وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

العولمة الرياضية

نشر بتاريخ: 30/04/2012 ( آخر تحديث: 30/04/2012 الساعة: 18:00 )
بقلم : * عامر شديد
يعتبر موضوع العولمة، من اكثر المواضيع تناولا وبحثا في علم الاجتماع السياسي و الدراسات المعاصرة، حيث اعتبرت هذه الظاهرة، من اشد الظواهر تأثيرا في صيرورة المجتمعات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولئن تناول الباحثون هذه الظاهرة من جوانبها الاقتصادية والسياسية باعتبارهما رأس مال العولمة، واهم مفاعيل تحكمها في الدول والمجتمعات. الا انهم لم يتناولها من جانبها الرياضي، باعتبار الرياضة مشكلا ثانويا وتابعا غير مستقل،ومن وسائل الترفيه والتسلية العابرة ليس الا .

الا ان الناظر لواقع المجتمعات العربية– ونخص هنا مجتمعنا الفلسطيني- يلاحظ بجلاء، المدى والتأثير، الذي باتت تلعبه الرياضة العالمية في حياة هذا المجتمع، حتى اصبحت الفرق الرياضية العالمية تحتل جزءا هاما من تفكير افراد ابنائنا وشبابنا ، فبتنا نستشعر ان الرياضة اصبحت صنواًللايديولوجيا ان لم تتفوق عليها.

فتولدت القسمة،وترسخت الثنائية، وبرزت التقابلية،فتفرق المجتمع، ما بين برشلوني ومدريدي، وتحولت شعارات الاندية وراياتها- بكل ما تحويه من رموز ودلالات ثقافية صادمة ومتضادة مع ثقافتنا وقيمنا- بديلا للشعارات الوطنية، والرموز القيمية الاصيلة، واصبحت قضايا الرياضة على رأس اجندتنا واقدس اولوياتنا.

فأخرجنا المسيرات بالمئات والالوف الى الشوارع، محتفلين مهللين لفوز الفريق الذي نشجعه- في مشهد سوريالي حزين- يختزل كل معاني الفراغ والاختراق العميق لثقافتنا وقيمنا ومسلماتنا، وكأننا شعب ليس له قضية وارض محتلة، واسرى يموتون ليل نهار، وارض تقضم، وقدس تهود وتستباح.

غدا نجوم الرياضة العالمية، ايقونات ونماذج للاقتداء والاتباع، فصاروا في كل قلب و على كل لسان ، وغزت صورهم بيوتنا وشوارعنا، واصبحنا نتابع تفاصيل حياة كل لاعب ، اكله وشربه، صحته وسقمه، نحزن لحزنه ونفرح لفرحه، برمجنا حياتنا ومواعيدنا، نومنا وصحوتنا، على مواعيد المباريات وتحليل ما قبل و بعد المباريات، تعالت ضحكاتنا فرحا لفوز هذا الفريق، وسالت دموعنا مدرارا لخسارة ذاك.

اضحت الصداقات والعلاقات الاجتماعية، للكثير تنتج، او يعاد انتاجها تبعا للميول الرياضي ، فتصارع الاخوة، وتفرق الاصدقاء، وثارت النزاعات وتشظى المجتمع، واهدرت الكثير من الطاقات.

الا ان الاخطر من كل ذلك، هو انتشار هذه الظاهرة بين اطفالنا وفي مدارسنا، فاصبح هم التلاميذ وجل نقاشهم، متمحور ومرتكز على احداث المباريات وتفاصيلها، فتراهم صباحا يغمرهم الفرح الظاهر اذا فاز فريقهم، وتخنقهم العبرات اذا خسر، وكم تأخذك الدهشة اذ تعلم ان هؤلاء الاطفال قد سهروا حتى منتصف الليل لمشاهدة الرياضة، ومتابعة المباريات- حتى مدارس الفتيات واللواتي يعرف عنهن وبشكل كلاسيكي، عدم الاهتمام بمثل هذه القضايا، لم تسلم من هذه الظاهرة-اما تحصيلهم الدراسي فحدث ولا حرج، تردي مخيف ولا مبالاة مفجعة، بل ان بعضهم بات يعتبر ان نجاحه الدراسي، يتحقق بنجاح فريقه، وتسجيل نجمه المفضل للأهداف، وتحقيقه للألقاب، فعاش في سبات قاتل وتبلد عقلي صادم.

فتراجع التحصيل العلمي عندهم ، وغابت القيم التربوية، و اندثر التنافس المحفز للإبداع والعطاء، وانتشرت مظاهر العنف المقلدة لنجوم الرياضة العنيفة.
ان هذا الوصف السريع لحال مجتمعنا، يدلل علىحالة الاختراق والتأثير السلبيللعولمة الرياضية،والتي اصبحت عابرة للثقافات، ومخدرة للعقول، وطاغية على كل الايديولوجيات والقيم.

الامر الذي يحتم على النخب المجتمعية الواعية، والطليعة المثقفة، ومراكز التأثير، كلا في موقعه ، وقفة حازمة، تعيد الشباب الى وعيه، وترد للمجتمع روحه وقيمه، وتحصنه في ثقافته ومبادئه، وترد الرياضة الى حجمها الطبيعي، كميدان لبناء الجسم، وتغذية الروح، وتنشيط العقل،على المستوى الشخصي، ومجال للترفيه والتسلية على المستوى العالمي، بعيدا عن التعصب والتشنج، او التشاحن والتباغض.

* طولكرم - ماجستير دراسات عربية معاصرة