|
عيادة العمل الصحي المتنقلة بصيص الأمل الذي يتسلح به سكان مسافر يطا
نشر بتاريخ: 12/04/2012 ( آخر تحديث: 12/04/2012 الساعة: 12:47 )
رام الله - معا - يعيش المئات من الفلسطينيين في منطقة مسافر يطا إلى الجنوب من مدينة الخليل حياةً خشنة توارثوها جيلاً بعد جيل على أرض خبروها وخبرتهم منذ العهد العثماني، حياتهم بسيطة ووادعة رغم صعوبتها، عالمهم خيمهم وكهوفهم التي تأويهم مع مواشيهم إلى جانب الأرض الرحبة التي ينبت فيها كلأ إنعامهم رغم تصحرها.
حالهم بقي على وضعه حتى النكبة فهجروا من مواطنهم الأصلية في بئر السبع ومحيطها ليرابطوا على تخوم المنطقة ولكن مع إكمال احتلال باقي فلسطين عام 1967 لوحقوا مرةً أخرى وهذه المرة بالمستوطنات التي بدأت تضيق الخناق عليهم وتهدد حياتهم التي إعتادوها منذ أجيال. في العام 2009 إلتقطت مؤسسة لجان العمل الصحي إشارةً تفيد بأن المئات من سكان المنطقة لا سيما وبعد إنتفاضة الأقصى يقاسون الأمرين فهم يعيشون في ظروف لا إنسانية بلا ماء ولا كهرباء ولا أدنى حد من الخدمات الصحية ووصولهم إليها يتطلب منهم السفر بين الرمال والأرض الوعرة لأكثر من ستين كيلو متراً حتى يصلوا مدينة يطا على ظهور الدواب هذا إن لم يعترضهم جنود الاحتلال ومستوطنوه. المؤسسة وبحسب ما أكد الدكتور رائد حمادة مدير دائرة الرعاية الصحية الأولية آثرت المؤسسة أن تفتتح عيادة طبية لها يتكلف الوصول إليها جهداً ومالاً ومعاناةً وخوفاً ورعباً سببه المحتلون ومستوطنيهم، ذاكرةً أسبوعية لطاقم المؤسسة الصحي الذي ينطلق يوماً في الاسبوع لمعاينة ومعالجة النساء والشيوخ والأطفال هناك في الفخيت بمسافر يطا. وعن بداية الحكاية يقول الدكتور حمادة: إنطلاقاً من إيماننا وفلسفتنا التي تتبعها المؤسسة والتي صاغتها في رسالة مفادها أنه من حق كل فلسطيني الحصول على الخدمات الصحية أينما أمكن وقع أختيارنا على منطقة الفخيت جنوب يطا بعد دراسة عدة مواقع بحاجة إلى خدمات صحية، وخدمةً للفئات المهمشة والمحرومة من شعبنا. وأضاف: لقد قمنا بإفتتاح العيادة في الفخيت بالتعاون مع مؤسسة كير الدولية في بداية شهر تشرين الأول من العام 2009 لا سيما وأن الاختيار وقع على هذا التجمع بعد دراسة معمقة وكونه يتوسط تجمعات شبيهة وفيه مدرسة للصفوف الأساسية الأربعة الأولى وهي أيضاً عبارة عن خيمتين كما هو حال العيادة. وعن تكوينة الطاقم الطبي العامل في العيادة الخيمة والخدمات التي يقدمها أوضح حمادة أن الطاقم يتكون من أطباء مختصين في الطب العام، والنسائية، وصحة المرأة، وفنية مختبر وممرضين إلى جانب خدمات الصحة المدرسية. مشيراً إلى أن العلاجات والأدوية تقدم مجاناً للسكان ويجري تحويل من هم بحاجة إلى متابعات وعلاجات متقدمة إلى مراكز ومستوصفات لجان العمل الصحي المنتشرة في محافظة الخليل لمتابعة وإستكمال الفحوصات والعلاجات. ويقول الدكتور معين الأطرش مدير العيادة: إن الطاقم يتحرك مرةً في الإسبوع من مستوصف حلحول الصحي ويقدم خدماته لحوالي 800 فلسطيني يعيشون في المنطقة حيث يجري الكشف في كل زيارة على حوالي 80 حالة، إضافةً إلى تقديم فحوصات التقصي لطلبة المدرسة المتاخمة للعيادة. وتقوم الإخصائية النسائية الدكتورة نادية الحيح بتقديم الخدمات الطبية والتثقيف والتوعية للنسوة في تلك المنطقة ليجابهن مخاطر الحياة وصعوبتها كما تقدم العيادة لهن الأدوية والإرشادات الوقائية في فترة الحمل وما بعد الولادة عدا عن المتابعة سواءً في الخيمة المخصصة كعيادة للنسائية أو في خيمهن التي يسكنها. ويواجه الطاقم صعوبات جمة حتى يصل إلى المكان الذي تتعاطى معه دولة الاحتلال كمنطقة تدريب عسكرية فالصعوبات كبيرة وليس أقلها الطرق الوعرة التي يتوجب على العاملين في العيادة هناك قطعها ذهاباً وإياباً، عدا عن المخاطر التي تصادفهم في الطريق خاصةً وأن معظم أراضي المنطقة يستخدمه جيش الاحتلال كحقول رماية وتدريب إضافةً إلى إعتداءات المستوطنين الذين يسكنون حزاماً إستيطانياً يحيط بالمنطقة. الطاقم بدوره أكد أنه ينسى كل المعيقات التي تصادفه في الطريق بمجرد وصوله للمنطقة وشروعه في علاج الناس هناك، وأضاف: إننا نفخر بكوننا المؤسسة الصحية الفلسطينية الأولى التي إستطاعت الوصول إلى هذا المكان وهو ما ترجمه المواطنون هنا بالترحاب بنا والمساندة وهو ما أشعرنا بأن جهود وسياسات المؤسسة تسير في الإتجاه الصحيح مستمرةً في نهج الإلتزام دوماً بالفقراء والمحرومين والمهمشين. ويؤكد الطاقم الطبي العامل في عيادة الفخيت أن أكثر الأمراض التي يعاني منها سكان المنطقة تتركز في الإلتهابات الرئوية بسبب سوء المسكن والغذاء، وأمراض فقر الدم وخاصةً لدى الحوامل والأطفال، والإلتهابات المعوية الناجمة عن شح المياه التي يمنع السكان من الحصول عليها بيسر حيث يصادر الاحتلال صهاريج مياههم ويمنعهم من حفر آبار مياه لتجميع الأمطار فيها. ومن صور المعاناة التي يعايشها سكان تلك الخرب الفلسطينية ما ترويه الحاجة وضحة بقولها إن العيادة وإن كانت في خيمة ومعرضة للإقتلاع بسبب الرياح أو بسبب جنود الاحتلال إلا أنها خففت عنا الكثير، مشيرةً إلى أن أي فرد يمرض في هذه المنطقة إما أن يموت أو يجري نقله على جرارات زراعية إلى بلدة يطا البعيدة عن المكان. وأستذكرت الحاجة ما جرى لزوجها الذي مات وهم ينقلونه ليلاً على جرار زراعي للعلاج في يطا. وهنا تدخلت الحاجة أم محمد، وقالت: صحيح أن الأطباء لا يأتون إلا مرةً في الإسبوع ولكن هذا أفضل من الوضع السابق. وطالبت المؤسسة بزيادة عدد أيام الخدمة الصحية في المكان وتوفير الأدوية المخصصة لأمراض الضغط والسكري كون السكان هناك لا يستطيعون توفيرها بسبب الفقر والأوضاع الاقتصادية السيئة. الحال بعد عامين تبدل قليلاً فمدرسة الفخيت اليوم باتت مبنية من الطوب ومسقوفة بالصفيح وإحدى غرفها تخصص للعيادة يوماً في الإسبوع مع بقاء العيادة النسوية في خيمة لعدم إمكانية تنازل المدرسة المهددة اليوم بالهدم من قبل الاحتلال على التنازل عن أكثر من غرفة صفية. ويستفيد الطلبة كذلك من خدمات الصحة المدرسية حيث هيام الوارسنة العاملة في عيادة لجان العمل الصحي بإعطاء حصص أسبوعية تترافق مع كل زيارة للطلبة والهيئة التدريسية حول الصحة المدرسية تتناول فيها مواضيع متعددة مثل أهمية وجبة الإفطار والنظافة الشخصية ونظافة البيئة المدرسية، ويبلغ عدد طلبة المدرسة حوالي 60 طالباً وطالبة يأتون للمدرسة من مجموعة مضارب بدوية بعضهم يضطر لإستخدام الحمير لقطع مسافة تزيد عن عشرة كيلو مترات. وتفتقر المدرسة للإنارة والملاعب وكل مقومات الحياة المدرسية بإستثناء الإرادة التي يمتلكها الطلبة ومدرسيهم الذين لهم من القصص والحكايا الكثير مع الاحتلال وجنوده. المعاناة والقلق شأن يومي للمواطنين في تلك المنطقة ولا حدود لهما، فالمنطقة تتكون من مجموعة خرب متناثرة يعيش في كل منها قرابة الثلاثمائة فلسطيني يرتبطون بيطا عبر طريق ترابي وعر لا يصلح لمرور السيارات وعلى الطريق تتناثر العديد من المستوطنات والمعسكرات والاحتلال يسعى لتهجير الفلسطينيين من المكان بمنعه بناء المنازل والمدارس والعيادات بغية ضم المنطقة لصحراء النقب المتاخمة للمكان. كما أن المنطقة تعاني نقصاً في الرعاية الصحية فمرض طفل يعني نقله عشرات الكيلو مترات على الدواب أو حملاً على الظهور ما يعني وفاته في الطريق، عدا عن النقص الحاد في المياه وشحها فحفر الآبار ممنوع وجلب الصهاريج للمنطقة مأساة أخرى فثمن الصهريج الواحد سعة ثلاثة أكواب تتعدى الخمسمائة شيقل هذا إن سمح المستوطنون والجنود لها بالوصول. ومن المشاهد الأخرى في المنطقة التي قد يخال البعض بأنها تعود لقرن من الزمان أو أكثر أو قد يخيل إليه أنها منطقة يجري فيها تصوير مشاهد لفيلم درامي عن صراع البدو مع الصحراء، هو إضطرار أساتذة المدرسة للمبيت فيها لعدة سنوات منذ إنشائها للحفاظ عليها وتثبيتها خشية إقدام الاحتلال على هدمها كما يؤكد الاستاذ خضر العمور مدير المدرسة، ما دفعنا لإتخاذ قرار النوم في الخيمة " الصف" التي تتحول ليلاً لمبات لنا ونهاراً لغرفة صفية، وقال كانت الرياح أحياناً تقتلع الخيمة الصف وفي فصل الصيف تكون حرارتها مرتفعة ما يعني غيات البيئة الأساسية للتعليم ولكن بما أنه لابديل وحتى لا تتحقق سياسات التجهيل التي يتبعها الاحتلال رضينا بالتدريس في هذه الخيم والتي وبفضل دعم الأهالي تحولت لغرف مشيدة بالإسمنت وأرضيتها باتت ليست رملية كما كان سابقاً والأن بات بإمكاننا الذهاب لبيوتنا رغم إخطار الاحتلال للمدرسة وبالهدم ولكننا نعتقد أننا ثبتناها على الأرض. |