجُ المختبي
شَرِهٌ يلعق الأرجوانَ
ولا يعرفُ الفرقَ بين الجدائلِ
في سحرها المدرسيّ
وسكّينهُ في العِظام.
أرى طفلةً في النجوم،
تلاعبها في السحاب،
فَهَبّت عليها الظلالُ
محملةً بالشظايا،
فعادت إلى أرضها،
ثوبها أثرٌ من غمام.
تسير إلى قلعةٍ في البعيد،
وربّةُ عموّن تفتح أزرارها
وردةً للختام.
هنا بدأ التيه قبل العواصف،
أو قبل أن يشهق اللوز
في العتبات، وثمّة موقدة في الخيام.

يطول انتظاركِ خلف العقارب
والرمل، لا شيء تفعله
أُخُتكِ الأصغَرُ اليومَ
غيرَ البكاء على قصّة قد
كرّروها ثلاثين ألفاً فقالوا:
رَمَتْكِ على تلّةٍ في الهزيع
وراحت تخبّ، ولكن قلبَ
الأمومة لم يَمْضِ حتى
أعاد الرضيعة للصدرِ،
تبكي وتضحك أمُكِ من
فِعْلة اليأس، تحضنها
ثم تشرق بالدمع، تبكي ..
فتبكي الصبايا على كتف لليمام .



هنا ابتدأ الحُلم في يقظة النازحين،
وآمنةٌ في المجاز تعود
إلى بيت نوبا وعمواس
حتى تراها المجرّاتُ
صرختَها في الركام.