وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

غزة تصرخ ورام الله تئن والكهرباء تحرق أعصاب الفلسطينيين وجيوبهم

نشر بتاريخ: 07/03/2012 ( آخر تحديث: 07/03/2012 الساعة: 21:22 )
بيت لحم- معا- تحقيق سامية الزبيدي- لأكثر من 12 ساعة، يتواصل فصل التيار الكهربائي يومياً عن مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، تشغلهم، وتكدر حياتهم، وتعطل مصالحهم، وتزيد من أعبائهم على الصعد كافة.

أسئلة كثيرة تدور على ألسنة الفلسطينيين: ما هي الأسباب؟ ومن هي الجهات المسؤولة عن استمرار هذه الأزمة وتصاعدها؟ وهل عجزت عن ايجاد حلول لمأساة عمرها ستة أعوام؟ وكيف تفاقمت حتى وصل عدد ساعات فصلها أخيراً لأكثر من 18 ساعة؟.

وما هو دور السلطة الفلسطينية المسؤولة عن ادارة حياة الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؟، وكيف تعاملت مع هذا الملف الشائك بعد الانقسام، وما هو دور كل من حكومتي رام الله وغزة؟ وأي من سلطتي الطاقة هنا وهناك مسؤولة عن كهرباء غزة؟ أم أن شروط اتفاق انشاء محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع هي السبب؟.

وهل شركة توزيع الكهرباء هي المسؤولة عن تدني معدلات جباية أثمان استهلاك الكهرباء؟ أم أن هناك أطرافاً لها مصلحة في استمرار الأزمة؟ وهل يتحمل المواطن المتخلف عن دفع قيمة فاتورة الاستهلاك مسؤولية زيادة ساعات فصل التيار؟ أم اسرافه في استعمالها؟ ولماذا يتساوى من يدفع بمن لا يدفع؟ ولماذا يدفع ثمن خدمة لا تصله؟ ولماذا تتساوى قيمة الفواتير بغض النظر عن عدد ساعات الفصل أو الوصل؟ ومن يتحمل كلفة المعدلات العالية لاستهلاك الكهرباء إبان انقطاع الغاز المنزلي عن القطاع؟ ولماذا لم تسهم مئات ملايين الدولارات التي تبرعت بها جهات عدة في خفض قيمة الفاتورة الاجمالية للمواطن؟ ومن هم أصحاب الفواتير عالية القيمة المتأخرين عن دفعها؟ وما هي أسباب عدم الدفع؟ ولماذا لا يتم الزامهم بالدفع؟ وكيف تأثيرات ذلك على عدد ساعات الفصل؟. وأخيراً، هل هناك حلول نهائية لأزمة الكهرباء؟ تحفظ ديمومتها، وتخفض أسعارها؟ أم أنها مرشحة للاستمرار والتفاقم؟.

واقع الحال:
تقول "سلطة الطاقة والموارد الطبيعية" في قطاع غزة إن كميات الكهرباء المتوافرة في القطاع محدودة، وتصل في حدها الأقصى إلى 217 ميجاواط، في حين أن القطاع يحتاج في ساعات الذورة تصل 350 ميجاواط.

وتنقسم مصادر الكهرباء في القطاع بحسب مدير مركز معلومات الطاقة في سلطة الطاقة في غزة أحمد أبو العمرين إلى ثلاثة مصادر، الأول من شركة الكهرباء الاسرائيلية التي تزودنا بـ 120 ميجاواط منذ العام 1967 وحتى الآن، وحوالي 80 ميجاواط من محطة التوليد الوحيدة، و17 ميغاواط من مصر.

وعزا أبو العمرين في حديث لـ"معاً" تفاقم الأزمة أخيرا ليصل عدد ساعات الفصل لنحو 18 ساعة يومياً الى نفاد وقود الديزل (السولار) أو (المازوت) اللازم لتشغيل المحطة، وشح توريد الديزل للقطاع عموماً، في شكل متعمد من مصر.

وكانت سلطة الطاقة اتخذت قراراً قبل أكثر من عام بتشغيل المحطة باستخدام الديزل المصري في اعقاب وقف توريد الديزل الاسرائيلي، بعدما طلبت الحكومة في الضفة الغربية برئاسة سلام فياض من الاتحاد الاوروبي الذي التزم بدفع قيمة فاتورة الديزل الاسرائيلي للمحطة لأكثر من عامين حتى نهاية العام 2009، بتحويل المنحة المخصصة للوقود البالغة 50 مليون شيكل (نحو 13 مليون دولار أميركي) شهرياً لخزينة السلطة العامة.

ودخل الوقود المصري في معادلة تشغيل المحطة منذ 18 كانون الأول (ديسمبر) 2010، ليتحول اعتماد المحطة عليه بالكامل بعدما توقفت سلطة الطاقة التابعة لحكومة الضفة عن شراء الوقود وتوريده من شركة "دور ألون" الاسرائيلية منذ الرابع كانون الثاني (يناير) 2011.

ومنذ ذلك الوقت، تشغل المحطة توربينين بطاقة 60 ميجاواط، وثلاثة في أفضل الأحوال بطاقة 80 ميجاواط وفقاً لبيانات سلطة الطاقة في القطاع.

الأزمة الأخيرة:
في 14 شباط (فبراير) 2012 توقفت المحطة عن العمل تماماً، بعد نفاد مخزونها من الديزل بحسب أبو العمرين نتيجة شح تهريب الوقود من مصر، لترتفع نسبة العجز في التيار إلى 65 في المئة.

وتباينت التفسيرات الرسمية وغير الرسمية لأسباب الأزمة، بين من يرجعها لشح الوقود في سيناء المصرية، وآخر يعزوها لرغبة الحكومة المصرية في بيع الوقود بأسعاره الحقيقة لحكومة غزة، خصوصاً بعدما تناهى لأسماعها مستويات الجباية العالية التي تعود لخزينة حكومة غزة عن كل لتر يدخل إلى القطاع عبر الأنفاق.

وذهبت حركة "حماس في بيان صحافي الى اتهام حكومة فياض بالضغط على مصر لوقف توريد الوقود عبر الأنفاق، والبدء في توريده عبر المعابر الاسرائيلية طمعاً في العائدات الضريبية.

وقال تجار ومالكو محطات وقود إن المشكلة بدأت بعدما وقع خلاف بين الحكومة ومهربي الوقود حول أسعاره، ومن ثم مع الحكومة المصرية، بعدما أصرت مصر على توريد الوقود عبر معبر "كرم أبو سالم" الفلسطيني الاسرائيلي المشترك الواقع عند نقطة تلاقي الحدود مع مصر أقصى جنوب شرقي مدينة رفح جنوب القطاع، بينما تصر حكومة "حماس" على توريده عبر معبر رفح الحدودي وبأسعار أقل، الأمر الذي أكده الدكتور علاء الرفاتي وزير الاقتصاد، عضو اللجنة الحكومية المشكلة لدرس أسباب أزمة الكهرباء.

وعزا الرفاتي توقف توريد الوقود المصري عبر الأنفاق خلال ورشة عمل نظمتها الجبهة الشعبية قبل نحو اسبوعين الى أن مصر تقول إن الوقود الذي يستهلكه سكان القطاع للمحطة وسياراتهم على حساب الشعب المصري، حيث أن مصر تدعم الوقود بملايين الدولارات سنوياً لتوفيره للمصريين بأسعار مخفضة.

وبمعزل عن التفسيرات المتعددة، فإن تصريحات مسؤولين فلسطينيين، ومصريين أكدت التوصل لاتفاق لاعادة ضخ كمية الوقود اللازمة لتشغيل المحطة، والبدء في إعادة تأهيل شبكة الكهرباء الفلسطينية والمصرية لرفع قدرة الخط المصري لـ 60 ميجاواط، والاتفاق على ربط القطاع بشبكة الربط الاقليمية (مصر، ليبيا، الأردن، لبنان، سورية، العراق، تركيا).

إلا أن هذه الاتفاقات لا تزال حبراً على ورق، ولم يطرأ أي تحسن يُذكر على فصل التيار حتى الان.

وأعلن وزير الكهرباء والطاقة المصري حسن يونس أخيراً أن مصر تدرس امكان زيادة القدرات الكهربائية المصدرة إلى أقصى حد ممكن لانقاذ غزة من الظلام لحين تنفيذ مشروع الربط الكهربائي، موضحاً أن مصر اتخذت الاجراءات المطلوبة لانضمام فلسطين لشبكة الربط الاقليمي.

فيما أعلن رئيس سلطة الطاقة في الضفة عمر كتانة في اليوم التالي عن اتفاق مع مصر لحل مشكلة الكهرباء على ثلاث مراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، أولاها تتضمن زيادة كمية الكهرباء الموردة للقطاع، واصلاح الجزء المدمر من محولات محطة التوليد، بحيث ستوفر هذه الاجراءات المتوقع تنفيذها خلال شهرين، حوالي 100 ميجاواط من التيار.

ومع ذلك، فإن أزمة الكهرباء لن تنتهي بطرفة عين، وتوقع مختصون في الطاقة أن تحتاج إلى نحو عامين في حال تطبيق الحلول المتاحة، فيما يعتقد آخرون أن حلها سيستغرق بين ثلاثة أعوام إلى خمسة، خصوصاً وأن معدل الطلب على الكهرباء في تصاعد، في وقت لا تزال فيه الحركة الصناعية والاستثمارية محدودة بسبب استمرار الحصار على القطاع.

لذا فإن البحث والتنقيب في جذور أزمة الطاقة يكتسب أهمية أكبر في ظل اشتداد الأزمة واستمرارها.

محطة التوليد:
تأسست شركة غزة لتوليد الكهرباء (محطة التوليد)، التابعة لشركة اتحاد المقاولين العالمية "ccc" التي يمتلك القطاع الخاص 67 في المئة من أسهمها، والبقية يمتلكها مساهمون صغار من الجمهور، برأس مال قدره 60 مليون دولار، فيما اقترضت من البنك العربي 90 مليوناً لتأسيس المحطة برأسمال قدره 150 مليوناً.

وتشير تقارير الشركة المالية المنشورة على صفحتها الالكترونية إلى أنها وقعت عقداً مع سلطة الطاقة التابعة للسلطة الفلسطينية (قبل الانقسام)، لشراء الطاقة لمدة 20 عاماً بدءاً من بدء تشغيلها تجارياً في 15 اذار (مارس) 2004، بحوالي 10 ملايين شيكل شهرياً (الدولار الواحد يعادل حوالي 3.7 شواكل).

وأصبحت سلطة الطاقة ملزمة بدفع أثمان كل الطاقة الكهربائية التي تولدها المحطة من دون الأخذ في الاعتبار قدرتها (السلطة) على استغلال هذه الطاقة من عدمه، وبأسعار محددة مسبقاً، فضلاً عن أن الشركة ليس لديها أدنى مسؤولية تجاه شراء وتوريد الوقود اللازم لتشغيلها، الأمر الذي يقع بموجب العقد على عاتق السلطة.

وتشير بيانات الشركة الى أن صافي أرباحها للعام 2010 تتجاوز 6.5 مليون دولار في ظل أزمة الكهرباء المتفاقمة، وهو أمر لم يخفه المدير التنفيذي للمحطة، المدير الاقليمي لشركة "ccc" المهندس وليد سعد صايل، الذي قال أمام عشرات الشخصيات السياسية والاعتبارية، ومسؤولين في سلطة الطاقة، وشركة التوزيع، ومؤسسات حقوقية وأهلية في لقاء خاص نظمته مؤسسة "بال ثينك" في مدينة غزة في شباط (فبراير) 2012: "عندما استثمرنا في هذا المشروع تم وضع شرط بانتاج 140 ميجاواط، على سلطة الطاقة أن تأخذها بالكامل، بغض النظر عن جاهزيتها، ونحن لدينا قدرة على انتاجها"، محملاً المسؤولية في هذا الموضوع لشبكة التوزيع التي "لا تأخذها".

ونفى المدير العام لشركة توزيع كهرباء غزة المهندس ماهر عايش ذلك، قائلاً إن الشبكة جاهزة من الناحية العملية لاستيعاب 130 ميجاواط، مشككاً في قدرة المحطة على انتاج أكثر من 115 ميجاواط للتوزيع.

واتهم عايش شركة غزة (المحطة) بفرض رسوم على كل توربين يعمل فيها، علاوة على مستحقاتها الشهرية، وهو أمر نفته جهات عدة ذات صلة بالموضوع.

حلول مؤقتة:
ورفض صايل تحميل شركته مسؤولية استمرار فصل التيار، محملاً سلطة الطاقة المسؤولة عن الأزمة.

واتهم سلطة الطاقة، وشركة التوزيع بالتقصير في حل الأزمة، وعدم أخذهما دورهما المنوط بهما كما يجب، محدداً عدة حلول لم تلجأان اليها منذ سنوات، وهي: "اضافة طاقة جديدة للمحطة (الغاز)، واعادة تأهيل شبكات التوزيع، وتقليل نسبة الفاقد التي تصل الى 30 في المئة".

واشار الى اتصالات أجرتها شركته مع شركات انجليزية، وافقت خلالها على العمل في القطاع، على أن تحصّل مردودها المالي من ثمن الكهرباء المفقودة".
واعتبر أن الحل "الأسرع والأجدى للتخفيف من الأزمة بالضغط على مصر لتزويد القطاع بالغاز لتشغيل المحطة، الذي يمكن تنفيذه خلال 6 إلى 8 أشهر، عبر ربطنا بالخط الذي يربط الاردن واسرائيل، ما يوفر 60 في المئة من ثمن الوقود، ويخفض ثمن سعر الكيلوواط الواحد من التيار".

وشكك البعض في أهداف هذه الدعوة، واعتبر أن ذلك سيحول الفلسطينيين الى حراس لخط الغاز الواصل لاسرائيل، الذي تعرض للتفجير 13 مرة منذ اندلاع الثورة المصرية.

إلا أن صايل واصل دفاعه عن فكرته، معتبراً أن ربط القطاع بخط الغاز، أمر يمكن تحقيقه سريعاً باتفاق مع القيادة المصرية، على اعتبار أن ذلك يخفف من الضغوط الشعبية التي تتعرض لها مصر بسبب تزويدها اسرائيل بالغاز، في وقت يتعذر عليها الغاء الاتفاق لأنها مكبلة بموجبه بأكثر من سبعة بلايين دولار غرامة على الطرف الذي يخل به".

بدوره، انتقد أبو العمرين اتفاق تشغيل المحطة ووصف بانه "مجحف وفيه استغلال لخزينة السلطة"، فيما اعتبر عايش أن "محطة الكهرباء التي تأسست بتمويل محلي وأجنبي لم تأخذ الظروف الاجتماعية والاقتصادية في القطاع في الحسبان، كما أن اتفاق تشغيلها مخالف لآليات عمل الكهرباء في كل أنحاء العالم"، وهو أمر وافقته في انتقاده مصادر مختصة في قطاع الطاقة، ووصفت الاتفاق بأنه "مخز ومجحف في حق البلد"، خصوصاً وأنه يحمل السلطة مسؤولية أي كوارث أو تدمير المحطة، ومسؤولية توريد المعدات الخاصة بصيانتها، ودفع تكاليف تشغيلية شهرية باهضة بمعزل عن أي ظروف".

معلومات متضاربة:
وعزا مصدر لـ"معاً" سبب استمرار الأزمة الى سوء ادارة سلطة الطاقة لقطاع نقل الطاقة (محولات الكهرباء)، حيث تم توريد بديل مصري للمحولات التي قصفتها اسرائيل في 28 حزيران (يونيو) 2006 بعد ثلاثة أيام على أسر الجندي غلعاد شاليت، بنظام مختلف عن الأصلي، وبقدرة أقل من الأساسي، ولم يتم العمل على استيراد محولات اضافية الا منذ ثمانية أشهر تقريباً بعدما أبرمت سلطة الطاقة في رام الله اتفاقاً لشراء محولين من الصين.

وتوقع المصدر أن تسهم المحولات في استيعاب 140 ميجاواط التي تولدها المحطة، إلا أنه شكك في قدرة شبكة التوزيع على الاستفادة منها، نظراً لاهترائها، خلافاً لتوقعات مساعد رئيس سلطة الطاقة في غزة المهندسة هالة الزبدة بقدرتها على استيعابها.

وعزت سلطة الطاقة في غزة تأخر استيرادهما الى الحصار الاسرائيلي حيناً، وحصار حكومة رام الله أحياناً أخرى، فيما عزت سلطة الطاقة في رام الله ذلك للحصار الاسرائيلي، وتوقعت أن يصل المحولان نهاية شهر اذار (مارس) 2012.

وحول تسيس قطاع الكهرباء، اتهم كتانة حماس "بتغيير موظفي وأعضاء مجلسي ادارتيي سلطة الطاقة، وشركة التوزيع في شكل فردي"، لافتاً إلى أنه "منذ فترة وجيزة بدأتُ بالحديث معهم حول التأثير السلبي لهذه التصرفات على مشاريع سلطة الطاقة وتمويلها".

وقال لـ"معاً" إن سلطة الطاقة في رام الله تورد معدات لمحطة التوليد اسبوعياً علاوة على طواقم الصيانة، لافتا الى أن البنك الاسلامي للتنمية والبنك الدولي وافقا على تمويل مشروع إعادة تأهيل الشبكة بقيمة 16 مليون دولار، وفور توقيع الاتفاق سيبدأ تنفيذ المشروع الذي سيستغرق انجازه عامين.

الخط الاسرائيلي:
تقول سلطة الطاقة في رام الله إنها تدفع ثمن 120 ميجاواط لشركة الكهرباء الاسرائيلية مباشرة من عائدات الضرائب، التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية.

وتناول رئيس حكومة رام الله سلام فياض قيمة فاتورة الكهرباء الاسرائيلية عندما كتب على صفحته على "فيس بوك" في 21 كانون الثاني (يناير) الماضي: "اقول بصراحة وألم كبير: لماذا لا نستطيع التعامل مع فاتورة الكهرباء المستوردة من اسرائيل الى قطاع غزة، التي تغطي حوالي 120 ميغاواط؟، هل يعقل أن لا تستطيع شركة كهرباء غزة أن تدفع شيئاً من 45 مليون شيكل شهرياً ثمن 120 ميغاواط. هذا الكلام غير مقبول, خصوصا في ظل الحديث عن ضرائب اضافية وضائقة (مالية)، والبحث عن أوجه خفض الانفاق. السلطة الوطنية لا يمكن أن تقبل اطلاقا أن تقطع الكهرباء عن مواطن غير قادر على دفع فاتورة الكهرباء, لكن لا يجوز أن تدفع فاتورة (..) شخص قادر على الدفع".

وقرأت أطراف عدة في رسالة فياض تهديداً محتملاً بوقف أو اقتطاع هذه الفاتورة في شكل أو بآخر من موازنة القطاع، فيما ذهب البعض الى احتمال أن يطلب فياض من الشركة الاسرائيلية وقف امداد القطاع بالكهرباء.

وتعتبر الحكومة وسلطة الطاقة في غزة أن حكومة رام الله مسؤولة عن دفع فواتير القطاع، خصوصاً أنها تأخذ العائدات الضريبية التي تجبيها اسرائيل نيابة عنها من بضائع القطاع المستوردة.

ورد الناطق باسم حكومة رام الله غسان الخطيب بأن "مساهمة القطاع من الايرادات الضريبية قبل الانقسام كانت حوالي 28 في المئة، ولا تتجاوز بعده 2 في المئة"، مشيراً الى أن "حجم الانفاق على القطاع يبلغ 45 في المئة من مجمل انفاق السلطة".

واستدرك قائلاً: "الضفة تدفع ضرائب، وتدفع فاتورة الكهرباء أيضا، ان دفع ضريبة لا يعني اسقاط ضرائب أو فواتير أخرى".

وتساءل الخطيب: "كم عضو في المجلس التشريعي تراكمت عليه فواتير ضخمة للكهرباء؟، والمؤسسات الحكومية لا تدفع. المعلومات الرائجة أن لا أحد يدفع في غزة".

الخط المصري:
في ايلول (سبتمير) 2006، بدأت مصر بتزويد مدينة رفح الفلسطينية جنوب القطاع بنحو 17 ميجاواط على مرحلتين في إطار اتفاق بين شركة التوزيع، وشركة توزيع كهرباء القناة المصرية" تُحسم قيمتها من مساهمة مصر في دعم فلسطين في صندوق الجامعة العربية البالغة أربعة ملايين شيكل.

ولم يطرأ أي تغيير يُذكر على هذا الوضع الى أن تم في نهاية شباط (فبراير) 2012 زيادتها إلى 22 ميجاواط، ضمن مرحلة قصيرة المدى، فيما أعلن كتانة عن موافقة وزارة الكهرباء والطاقة المصرية على رفعها الى 60 ميجاواط في غضون شهرين ضمن المرحلة المتوسطة المدى، بكلفة حوالي مليون دولار بتمويل من البنك الاسلامي للتنمية.

وضمن مشروع الربط الاقليمي في اطار المرحلة الطويلة المدى الذي وقعته جامعة الدول العربية، ووافقت عليه كل الدول ذات العلاقة، فإنه سيتم تزويد القطاع بـ 150 ميجاواط من مصر.

ترنسات وتبريرات:
وفي ظل العجز في الطاقة المتوافرة من المصادر الثلاثة السابقة الذكر، رأى عايش أن استمرار فصل الكهرباء يؤثر على مستويات الجباية، وعلى ثقة المواطن في شركة التوزيع، لافتاً الى أن 50 في المئة من جهود طواقم الشركة ضائع بسبب أعمال الفصل والتحميل، التي تتسبب في تلف القواطع والمحولات نتيجة زيادة التحميل على الشبكات، ما يستنزف قدرات الشركة في الصيانة واصلاح الأعطال، واجراءات الوقاية والسلامة.

ورداً على شكوى المواطنين من ارتفاع قيمة فاتورة الكهرباء على رغم فصل التيار ساعات طويلة، قال عايش: "عندما يتم الفصل يُؤجل النشاط ولا يُلغى، والكل يريد أن ينجز المهام المعطلة كل اليوم من غسيل، وخبز، وكي، وتدفئة...الخ".

وعزا مختصون سبب ارتفاع قيمة الفاتورة الى انخفاض قوة التيار الواصل للمشتركين من 220 فولت، إلى 180 وأحيانا 145 فولت، ما يرفع معدل الاستهلاك لتعويض الانخفاض، علاوة على لجوء شريحة كبيرة من مستهلكي الكهرباء لتركيب "ترنس" (محول) للحفاظ على قوة التيار، التي بدورها تستهلك كمية من الكهرباء، ترفع في مجموعها قيمة الفاتورة بنسبة 10 في المئة على أبعد تقدير، الأمر الذي نفاه عايش.

وحذر عايش من تفاقم أزمة الكهرباء في ضوء زيادة الطلب على الطاقة بنحو 10-20 في المئة سنوياً، مشيراً إلى أن المصانع المتوقفة عن العمل والمدمرة جراء الحرب والحصار كانت تستهلك حوالي 50 ميجاواط.

وتوقع أن يكون يزداد الطلب بحوالي 100 ميجاواط اضافية لمشاريع محطات تحلية المياة والصرف الصحي قيد الإنشاء حالياً، علاوة على الجامعات والمستشفيات وغيرها.

من يدفع؟:
تستهلك المحطة لتشغيل كل توربين 150 ألف لتر سولار يومياً، وتعلن سلطة الطاقة أنها بحاجة لحوالي 500 ألف لتر يوميا لتشغيل ثلاثة توربينات.

وقال الناطق الاعلامي لجمعية اصحاب شركات البترول في القطاع محمود العبادلة لـ"معاً": "تستورد الشركات الديزل من سيناء المصرية بـ 90 أغورة للتر الواحد (كل دولار يعادل 3.7 شواكل)، لتصبح كلفته بعد أجرة النقل والضخ عبر النفق شيكل واحد وعشر اغورات".

وأضاف أن حكومة غزة تفرض ضريبة على كل لتر من البنزين أو الديزل قيمتها شيكل واحد وأربعين أغورة فيصبح سعر اللتر2.50 شيكل، ونبيعه بسعر 2.58 شيكل، وفي هذا ظلم كبير لنا، حيث ترفض الحكومة خفض الضريبة، أو رفع السعر للسوق المحلي.

وأكد العبادلة أن الأسعار ذاتها تعطى لمحطة الكهرباء.

وبالنظر لمعدل استهلاك الوقود في محطة التوليد، قالت مصادر متابعة لملف الكهرباء أن المحطة تحتاج لتشغيل توربينين فقط حوالي 108ملايين لتر من وقود الديزل سنوياً، ما يعني أن توليد الكهرباء باستخدامه يكلف سنوياً حوالي 278 مليون شيكل، يعود منها إلى خزينة حكومة غزة حوالي 151 مليون شيكل سنوياً بتحصيل الضريبة المفروضة على كل لتر، وهي مبالغ ستتضاعف في حال تشغيل المحطة بكامل طاقتها.

ووفقاً للاتفاق الجديد الموقع مع مصر لتوريد وقود المحطة عبر معبر رفح الحدودي فإن سعر اللتر سيرتفع الى دولار واحد، ما يعني أن تشغيل توربينين فقط في المحطة يرفع الكلفة السنوية الى حوالي 399 مليون شيكل، وفي حال واصلت الحكومة فرض ضريبة بقيمة شيكل وأربعين أغورة على كل لتر فإن الكلفة الاجمالية السنوية لتشغيل التوربينين سترتفع الى 550 مليون شيكل.

وتبلغ الكلفة الاجمالية لمصروفات قطاع الكهرباء في قطاع غزة من الشركة الاسرائيلية (45 مليوناً) ومصر (أربعة ملايين) والمحطة في حال تشغيل توربينين فقط (33 مليوناً) اضافة الى عشرة ملايين رسوم للمحطة، وأربعة ملايين مصروفات تشغيلية لشركة التوزيع، حوالي 96 مليون شيكل شهرياً، أي نحو بليون و 152 مليون شيكل سنوياً.

وعند الحديث عن الجهات المسؤولة عن دفع فاتورة الوقود، تتجه الأنظار لشركة التوزيع المسؤولة عن جباية ثمن الكهرباء من مشتركيها، على رغم أن العقد التأسيسي لشركة التوزيع مع سلطة الطاقة يوضح أن توفير الوقود مسؤولية سلطة الطاقة، وعلى شركة التوزيع تسديد ثمن ما تستهلكه من كهرباء فقط وفقاً للتعرفة الاسرائيلية للكيلوواط وهي (40 أغورة) تقريباً، وهي تعرفة أقل من نصف كلفة انتاج المحطة للكهرباء، التي تصل بحسب أبو العمرين لـ 1.30 اغورة للكيلوواط الواحد.

وتشير المعلومات المتوافرة الى أن قيمة الفاتورة الشهرية لكافة المشتركين لدى شركة التوزيع لا تتعدى الـ 70 مليون شيكل تقريباً.

وحول ذلك، قال عايش إن "الشركة وسلطة الطاقة لديهما حساباً بنكياً مشتركاً، تُودِع فيه الشركة الأموال المتحصلة من الجباية تحت تصرف سلطة الطاقة بعد حسم الكلفة التشغيلية للشركة" المقدرة بحوالي أربعة ملايين شيكل شهرياً.

وأضاف أن ما يتبقى من أموال لا يكفي لشراء الوقود اللازم لتشغيل المحطة، مؤكداً أن مستويات الجباية لم تتجاوز 50 في المئة في أحسن أحوالها.
ولفت عايش إلى أن للشركة ديوناً على مشتركيها تفوق ثلاثة بلايين شيكل، مشيراً إلى أن عدد المشتركين بلغ 178 ألف مشترك، معظمها اشتراكات منزلية.

ديون وضرائب:
إلى ذلك، اتهمت مصادر خاصة فضلت عدم الكشف عن اسمها بعض المتنفذين في حكومة غزة والمجلس التشريعي باستغلال نفوذهم الوظيفي لعدم تسديد ثمن ما يستهلكونه من كهرباء.

وكشفت المصادر أن وزارات حكومة غزة المختلفة لا تسدد فاتورة استهلاكها الكهرباء، اضافة الى مؤسسات مجتمعية وصحية وتجارية وسياحية محسوبة على الحركة (نتحفظ على نشر الأسماء) يترتب عليها عشرات ملايين الشواكل شهرياً.

وأشارت إلى أن استخدام المكيفات في المساجد المنتشرة بكثرة يستهلك الكثير من الكهرباء، في وقت يغرق القطاع في ظلام دامس، اضافة الى أنها لا تسدد ثمن ما تستهلكه من كهرباء.

وهو أمر نفاه، وكيل وزارة المالية في حكومة غزة اسماعيل محفوظ جملة وتفصيلاً، وقال لـ"معاً" إن "شركة الكهرباء مدينة للحكومة بمبالغ طائلة"، مضيفاً أن "المعادلة معكوسة، الحكومة تقدم تمويلاً للشركة".

وقال إن الديون المتراكمة المستحقة للسلطة، منذ نشأتها، على الشركة تبلغ حوالي 2.5 بليون شيكل.

وحول نصيب حكومة غزة من هذه الديون، قال محفوظ إن شركة التوزيع مدينة للحكومة منذ بدء تشغيل المحطة بالوقود المصري بحوالي 75 مليون شيكل، دفعت أثمان للوقود المورد للمحطة نظراً لعدم قدرة الشركة على الدفع.

ونفى أن تكون فاتورة الوزارات والمستشفيات الحكومية تقدر بعشرات ملايين الشواكل، وقال إنها لا تتجاوز 2.5 مليون شيكل شهرياً تحسم من الديون المترتبة عليها.

وأشار الى أن استهلاك المشاريع الحكومية المقامة على المحررات خلال عام 2010 وصل لـ 600 ألف شيكل فقط، نافياً المعلومات التي تتحدث عن عدم الدفع، أو عن امدادات غير قانونية للكهرباء لهذه المشاريع.

وقال إن الحكومة تعتبر توفير الكهرباء مسؤولية حكومية شمولية وليست علاقة تجارية مع الأطراف المعنية.

وحول ما تجبيه الحكومة من عائدات الضرائب المفروضة على الوقود المورد للمحطة، قال محفوظ: "عندما كان السولار يورد عبر سلطة الطاقة برام الله كان شاملاً الضريبة، وأيضاً من الاتحاد الاوروبي، تفرضها السلطة الفلسطينية بواقع دولار على كل لتر سولار، والآن حينما تشتريه سلطة الطاقة من التجار لمحطة التوليد فإنه شامل للضريبة أيضاً، وهذا نظام مالي معمول به، ويطبق على كل السلع، والوقود سلعة".

وأضاف أن "هذه العائدات هي حسابية فقط، لكن عملياً لا يتم تحصيل ضرائب، بل بالعكس الحكومة تدفع".

مصادر مطلعة قالت لـ"معاً" أن هذه المعلومات مشوهة، مؤكدة أن لا علاقة مباشرة بين شركة التوزيع والحكومة أو وزارة المالية، وأن مسؤولية توريد الوقود للمحطة تقع على عاتق سلطة الطاقة وليس شركة التوزيع.

وقالت إن الديون التي يتحدث عنها محفوظ مستحقة على سلطة الطاقة، وليس على شركة التوزيع، وإن مسؤولية الأخيرة تنحصر في دفع قيمة ما تستهلكه من كهرباء، التي تتراوح بين 14-20 مليون شيكل تبعاً للكميات المتوفرة من الكهرباء.

ولفتت إلى اطلاعها على تقرير لشركة التوزيع مفاده أن معدل التحصيل خلال عام 2011 بلغ 20 مليون شيكل شهرياً، مؤكدة أن الشركة تغطي استهلاكها من الكهرباء بالكامل لسلطة الطاقة، متوقعة أن يرتفع معدل التحصيل فيما لو التزمت وزارة المالية بتحويل ثمن ما تستهلكه وزاراتها من كهرباء.
وقارنت المصادر بين ما تسجله الحكومة من ضرائب على السولار المورد للمحطة، وبين ما تسجله كديون على سلطة الطاقة، الأمر الذي يرجح الكفة لصالح الحكومة.

قرصنة وسوء ادارة:
على صعيد آخر، تحدثت مصادر عن استغلال بعض الشخصيات والجهات نفوذها لعدم تسديد فاتورة الكهرباء، أو تمديد أكثر من خط للكهرباء في شكل غير قانوني، وهو ما يبرر شكوى بعض المواطنين من أن الكهرباء متصلة دائماً في بعض بيوت تعود لمسؤولين ومتنفذين في الحكومة والحركة وأجهزتها المختلفة، وهو أمر، نفاه عايش، وقال إن طواقمه تقطع الكهرباء عن أي مشترك غير مسدد بعد تحذيره خطياً على الفاتورة، وبالتوجه له مرات عدة.

وأضاف أن مواطنين عاديين يقومون بربط منازلهم بمصدرين للكهرباء على الأقل، ما يزيد من الأحمال، ويتسبب في الكثير من الأعطال، مشيراً إلى أن الشركة تنفذ حملات لإزالة هذه الخطوط غير الشرعية.

وقالت مصادر لـ"معاً" إن "هناك سوء ادارة واضح لملف الكهرباء من قبل سلطة الطاقة، وحكومة غزة"، مشيرة إلى أنهما "لم تبحثا عن حلول بديلة فيما لو توقف توريد الوقود أو الكهرباء من أي مصدر من المصادر".

واستذكرت "الأزمة التي نشأت فور توقف الاتحاد الاوروبي عن دفع كلفة الوقود الاسرائيلي، ثم تخلي حكومة فياض عن تحمل هذه الكلفة، وما حدث بعد وقف توريد السولار المصري".

وأشارت الى "غياب الرؤية الواضحة لسبل توفير الكهرباء للناس على المديين القصير والبعيد، وهو ما يتمظهر في كثرة الاقتراحات والمشاريع لحل الأزمة، من دون البدء في تطبيق أي منها، أو الاتفاق على أفضلها من ناحية الاستمرارية والكلفة المالية".

وتحدثت عن مشاريع مطروحة، تم توقيع اتفاقات في عدد منها، من دون أن يتم تطبيقها.

حلول استراتيجية:
أحد هذه الحلول الربط بالخط الاسرائيلي 161 الذي تقوم فكرته على شراء حوالي 250 ميجاواط من شركة كهرباء إسرائيلية، ويتطلب لانجازه بحسب الرفاتي عاماً كاملاً، موضحا أنه "سيتم بموجب العرض المقدم من الشركة الاسرائيلية تزويد القطاع بـ 250 ميجاواط على مرحلتين، 150 ميجاواط في المرحلة الاولى، ترتفع لمئة ميجاواط أخرى في المرحلة الثانية، الا أن الشركة الاسرائيلية اشترطت لذلك خفض القدرة التشغيلية للخطوط الاسرائيلية الحالية من 120 إلى 80 ميجاواط كخطوة أولى"، في اشارة الى أن هذه الاشتراطات، وطول المدة المطلوبة لتطبيقه، تقف وراء تعطيله.

وقال كتانة إن سلطة الطاقة بذلت مساع في عام 2010 لزيادة كمية الكهرباء الواردة من الشركة الاسرائيلية وتغذي القطاع بحوالي 62% من التيار، إلا أن شركة التوزيع لم تغتنم الفرصة ورفضت تقديم الضمانات المالية من أجل ربط غزة على خط 161، ما كان سيسمح بزيادة كمية الكهرباء بـ 70 ميغاواط في المرحلة الأولى.

وعن عدم قدرة الشركة تقديم مثل هذه الضمانات في ضوء تدني معدلات الجباية، وديونها المتراكمة على المستهلكين، أشار كتانة الى أنه "لابد أن يقدم المشتري ضمان مالي للبائع، وعندما تعجز الشركة، فإن السلطة تتدخل وتغطي هذا العجز، وهذا ما يحدث مع الشركات في الضفة الغربية..لا أحد يعطي ضمانات عنهم".

وحول أسباب فشل هذا المشروع، قالت مصادر عليمة في سلطة الطاقة بغزة إن "الضمانات المالية والمراسلات الادارية كانتا السبب وراء افشال التوصل لاتفاق مع الشركة الاسرائيلية على رغم موافقة حكومة رام الله على تغطية كلفة امداد الخطوط الجديدة للمشروع المقدرة بنحو 30 مليون دولار".
وأوضحت المصادر أنه "كان يمكن الحصول على الضمانات المالية بسهولة من القطاع المصرفي، كما أن رئيس سلطة الطاقة بغزة رفض مراسلة كتانة كرئيس لسلطة الطاقة في شأن تنفيذ هذا المشروع".

وكشفت مزايا هذا المشروع لقطاع الطاقة بقطاع غزة من حيث تعدد مصادر الطاقة، وامكان توقيع اتفاق مع الشركة الاسرائيلية بتوريد كهرباء وفقاً لمستوى حاجتنا للكهرباء (بموجب العداد)، وبذلك تكون فاتورتنا بمعدل استهلاكنا، موضحاً أن الشركة قدمت عرضين الأول بتزويد القطاع ب250 ميجاواط على مرحلتين، والثاني بتزويدنا بكهرباء وفقاً لحاجتنا، والدفع نظير الاستهلاك.

وخلصت المصادر إلى أن الانقسام السياسي، وحال التراشق بين الحكومتين، أرخت بظلالها في شكل واضح على استمرار أزمة الكهرباء في القطاع، لافتاً إلى أن سلطة الطاقة بغزة رفضت تحمل أي اعباء مالية مترتبة على أي حل للاشكالات المستمرة في هذا القطاع.

الربط الاقليمي:
وعلى صعيد الحل الاستراتيجي، تكررت الاتهامات، فسلطة الطاقة بغزة تتهم السلطة في رام الله بعرقلة هذا المشروع ومحاصرة غزة، فيما يؤكد كتانة أن "الرئيس محمود عباس طلب من الرئيس المصري السابق حسني مبارك الموافقة على ربط القطاع بمشروع الكهرباء الاقليمي، ثم عاد وطلب من القيادة المصرية الحالية فوافقت، وبالفعل تم الانتهاء من اقرار المواصفات الفنية لشبكة الربط، الا أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة في مصر تحول دون البدء في تنفيذه".

وهو ما اعتبره كتانة أمراً منطقياً نظراً للكلفة الضخمة للمشروع ومتطلباته من محطات وكوابل وغيره، متوقعاً طرح عطاء المشروع خلال اسبوعين، بعدما أكد البنك الاسلامي للتنمية، الذي رصد للمشروع 32 مليون دولار، استعداده لتمويل الفروق في أسعار التنفيذ بعد مخاطبات من سلطة الطاقة".
وكانت مصادر خاصة قالت إن حكومة رام الله اشترطت البدء في تزويد القطاع بالكهرباء المصرية بانهاء الانقسام السياسي، وبتقديم ضمانات مالية بدفع ثمن الكهرباء للجانب المصري وهو ما ترفض حكومة غزة وشركة توزيع الكهرباء تحمل تبعاته.

وحول قدرة شركة التوزيع على تقديم هذه الضمانات، بسبب ديونها على المشتركين البالغة ثلاثة بلايين شيكل وعدم قدرتها على رفع مستوى الجباية أكثر من 50 في المئة، قال كتانة إن الشركة استطاعت أن تحقق نسبة جباية تفوق 91 في المئة في الأعوام 99 و2000 و2001، وأن باستطاعتها أن تجبي أكثر عبر تفعيل آليات الجباية من أصحاب الفواتير العالية من "المتنفذين الكبار".

ومع أن كتانة أعلن عن التوصل الى الاتفاق مع مصر للبدء في تنفيذ هذا المشروع وتشكيل اللجان الفنية الخاصة به، إلا أن مصادر توقعت أن يعرقل المشروع سؤال "من سيدفع" ثمن قيمة فاتورة الكهرباء المصرية الجديدة.

ماذا بعد؟
تؤشر أراء وتفاعلات مختلف أطراف الأزمة، إلى غياب التخطيط طويل الأمد لقطاع الطاقة، في وقت يبدو فيه هذا القطاع، مثقلاً باتهامات سوء ادارته، وتراكم الأخطاء من أطراف تعاقبت عليه، وبانقسام يترك آثار واضحة على حاضر ومستقبل تطويره وحل اشكالاته.

فيما "تحترق" في كل لحظة أعصاب المواطن المثقل بهمومه، يدفع فاتورة الكهرباء مرات عدة، مرة لشركة توزيع التوزيع نظير استهلاكه كهرباء لا تصله سوى ساعات محدودة، ومرة ثانية لشراء وقود لمولدات محدودة القدرة لتوفير متطلبات حياته من انارة وغيرها، ومرات أخرى، من ارهاق النفس والبدن، وزيادة الأمراض، ورفع مستوى الضوضاء، وزيادة معدل الأعطال وإهلاك الأجهزة الكهربائية المختلفة، ناهيك عن مقتل واصابة عشرات المواطنين خنقاً أو احتراقاً بسبب حرائق المولدات الكهربائية وغيرها من مستلزمات الاضاءة والتدفئة.

كل ذلك، وأكثر، ولازالت أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن قطاع غزة مستمرة، من دون أن تنجح محاولات الانعاش المتأخرة من كل الأطراف في حلها، فيما يمضي الوقت، وعجلة التنفيذ متوقفة!!