وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

قريع: العقلية الفلسطينية تجريبية وحل الدولتين أصبح رياضة فكرية

نشر بتاريخ: 19/04/2012 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:58 )
القدس- معا- الشرق الأوسط- يحتفظ أحمد قريع (أبو علاء) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس المفاوضين السابق، بقدر كبير من الدبلوماسية المعروفة عنه. وبعدما أصبح إلى حد كبير خارج مركز صنع القرار الفلسطيني، لم يتخلَّ قريع عن دبلوماسيته، لكنه يستخدمها بدهاء كبير في نقد صناع القرار الفلسطينيين وغيرهم، اليوم.

ووصف قريع، العقلية الفلسطينية بالتجريبية، وقال إن الآلية التي جربها الفلسطينيون لسنوات طويلة في المفاوضات فشلت، داعيا إلى تغييرها بإشراك أطراف عربية ودولية حول أهم الملفات، مثل القدس واللاجئين والأمن.

ويرى قريع، الذي قاد أصعب وأهم المفاوضات مع الإسرائيليين، أن الحديث عن حل الدولتين في ما توجه إسرائيل له ضربات قاتلة، أصبح مجرد رياضة فكرية، مؤكدا أهمية حل الدولة الواحدة وإبقاءه خيارا حيا.

ولم ينتقد قريع مباشرة فكرة الرسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنه سخر منها بطريقته، بقوله: "موقفنا وموقفه معروفان". ولا يوافق قريع على مقترح حل السلطة، واصفا ذلك كمن يطلق النار على قدميه، ولا يوافق على فتح الاتفاقات السابقة للتفاوض، قائلا "إن المطلوب هو الاتفاق على حل دائم وليس تحسين شروط المرحلة الانتقالية".

ولم يخفِ قريع تراجع دور منظمة التحرير الذي قال إنه بحاجة إلى تفعيل وعناية ورعاية، غامزا في قناة من "لا يشاورون" في القضايا المفصلية.

وفي مكتبه الكبير في أبو ديس، في القدس، يعلق قريع صورا كثيرة لرفيق دربه الرئيس الراحل ياسر عرفات، ويقول قريع إنه يفتقده إلى حد كبير كقائد وصاحب كاريزما ووفي لرجاله وكادره، وكأنه يشكو أيضا من قلة الوفاء. وفي ما يلي نص الحوار:

* أريد أن أبدأ من حل الدولتين، قلت في مقال هذا الأسبوع إنه مات، هل تنعاه رسميا أم يمكن إحياؤه؟

- أنا قلت إن حل الدولتين تعرض لضربات قاتلة، أنا لدي قناعه أن إسرائيل تتحدث عن مشروع الدولتين ولكنها تقوم بعملية اغتياله. لا يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية دون القدس. إذا كان مشروع الدولة جسما حيا فالقدس هي الرأس، وإذا قطع الرأس لا يحيا الجسد. وثانيا انتبه للكتل الاستيطانية، يجب أن يعرف الجميع أين هي حدودها، سأبدأ من الشمال، مستوطنة أرئيل (قرب مدينة نابلس) تدخل 24 كيلومترا من الغرب إلى الشرق في بطن الضفة، وسيضيفون إليها شيلو التي ستتوسع بنحو 500 وحدة استيطانية، وستتحول كلها إلى كتلة واحدة وتصل إلى غور الأردن وتقطع الضفة الغربية، وفي الوسط هناك جفعات زئيف التي تنهي تواصل رام الله، وتمتد حتى جنوب القدس وغربا نحو بيت سيرا، ويضاف إليها معالي أدوميم شرقا، وتصل إلى الخان الأحمر (على طريق أريحا)، ناهيك بمشروع «الإي ون» الذي إذا بني سيغلق القدس من الشرق، ولن يكون هنا مجال لزيارتها إلا من الغرب أو بإذن من الضابط الإسرائيلي، أما مستوطنات القدس فلا داعي للحديث عنها. أنا لا أعتقد أن من الممكن التعامل مع مثل هذه الكتل في مشروع حل دولة فلسطينية. إسرائيل بنت الجدار، رسمت الكتل الاستيطانية، وأخشى أن تقول هذه دولتكم إلى أن يأذن الله بأمر وانتهى الموضوع، دون قدس، دون لاجئين ومع بقاء غور الأردن فضاء أمنيا. نحن نريد حل الدولتين، لكن إذا لم تكن إسرائيل ملتزمة بحل الدولتين على أساس الشرعية الدولية، والقانون الدولي، والمرجعية الخاصة بعملية السلام، فسيصبح الحديث عن حل الدولتين مجرد رياضة فكرية، ولا يعطي أي نتيجة.

* وما الحل الذي يرضيكم؟

- حل الدولتين يقوم على دولة فلسطينية، على خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 مع تبادل بالقيمة والمثل في الحدود وليس في المستوطنات.

* وهل ما يفعله الإسرائيليون اليوم أصبح قدرا؟

- لا أقول إن ما يخطط الاحتلال له قدر، لكن ما يخطط له الاحتلال إذا بقي الوضع كما هو سيجد فرصة كي يفرض على الواقع، الوضع الداخلي الفلسطيني غير صحي، والوضع العربي غير صحي، أصبح محايدا، أنا لا أريد بيانا من القمة العربية، أريد مشاركة عربية حقيقية.. هذه فلسطين، وهي مركز المنطقة الذي يفصل ما بين الأخطبوط والعالم العربي. القضية الفلسطينية تحتاج إلى موقف عربي مختلف، ما الذي يقدمونه للقدس، الذي يقدمه العرب لا شيء يذكر. نير بركات (رئيس المجلس البلدي اليهودي ببلدية القدس) يملك ميزانية أكبر من كل ما تقدمه الدول العربية.

* لكنهم خصصوا أموالا كثيرة للقدس وآخرها في قمة بغداد.. هل وصلت؟

- لا لا، لم تصل، لم تدفع أي من الدول سوى السعودية.

* إذن في ظل هذا التشخيص، ما الخطوة القادمة اللازمة فلسطينيا؟

- حتى نكون موضوعيين نريد أن نعرف ماذا لدينا من قوة ومن موقف، قوتنا الآن بوضوح الموقف، الموقف الفلسطيني إلى حد ما لا بأس به، وثانيا نريد موقفا عربيا، إذا لم يكن الموقف العربي جادا في جعل القضية الفلسطينية من أولوياته فهذه نقطة ضعف، وللأسف لم نعد من أولوياته ولا من أولويات الموقف الدولي. الولايات المتحدة تتجه إلى شرق آسيا، وهذا ليس سرا، هيلاري كلينتون كتبت حول ذلك.. هناك تحول قد يحدث فراغا.

* قلت إن الموقف الفلسطيني من المفاوضات لا بأس به. فهل أنت راضٍ فعلا عنه؟

- الموقف الفلسطيني ما زال يجرب، وسياسية التجريب تقود أحيانا إلى أخطاء، أنا لست ضد المفاوضات، لكن المفاوضات بالآلية التي درجنا عليها لم تعد تعطي أي نتيجة.. لن تعطي أي نتيجة، آلية اللقاءات الثنائية التي تنشر في الجرائد قبل أن تبدأ لم تعد مفيدة، هذا أولا. وثانيا هناك قضايا لا يستطيع الطرف الفلسطيني أن يبت فيها وحده، وأعطيك مثالا، موضوع اللاجئين لا تستطيع أن تبت فيه دون الأردن وسوريا ولبنان ومصر، هذه حقوق مواطنين وحقوق شعب، وحقوق الدولة المضيفة. إذن أنت بحاجة إلى هذه الأطراف، وبعض الأطراف الدولية يجب أن يعرفوا أولا بأول. وهذا ينسحب على قضية القدس أيضا، التي نحن بحاجة إلى مشاركة غير مباشرة فيها من الدول العربية والإسلامية، وعلى الأمن أيضا. إسرائيل كل يوم تتحدث عن الأمن وحولته إلى شرط تفاوضي، يجب أن يكون هناك فهم لقضية الأمن على المستوى الإقليمي، أنا لا أدعو إلى شراكة على طاولة المفاوضات ولكن إلى مشاركة وتغير في الآلية.

* لكنك تتحدث عن القضايا السيادية الأهم في المفاوضات.

- نعم، (القرار) هو قرارنا، لكن لا نستطيع أن نبرمها وحدنا، نريد أطرافا عربية وإقليمية ودولية موجودة معنا، يجب أن نغادر منطق المفاوضات الثنائية، لم تعد مفيدة، ولذلك هي تتحول مرة إلى استشرافية ومرة إلى استطلاعية، إذا كان هناك مفاوضات فلتكن بالآليات جديدة.

* لو أنك ما زلت رئيس الوفد المفاوض أو القرار عندك، كيف ستتصرف الآن؟

- أنا لا أقول إن موقفنا صحيح.. شرط وقف الاستيطان حق وصحيح، ولكن المهم أن أقول إنني لن أعترف تحت أي ظرف من الظروف بأي جسم استيطاني أنشئ على أراضي 1967، ولن أقبل به. سوريا لم تقل أوقفوا الاستيطان، قالت لا مستوطنات بعد الاتفاق. مصر ما قالت أوقفوا البناء في ياميت (مستوطنة في سيناء) مثلا، لكن عندما صار الحل دمرت. وفي غزة، ألم يتركوها؟ إذن يجب أن يكون موقفنا واضحا، لكن دون أن يفهم أن التعديلات المطلوبة هي كبديل عن المستوطنات.

* لكنّ الإسرائيليين قالوا إنكم وافقتم على بقاء مستوطنات مقابل أراضٍ.

- لم توافق السلطة ولا مرة.

* ولا حتى ببقاء مستوطنات رئيسية؟

- لا لا.. في كامب ديفيد قلنا تعديلات على الحدود، وحتى أكون صريحا، لا (ياسر عرفات) أبو عمار ولا (محمود عباس) أبو مازن وافقوا على بقاء مستوطنات.

* إذن أنت مع إعلان موقف قطعي من المستوطنات والذهاب إلى المفاوضات؟

- طبعا، إذا كانت هناك آليات واضحة، أنا لست ضد المفاوضات.

* أليس هذا تجريبا جديدا؟

- لا لا.. هناك مجتمع دولي سيكون موجودا، (اللجنة) الرباعية وأطراف عربية وإقليمية.. وكذلك سقف زمني أيضا.

* لكن بدل ذلك وجهت السلطة رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هل اطلعت عليها؟

- لا والله، سمعت مثلكم.

* وهل أنت مع إرسالها؟

- إن شاء الله تأتي بنتيجة، موقفنا معروف وموقف نتنياهو صار معروفا.

* نتنياهو قال إنه سيرد برسالة، هل سيجر هذا إلى مفاوضات رسائل برأيك؟

- لا أدري كيف، لكن هو أجاب سلفا بأن لا لعودة اللاجئين، ولا للقدس، والكتل الاستيطانية ستبقى، إذن فقد أجاب.

* أتعني أن الخطوة غير مجدية؟

- إن شاء الله تكون مجدية.

* هل لديك خيارات أخرى كان يجب تفعيلها بدل الرسالة مثلا؟

- طبعا نحن لدينا خيارات، نحن أصحاب قضية ولا نعدم الخيارات.

* وما الخيارات التي ترى أنها غير مستخدمة؟

- المقاومة الشعبية مثلا خيار مهم، وتثبيت الوجود الفلسطيني وتأمين متطلباته وتعزيزه أيضا خيار مهم، وخيار دولة لشعبين دولة واحدة ديمقراطية خيار أيضا. خياراتنا قائمة ما دامت حقوقنا الوطنية لا تتحقق.

* تتحدث عن حل الدولة الواحدة، فهل تراه ممكن التطبيق؟

- هذا مشروع فتحاوي منذ عام 1967، الدولة الديمقراطية العلمانية التي يعيش فيها المسلم والمسيحي واليهودي، هذا خيار فتحاوي أصلا، وعدل عندما بدأنا نتحدث عن إقامة دولة على أي جزء ينسحب منه الاحتلال، في عام 1974، ومن ثم أخذ المجلس الوطني قراره في 1988 بدولة فلسطينية، وبدأت المفاوضات لاحقا على قاعدة قرار المجلس الوطني، ولكني أقول إذا لم تتحقق هذه الرؤية فماذا نفعل؟ نفعل خياراتنا الأخرى بما فيها الدولة الواحدة.. قد لا نستطيع نحن، هذا الجيل، تحقيق تطلعات الشعب، لكن يجب أن لا نفرط فيها، يجب أن تبقى الخيارات مفتوحة أمام الناس.

* لكن هذه الخيارات كانت تطرحها السلطة بين فترة وفترة، مما أفقدها جديتها.

- كان لا يجب التلويح من أجل التهديد، هذه خيارات استراتيجية لشعب وقضية.

* هل أنت مع القول القائل إن حل الدولتين خيار مات.. والخيار الآن هو حل الدولة الواحدة؟

- لا، أنا أقول إن إسرائيل تقتل حل الدولتين، وأنا أتطلع إلى المجتمع الدولي أن يقول لها قفي، وأن يقول إن متطلبات حل الدولتين هي كالتالي.

* وننتظر من جديد؟

- قضيتنا ليست قضية نزهة، قضية شعب ووطن ومعادلات دولية وإقليمية.

* يذهب البعض بدلا من ذلك كله إلى خيار حل السلطة.

- لا، هذا كأننا نقف وسط السبق ونطلق الرصاص على أقدامنا، السلطة إنجاز ومحطة من محطات النضال الوطني الفلسطيني، ولم تأتِ بالمجان، جاءت بنضال طويل وانتفاضة عظيمة.. هذه سلطة انتقالية مؤقتة لمرحلة مؤقتة، يتسلم فيها الفلسطيني زمام أموره حتى ينتهي الاحتلال. محرم أن يقول فلسطيني إنه يريد حل السلطة، رغم أن إسرائيل أخذت فعلا كثيرا من صلاحيات السلطة عندما عادت إلى رام الله وحاصرت عرفات، لكن يجب أن نحافظ عليها.

* هناك من يدعو إلى التفكير في وظيفة السلطة وعلاقتها بإسرائيل وإعادة صياغة ذلك.

- لا أتفاوض على السلطة بدلا من التفاوض على الحل الدائم، يعني مثلا البعض يقول إن الاتفاق الاقتصادي ظالم، صحيح، لكن لا أتفاوض على الاتفاق الاقتصادي.. أنا لا أريد تحسين شروط الحل الانتقالي.. ليس هذا ما نريده، نريد الاتفاق على حل دائم.. هو الذي يعطينا سيادة كاملة.

* حاولت السلطة أن تحصل على السيادة من خلال الذهاب إلى الأمم المتحدة، هل كانت خطوة صحيحة برأيك؟

- هذه خطوة صحيحة، وجيدة، ومطلوبة.

* هل تتعارض مع المفاوضات؟

- لا لا.. من حقنا.. أنا مع أي خطوة تقربنا من حقنا.

* ومع أن يعودوا مرة أخرى إلى الأمم المتحدة؟

- أنا أعتقد أن الحصول على دولة غير عضو إنجاز مهم. هذا سيجعلنا نشارك في كثير من المنظمات والهيئات، على طريق أن نذهب إلى مجلس الأمن.

* لكن أثير أن دولة غير عضو قد يلغي التمثيل الشرعي للمنظمة.

- دولة غير عضو يعني أن المنظمة قائمة ممثلا شرعيا وحيدا إلى أن تقام الدولة المستقلة.

* البعض ربط بين فشل خطوة مجلس الأمن والانقسام، هل ترى رابطا؟

- الانقسام عامل من عوامل تآكل الوضع الفلسطيني، هذا بلد صغير، ونحن أصحاب قضية وتحت الاحتلال. هذا الوضع لا يجوز أن يستمر، يجب إعادة اللحمة للشعب. هذا الانقسام يضعفنا أمام إسرائيل وأمام العالم بكل تأكيد. الوضع الداخلي لا يمكن أن يستمر هكذا، وأخشى من أن يتحول الانقسام إلى أمر واقع يتم التعامل معه، والطرفان بقصد أو بغير قصد يقسمان البلد، وهناك أمثلة كثيرة مقلقة. الانقسام موضوع وطني يجب أن ينتهي.

* إذن ما المخرج الذي تراه بعدما فشلت كل الاتفاقات السابقة؟

- أنا لا أعتقد أن اتفاق الدوحة فشل. يوجد إمكانية.. لا يجوز أن نسمح ببقاء الانقسام، أنا ذهبت إلى الصين وفيتنام مبكرا، وكانوا يقولون لنا: يا رفاق اجعلوا أولويتكم تعزيز وحدتكم الوطنية لأنها ضمان انتصاركم.

* أنت عضو في منظمة التحرير، هل أنت راضٍ عن عمل المنظمة ودورها ومكانتها؟

- أنا أتمنى أن يكون عمل المنظمة ممأسس، وأن تؤخذ القرارات بكثير من التشاور الجدي، لأن المرحلة صعبة، المنظمة بحاجة إلى تفعيل بكل دوائرها التي تحتاج إلى رعاية وعناية ودعم. لا يجوز أن يكون مجلسها الوطني غائبا، والمجلس المركزي يجب أن يأخذ دوره، المنظمة بدوائرها ولجنتها ومجلسيها وسفاراتها يجب أن تحظى برعاية ودعم حقيقي.

* هي متهمة أحيانا أنها مغيبة أو لا تشارك جديا في صنع القرار.

- أنا قلت إنها بحاجة إلى تفعيل (ابتسم).

* أنت كنت صديقا مقربا من عرفات، وكان يقول دائما إنه يرى في آخر النفق ضوءا، هل ما زلت تراه؟

- ما دام شعبنا صامدا وثابتا على أرضه فسنظل نرى ضوءا في آخر النفق.

* على سيرة عرفات، هل تفتقده اليوم؟

- نعم، طبعا، دائما.

* على الصعيد الشخصي أو الوطني؟

- على الصعيدين، على الصعيد الوطني كان قائدا وله كاريزما خاصة، وحاضرا وموجودا دائما، وعلى الصعيد الشخصي كان يتمتع بوفاء وحرص على الكادر والناس والشعب.