وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بغداد وقمة المهلهل – قاطعها الاثرياء وعانقها الفقراء

نشر بتاريخ: 27/03/2012 ( آخر تحديث: 28/03/2012 الساعة: 08:57 )
بغداد – موفد معا للقمة العربية ناصر اللحام– في السادسة صباحا كان الجميع يستعد للصعود الى الطائرة ، وقبل حزم الامتعة ومن باب الفضول شاهدنا قناة الشرقية العراقية، ولكننا ندمنا على الفور ، فاخبار بغداد لا تطمئن ، والمجموعات المسلحة تتوعد بالسيارات المفخخة والنيران العشوائية ، وحين سألنا الوفد الامني عن معنى نيران عشوائية، قالوا لنا ان المقصود قذائف هاون وصواريخ . وبالتأكيد لم تهدأ نفوسنا لهذا التوضيح وندمنا على اننا سألناهم اساسا .

رحلة الطيران بين عمان وبغداد لا تستغرق اكثر من ساعة ونصف ، وقبل هبوط الطائرة في مطار بغداد شاهدنا نهر الفرات يتهادى فوق الرمال الصفراء يتفقد الحقول الخضراء مثل أب جاء الى اولاده يطوف عليهم بالهدايا والحنان . فتبدّد خوفنا على الفور وهفت قلوبنا نحو العراق الحبيب.

على ارض المطار بدت الحراسات فوق العادة ، ولكن لطمأنة الضيوف لم نشاهد أي رجل امن باللباس العسكري ، بل شاهدنا شبانا عراقيين يرحبون بنا بكل هدوء وابتسامة ، ومع كوب الشاي العراقي في صالة الشرف كان المشهد يكتمل رويدا رويدا ، ويتحول من طيف سريالي الى رؤية اخوية مليئة بالعروبة والشوق .

الشوارع شبه خالية من الناس وان كانت الحكومة العراقية لم تعلن بشكل رسمي حظر التجوال، الا ان الصمت لا يليق ببغداد وهي لا تليق به ، ولا يحتاج الامر الى ذكاء او فراسة ليعرف الزائر ان الحراسات مشددة ، بل مشددة جدا ، وليعرف ايضا ان السيارات الوحيدة التي كانت تسير في هذه الشوارع الواسعة والطرقات التي تمتد على طول النظر من المطار الى المنطقة الخضراء هي سيارات الوفود العربية والضيوف وسيارات الامن فقط .... اين اهل بغداد ؟ اين الضجيج والصخب الذي تمتاز به عواصم العرب ؟ اين الناس في الازقة وفوق اسطح المنازل ؟ اين الاطفال ؟

وقبل ان تخدعك هذه الاسئلة تنظر الى الامر من ناحية اخرى : لماذا لا تعقد القمة العربية 23 في بغداد ؟ ولماذا لا يتحمّل العرب مسؤولياتهم امام عاصمة الرشيد ؟ ولماذا لا يهرول القادة والزعماء العرب الى بغداد يمسحوا جراح اهلها ويعانقوها بعد عشرات السنين من الفساد والاهمال والحصار والعنف والاحتلال ؟

كنا من قبل في ذات المدينة وفي نفس المناطق لكن لم يكن اسمها المنطقة الخضراء حين ذاك ! كانت تحمل الاسماء الطبيعية مثل فندق هارون الرشيد وقصر الرئيس وسجن ابو غريب وهكذا .

اما الان فيطلق عليها اسم المربع الامني او المنطقة الخضراء وهي مجموعة من الفنادق والقصور والشوارع الرئيسة مقابل ساحة عليها سيفين كبيرين وصدفة لؤلؤة ومدينة ملاهي مضاءة ولكن لا احد يلهو فيها . وما ان وصلنا حتى هزّ انفجار حزام ناسف منطقة الغزالية في بغداد فقتل شرطي واصيب اثنان اخران !!

ولجنا المنطقة الخضراء وكانت مدرعات الامن في كل مكان لتشعرنا بالامان ، ولكننا شعرنا بالحزن اكثر ، ولولا حفاوة الاستقبال من سفير فلسطين دليل القصوص ومراسم الاستقبال العراقي امام فندق الرشيد لما تغيّر المزاج .

على اليمين شبان عراقيون في مقبل العمر يرتدون البدلات الانيقة ويقولون اهلا وسهلا بكل ترحاب ، وعلى اليمين صبايا باللباس الفلكلوري الذي يشبه جواري هارون الرشيد يحملن الحلقوم والمن والسلوى لكنهن لا ينطقن اللغة العربية .. ثم يتضح لنا ان جميع طواقم الخدمة في الفندق هم شبان اتراك من مدينة انطاليا حيث جرى اعطاء الطواقم العراقية اجازات مدفوعة الاجر واستقدام طواقم فندقية من تركيا لاستلام الفندق تحسبا من أي اختراق امني . ولا شك انها خطوة ذكية امنيا ولا تترك أي مجال للمقامرة مع خلايا عنيفة تتوعد بافشال القمة .

وكذلك هناك شركات امنية من البنغال وغيرها من الدول تقدم خدمات الحراسة لنفس السبب وهي خطوة استباقية من حكومة المالكي وهو الرجل الاقوى في بغداد حاليا .

في بهو الفندق شاهدنا نبيل العربي يعمل بكل جهد من اجل انجاح القمة كما انتشر وزراء الخارجية العرب في القاعات لتجهيز المسودة النهائية للاتفاقيات .|169454|

مواقع الانترنت مليئة بالانتقادات ضد القمة وبعض وسائل الاعلام خرجت عن اللياقة في استخفافها بقمة العراق وبث تقارير عن الخوف وغضب السكان واحتمالية التفجيرات ما يغضب الصحافيين العراقيين ، حتى ان احد صحافيي التلفزيون العراقي قال لنا " ارجوكم لا تصدقوا هؤلاء ، لانهم قرروا العمل بكل جهد لافشال القمة قبل ان تبدأ ولو كانت في عاصمة اخرى لما قالوا ذلك بل كانوا سيسارعون لامتداحها والتغزل فيها حتى قبل ان تبدأ " .

البعض يقول انها قمة الفقراء ، لان الدول الغنية لم تحضر ، ولكن امير الكويت ورئيس ليبيا وكذلك العراق هي دول غنية ؟

والبعض يقول انها قمة الدول الصغيرة ، فهل المقصود دول صغيرة جغرافيا ام سياسيا ، لان موريتانيا اكبر من معظم دول الخليج في المساحة والسكان وسياسيا فلسطين اقوى من كل الدول العربية الاخرى ؟

بعض المعارضة العراقية يقولون هنا انها قمة البندورة ، لان سعر كيلو الطماطة"باللهجة العراقية" " البندورة " وصل الى 3 الاف دينار عراقي ؟

والبعض يقول انها قمة الفي سبوك لانها اول قمة بعد ثورات الربيع العربي وسقوط بعض الحكام ؟

والبعض يقول انها قمة المعذبين في العالم العربي، وقمة الصومال وقمة الشعوب المعذبة .

اما الوفد الفلسطيني والذي يمكن ان يصل عدده الى مئة شخص من سياسيين ورجال اعمال ورجال امن تضمن سفيرنا في مصر بركات الفرا وممثل فلسطين بجامعة الدول العربية د. محمد صبح ووكيل وزارة الاقتصاد عبد الحفيظ نوفل ووفد اقتصادي ومعهم الصحافيين معين شديد وخالد جحشن ومحمد عتيق وعبد الرؤوف ارنئوط وموفد معا ، فيعتبرون هذه القمة انها قمة فلسطين ، بل اننا هنا متشوقون للخروج الى ساحات بغداد واحياء بغداد واهل بغداد ، ونحن هنا نستمع الى العرب يتهامسون والى التلفزيون العراقي وهو يبث كل ساعة عبارة الرئيس الفلسطيني : انا قادم الى بغداد ولو مشيا على الاقدام .
|169466*موفد معا ناصر اللحام|